بشكل شبه يومي، تواصل الولايات المتحدة وبريطانيا شن ضربات على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن، ردا على هجماتهم التي تستهدف سفن شحن في البحر الأحمر وخليج عدن.
واستهدفت العديد من هذه الغارات محافظة الحديدة الساحلية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين غربي اليمن، والتي تحوي ثلاثة موانئ، إضافة إلى تمتعها بموقع إستراتيجي حيوي يطل على البحر الأحمر.
وتعد محافظة الحديدة واحدة من أبرز المحافظات اليمنية من حيث الكثافة السكانية والأهمية الاقتصادية والعسكرية.
ومنذ 12 يناير الماضي تستمر الولايات المتحدة وبريطانيا بدعم دولي، شن غارات على مواقع للحوثيين، ردا على هجمات تشنها الجماعة اليمنية المتحالفة مع إيران، على الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
وبدأت هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر في 19 نوفمبر الماضي، وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل أو تلك المتوجهة إليها، وذلك نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.
ووسعت الجماعة اليمنية المسلحة عملياتها لتشمل استهداف السفن الأميركية والبريطانية، بعد أن كان الأمر مقتصرا على السفن المرتبطة بإسرائيل.
الحديدة البوابة التي يؤمّن من خلالها الحوثيون حاجتهم إلى السلاح، كما تكتسي أهمية اقتصادية بالغة بالنسبة إليهم
وخلال الأيام الماضية، وسع الحوثيون من هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، مستهدفين عددا من السفن، بعضها تعرضت لأضرار كبيرة.
ويرى مراقبون أن الجماعة تقوم باستخدام محافظة الحديدة الساحلية منصة لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في عملياتها بالبحر الأحمر وخليج عدن، ما جعل الولايات المتحدة وبريطانيا تستهدفها بشكل متكرر. كما سبق أن وجهت اتهامات إلى الحوثيين باستخدام الحديدة محطة تهريب أسلحة قادمة إليهم من إيران.
وتعد محافظة الحديدة المنفذ البحري الوحيد للمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، ما يجعلها بمثابة رئة تتنفس منها الجماعة المتحالفة مع إيران، وفق مراقبين.
ويقول عزوز السامعي، وهو صحفي وباحث يمني، إن” محافظة الحديدة واحدة من أهم محافظات اليمن، وهي الأهم بالنسبة إلى الحوثيين على كافة المستويات لاسيما العسكرية والاقتصادية”.
وأضاف السامعي أن محافظة الحديدة “تقف على شريط ساحلي يشكل أهمية بالغة للتجارة الدولية، فضلا عن كونها تضم ثاني أكبر ميناء على مستوى البلاد، والذي يمثل بوابة رئيسية للبحر الأحمر”.
وأشار إلى أن” هذه البوابة كانت على مدار الأعوام الماضية بمثابة الرئة التي يتنفس منها الحوثيون ويؤمنون من خلالها احتياجاتهم من إمداد السلاح ومختلف التقنيات العسكرية التي وضعتهم في هذا المستوى من القدرات بحيث أصبحوا يشكلون قوة قادرة على تهديد الملاحة، والممرات المائية”.
ولفت السامعي إلى أن” هذا الأمر يفسر تلقي المحافظة النصيب الأكبر من الضربات الأميركية خلال الأسابيع الماضية، فهذه الضربات تعكس طبيعة القلق الذي بات يسيطر على المجتمع الدولي، لاسيما الولايات المتحدة، وإدراكهم لخطورة نفوذ الجماعة في هذه المحافظة”.
وشدد الباحث على أن” المحافظة تشكل أهمية اقتصادية بالغة للحوثيين، الذي يجنون موارد طائلة من مينائها الاستراتيجي، والذي يعد شريانا حقيقيا لإمداد مناطق سيطرة الجماعة من احتياجاتها الغذائية والتموينية والوقود، وهو أمر منح الجماعة امتياز التفاوض من موقع ندي مع الحكومة المعترف بها دوليا خلال المرحلة الماضية”.
ويقع في مدينة الحديدة مقر المنطقة العسكرية الخامسة التي تضم 11 قوة عسكرية، وتتواجد في هذه المحافظة العديد من المعسكرات، منها قاعدة الحديدة الجوية.
ويقول الباحث اليمني عبده القصلي إن “مدينة الحديدة تطل على البحر الأحمر مما يمنحها أهمية عسكرية كبيرة للحوثيين الذين حولوها إلى مركز عسكري متقدم لقربها من الملاحة الدولية مما يمكنهم من استهداف السفن التجارية المارة عبر مضيق باب المندب الذي يعد أحد أهم المضائق البحرية في العالم”.
وأضاف أنه “عبر موانئ الحديدة يهرب الحوثيون الأسلحة من إيران، وقد راكموا قوة عسكرية كبيرة في المحافظة للدفاع عنها خلال السنوات الماضية نظرا لأهميتها العسكرية”.
وتابع” في الحديدة توجد بنية تحتية عسكرية واسعة كانت جاهزة منذ ما قبل الانقلاب على السطات الشرعية في اليمن عام 2014، ويستخدمها الحوثيون حاليا كمنصات لإطلاق الصواريخ وتجهيز الزوارق الحربية، وحولوا بعض المنشآت المدنية إلى معسكرات، واستغلوا التضاريس المتنوعة للمناطق التي يسيطرون عليها في محافظة الحديدة والممتدة على شريط ساحلي طويل نسبيا في إخفاء الأسلحة بعيدا عن المواقع العسكرية المعروفة والمستهدفة بالقصف”.
محافظة الحديدة واحدة من أهم محافظات اليمن، وهي الأهم بالنسبة إلى الحوثيين على كافة المستويات لاسيما العسكرية والاقتصادية
وحسب الباحث اليمني فإن الحديدة من الناحية الاقتصادية ” تمثل الشريان الحيوي الرئيسي للحوثيين، ففيها توجد ثلاثة موانئ هي ميناء الحديدة وميناء الصليف وميناء رأس عيسى، وعبر هذه الموانئ تمر جميع الواردات تقريبا إلى مناطق سيطرة الحوثيين المحتكرين لمعظم النشاط التجاري أصلا، وهذا يمنحهم موارد مالية كبيرة لتحقيق الثراء الشخصي وتمويل عملياتهم العسكرية”.
وتابع القصلي”من الناحية الإستراتيجية، فالحديدة لا تقل أهمية بالنسبة إلى الحوثيين عن العاصمة صنعاء، واستمرار سيطرتهم عليها يجعل منها خطا أماميا للدفاع عن صنعاء ومنطلقا لاستمرار السيطرة على محافظات أخرى محاذية لمحافظة الحديدة، فضلا عن التأثير على الملاحة الدولية كما هو حاصل اليوم”.
وأردف “هذه السيطرة تعزز موقع الحوثيين في معادلة الأمن الإقليمي والانخراط القوي ضمن المحور الإيراني واستثمار ذلك في توازن الردع مع السعودية وتقوية موقفهم في محادثات السلام معها”.
وختم قائلا “إذا سيطرت قوات الحكومة الشرعية على محافظة الحديدة ستنهار خطوط الدفاع الخلفية للحوثيين، وسيحرمون من إيرادات مالية كبيرة، وحينها سيكونون معزولين ومحاصرين تماما”.
ورغم إن الحديدة تعد من المناطق الغنية في اليمن من حيث الإيرادات، يعاني سكانها من الفقر الشديد وعدم الاهتمام بهم من قبل السلطات المتلاحقة.