بات غرق السفينة روبيمار، التي كانت قد تعرّضت لقصف صاروخي نفّذته جماعة الحوثي في إطار ما تقول إنّه نُصرة لقطاع غزّة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، يهدّد البحر الأحمر بكارثة بيئية خطرة ستُمثّل نوعا غير معهود من الخسائر التي تلحق باليمن وبلدان عربية أخرى تنشط على أراضيها أذرع تعمل لحساب إيران وتنخرط في صراعاتها.
وأكدت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الأحد غرق السفينة المذكورة، محذرة من مخاطر بيئية محتملة. جاء ذلك بينما بدا الحوثيون متجاهلين لحجم الخطر الذي يهدّد المنطقة ككل وبشكل خاص اليمن الغارق منذ أكثر من تسع سنوات في حرب خلّفت دمارا واسعا وأوقعت قدرا هائلا من الخسائر البشرية والمادية وأوجدت وضعا إنسانيا من بين الأسوأ في العالم.
وراوحت جماعة الحوثي بين محاولة التملّص من المسؤولية عن غرق السفينة، والتهديد بالتمادي في استهداف حركة الملاحة عبر البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. وحذّرت سنتكوم في بيان نشرته على حسابها عبر منصة إكس من أن قرابة واحد وأربعين ألف طن من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم كانت تحملها السفينة أصبحت تمثل خطرا بيئيا على البحر الأحمر. وأضاف البيان أن السفينة إم في روبيمار، وهي ناقلة بضائع مملوكة للمملكة المتحدة، غرقت السبت بعد أن ضربها صاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون في 18 فبراير الماضي.
وأوضحت القيادة المركزية الأميركية أنّ “المياه كانت تتسلل إلى باطن السفينة ببطء منذ الهجوم”. وشددت على أنّ “غرق السفينة يمثل أيضا خطرا تحت السطح على السفن الأخرى التي تعبر ممرات الشحن المزدحمة في المعبر المائي”. واعتبرت سنتكوم أنّ الحوثيين المدعومين من إيران يشكلون تهديدا متزايدا للأنشطة البحرية العالمية. واختتمت بيانها بالقول إنّ “الولايات المتحدة بالتعاون مع شركائها في التحالف تلتزم بحماية حرية الملاحة وسط المساعي الرامية إلى تعزيز سلامة وأمن المياه الدولية للشحن التجاري".
ياسين سعيد نعمان: ما الذي استفادته غزة من تلويث مياه البحر الأحمر
وقال أحمد عوض بن مبارك رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا "إن غرق السفينة روبيمار كارثة بيئية لم يعهدها اليمن والمنطقة”، مضيفا عبر منصّة إكس "أنها مأساة جديدة لبلادنا وشعبنا الذي يدفع كل يوم ثمن مغامرات ميليشيا الحوثي". وحذّر علي السوالمة، مدير محطة العلوم البحرية في الجامعة الأردنية، من أنّ إطلاق نحو 41 ألف طن من الأسمدة في مياه البحر الأحمر يشكل تهديدا للحياة البحرية. وأوضح أن الحمل الزائد من العناصر الغذائية يمكن أن يحفّز النمو المفرط للطحالب ما يؤدي إلى استهلاك الكثير من الأكسجين بحيث لا تستطيع الأحياء البحرية البقاء على قيد الحياة.
وشدد على ضرورة تبني دول البحر الأحمر خطة عاجلة لوضع أجندة مراقبة للمناطق الملوثة في البحر الأحمر واعتماد إستراتيجية للتطهير. وقال شينغتشن توني وانغ، الأستاذ المساعد في قسم علوم الأرض والبيئة في كلية بوسطن، "إن التأثير الإجمالي يعتمد على كيفية استنفاد التيارات المائية للأسمدة وكيفية إطلاقها من السفينة المنكوبة". ويمتاز النظام البيئي لجنوب البحر الأحمر بالشعاب المرجانية وأشجار المانغروف الساحلية والحياة البحرية المتنوعة. وقال وانغ "إذا تم إنقاذ السفينة قبل حدوث تسرب كبير فقد يكون من الممكن منع وقوع كارثة بيئية كبرى".
وفي العام الماضي تجنبت المنطقة كارثة بيئية عندما نجحت الأمم المتحدة في إزالة أكثر من مليون برميل من النفط من ناقلة عملاقة متهالكة كانت راسية في الحديدة على الساحل الغربي لليمن. لكنّ هذا النوع من العمليات بات أكثر صعوبة في الظروف الحالية. ورغم مختلف التحذيرات جددت جماعة الحوثي شرطها السماح بانتشال السفينة روبيمار "بضمان إدخال المساعدات إلى غزة". وجاء ذلك في منشور بمنصة إكس لعضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة محمد علي الحوثي. وكانت الجماعة قد أعلنت استهداف السفينة في البحر الأحمر بعدة صواريخ بحرية ما أدى إلى تعرضها لإصابة بالغة وجعلها مهددة بالغرق.
وأدانت سفارة بريطانيا في اليمن “الهجمات المتهورة وغير المقبولة التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر". وقالت في بيان “بالرغم من الجهود الدولية غرقت الآن سفينة الشحن روبيمار وهي سفينة شحن ترفع علم بليز ويديرها لبنان". وأضافت "سيتسرب من السفينة واحد وأربعون ألف طن من الأسمدة التي كانت تحملها إلى جانب وقودها إلى البحر الأحمر، ويشكل هذا خطرا بيئيا يتحمل الحوثيون المسؤولية الكاملة عنه".
وأوضحت أنه "لولا الجهود الدولية لحماية الشحن التجاري الدولي لعانت الكثير من السفن الأخرى هذا المصير”، مؤكّدة أنه يجب على الحوثيين تقديم المصالح اليمنية على ما سواها ووقف هذه الهجمات، وذلك في تلميح إلى أنّ ما يقوم به هؤلاء إنما يتم لحساب إيران تحت يافطة دعم غزّة وسكانها.
وتعليقا على حادثة غرق السفينة تساءل السفير اليمني في لندن ياسين سعيد نعمان "ترى ما الذي استفادته غزة من تلويث مياه البحر الأحمر بمئات الأطنان من المواد الكيميائية الخطرة”. وقال في منشور على حسابه بفيسبوك "ما الذي استفادته القضية الفلسطينية من تدمير البيئة البحرية في المنطقة الاقتصادية اليمنية الخالصة والتي يعيش عليها مئات الآلاف وتشكل مصدر حياة وغذاء للملايين من اليمنيين".
وتساءل أيضا "ما الضرر الذي أصاب نتنياهو وبن غفير وغالانت وغيرهم من تلويث البحر الأحمر على هذا النحو الذي سيترتب عليه إغلاق منافذ الحياة أمام اليمنيين الذي شكل البحر بالنسبة إليهم مصدر حياة بعد أن أغلقت الحرب أمامهم كل منافذ العيش".