ظاهرة استئثار العناصر المنتمية سلاليا للحوثيين على مختلف المناصب السياسية والمواقع الإدارية في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، تضخمت كثيرا وباتت سببا لامتعاض سكّان تلك المناطق ودافعا محتملا لانفجار غضبهم في وجه سلطة الأمر الواقع، الأمر الذي استدعى اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاولة التغطية على الظاهرة وحجبها.
أصدرت جماعة الحوثي توجيهات صارمة بإلغاء الألقاب السلالية خلال التعيينات الوظيفية، وذلك في محاولة منها لتلافي حالة الاحتقان الشعبي الناتجة عن قناعة سائدة بأنها تستحوذ على جميع المناصب السياسية والوظيفية المهمة في مراكز نفوذها انطلاقا من العاصمة صنعاء.
وفي محاولة للتحايل على الرأي العام المحلي، صدرت توجيهات عاجلة من مكتب مدير رئاسة الجمهورية في صنعاء أحمد حامد إلى رئيس المجلس السياسي التابع لجماعة الحوثي مهدي المشاط بعدم إضافة الألقاب خلال التعيينات المنتظر الإعلان عنها من الآن فصاعدا، وبالتالي سيتم التخلي ظاهريا عن أي لقب يشير إلى السلالة المهيمنة على السلطة والثروة والسلاح في مناطق نفوذها.
وتحدثت مصادر يمنية، الخميس، عن تلقي وزارة الخدمة المدنية في صنعاء نسخة من التوجيهات الصادرة عن مكتب الرئاسة تضمنت إدراج بعض الأسماء في المناصب الدنيا خلال التعيين لصرف النظر عن نهب السلالة للمناصب في الدولة.
وبحسب مراقبين، فإن هذه الخطوة جاءت نتيجة اتساع ظاهرة الفساد واستغلال النفوذ بين السلاليين، وكذلك في محاولة لاستمالة الشارع في ظل المواجهة المفتوحة التي دخلها الحوثيون مع المجتمع الدولي، والتي تخشى القيادة الحوثية من استغلالها من قبل الفئات المطحونة والمهمشة لإطلاق انتفاضة شعبية ضدّ سلطة الجماعة.
وفي السياق ذاته، أعلن الثلاثاء، عن قرار صادر عن الميليشيا الحوثية بإقالة السلالي يحيى اليوسفي من منصب مشرف عام وتعيين الزعيم القبلي عبدالفتاح غلاب بدلا عنه، وأرجعت تقارير إعلامية ذلك إلى تورط اليوسفي في ملفات فساد، وفي التعدي على السكّان المحليين بتجنيد أطفالهم الصغار قسرا ثم إعادتهم إلى أسرهم جثثا هامدة.
وبحسب موقع المشهد اليمني فإن هذا التغيير يعد الثالث خلال أسبوع والذي طال قيادات سلالية لصالح مشايخ القبائل بينهم مدير مصنع عمران للإسمنت وقيادات أخرى في محافظة عمران.
وكان الحوثيون قد عينوا خلال الخمس السنوات الأخيرة أكثر من تسعين في المئة من القيادات في المناصب العليا من السلالة وهو ما رفع من مستويات السخط الشعبي تجاههم بشكل غير مسبوق.
وتم في نوفمبر الماضي، الكشف عن قرار جماعة الحوثي باحتكار المعهد العالي للقضاء بصنعاء، واشتراط الألقاب السلالية لقبول الملتحقين الجدد، وهو ما أدى إلى حالة احتقان داخل مؤسسة القضاء، لكن ذلك يعتبر أمرا عاديا إذا وُضع في سياقات الوضع العام في مناطق نفوذ الحوثي، حيث سيطرت الجماعة عبر التعيينات السلالية على مختلف الوزراء والمؤسسات السيادية والخدمية وعلى قيادات التعليم والإعلام والثقافة ورئاسات الجامعات ومراكز الرقابة والمحاسبة وغيرها.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي عبده البحش فإن قضية الإمامة في فكر حسين بدرالدين الحوثي تندرج في سياق حرصه على إثبات مشروعية حركته في الانقضاض على الحكومة في اليمن واجتثاثها “لإعادة الحق إلى نصابه والسيف إلى جرابه”، ذلك الحق الذي كان لذرية علي بن أبي طالب في اليمن لفترات تاريخية تمتد إلى أكثر من ألف عام في تاريخ اليمن الإسلامي، وبناء على أطروحات الحوثي، فإنه لا بد أن تكون إمامة اليمنيين ورئاستهم وقيادتهم وتولي أمورهم وشؤونهم من حق العوائل التي تزعم انتماءها إلى أهل البيت والتي تتلقب بلقب السيد أو الشريف أو غيرها من الألقاب العنصرية الاستعلائية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ويستند البحش إلى الوثيقة الفكرية والثقافية التي حررها الحوثيون بتاريخ العاشر من فبراير 2012، والتي جاء فيها ما يؤكد أحقية الإمامة والرئاسة في ذرية علي بن أبي طالب من الحسن والحسين وحصرها في هذه العائلة على أساس سلالي. وقد نصت الوثيقة على “أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين”.
ويلاحظ من خلال ما ورد في هذه الوثيقة أن الحركة الحوثية تتبنى منهج الإمامة السلالية صراحة وبشكل معلن ورسمي، وهذا يعني أن الحركة تعلن بشكل لا لبس فيه الانقلاب على النظام الجمهوري في اليمن وعلى الدستور اليمني الذي يتيح لكل أفراد الشعب اليمني بمختلف شرائحه الاجتماعية ودون تمييز المنافسة على منصب رئيس الجمهورية ويمكن الأحزاب السياسية من الوصول إلى الحكم عبر الانتخابات المباشرة.
وهذه الوثيقة تعكس بجلاء الموقف الموحد بخصوص الالتزام بالإمامة من الحوثيين والزيديين، وهي تدل على تقارب كبير بينهما في الأفكار والرؤى الأساسية، حيث وقّع على الوثيقة التي كتبها عبدالملك بدر الدين الحوثي مجموعة من فقهاء المذهب الزيدي، وهم حسين يحيى الحوثي وعبدالرحمن شايم وحسين مجدالدين المؤيدي وعلي علي مسعود الرابضي ومحمد محمد المنصور وحمود بن عباس المؤيدي وعبدالملك بدرالدين الحوثي كاتبا وموقّعا.
وأشار تقرير أعدّه المركز الإعلامي لقوات المقاومة الوطنية، ألوية حراس الجمهورية، في العام 2021 إلى أسماء أكثر من 150 قياديا نصّبتهم جماعة الحوثي في مفاصل الدولة الرئيسية ومواقع مسؤولية حكومية سلطت الضوء على جانب من النزعة السلالية والاستحواذية وحالة السطو والإقصاء وغياب التأييد الشعبي على مختلف المستويات.
الخطوة جاءت نتيجة اتساع ظاهرة الفساد واستغلال النفوذ بين السلاليين، وكذلك في محاولة لاستمالة الشارع في ظل المواجهة المفتوحة التي دخلها الحوثيون مع المجتمع الدولي
وأكد أن وجود سلاليين ممن يدعون الانتساب للهاشميين في هذه المواقع، ليس كل شيء، إذ أن بقية المناصب والهيئات، تمُنح لشخصيات لا تتمتع بأي قرار، وبدلا عن ذلك فإن المشرفين الحوثيين السلاليين هم المقرر الأول والأخير، مبينا أنّ في حكومة الحوثي “يستحوذ أدعياء السلالة على 16 وزارة من الوزارات العاملة في حين 14 من النواب والوكلاء العنصريين يتحكمون فعليا من وراء وزراء صوريين”، كما شملت التعيينات تغلغل 25 سلاليا في مؤسسة الرئاسة بصنعاء وأمانتها العامة و7 يسيطرون على ما يسمى “المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي” الذي يتحكم بكافة المنظمات المحلية ومكاتب الوكالات الدولية العاملة في اليمن.
وكان بيان صادر عن تحالف يضم سياسيين ومثقفين دعا إلى التذكير بالتحديات الكبيرة والمسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق النخب السياسية لتوحيد اليمنيين في مواجهة المشروع الحوثي، ووصف ما تقوم به الجماعة الحوثية منذ انقلابها بأنه “مخطط خبيث ونوايا مشبوهة لوأد ثورة 26 سبتمبر وكل الإنجازات التي تحققت خلال أكثر من نصف قرن منذ قيامها”، معتبرا “أن الجماعة الحوثية تقوم بمحاولات بائسة لإعادة عجلة الحياة في اليمن إلى الخلف وجعل اليمنيين عبيدا، ومن السلالية الحوثية أسيادا عليهم”.
ويعتقد متابعون للشأن اليمني أن الجماعة الحوثية تعيش وضعا حرجا بسبب دخولها أكثر من واجهة للصراع، ولذلك تحاول التظاهر أمام اليمنيين بالتخلي عن توجهاتها العنصرية الطائفية والمذهبية التي عادت خلال السنوات الماضية إلى الظهور على نطاق واسع واختلطت فيها مظاهر الاستعلاء بالفساد الذي أصبح أحد أهم ركائز نظام الحكم ومركزية القرار لدى الحوثيين.