جدّد دعاة إقامة الإقليم الشرقي في اليمن حراكهم لمحاولة إعادة تحريك المشروع الذي يشهد جمودا منذ الإعلان في يناير الماضي عن انطلاق أولى خطواته بعد أن اصطدم بعقبات على أرض الواقع يُرجّح أن تعجّل بسقوطه.
وعقد وفد من اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية لقاءين منفصلين مع كلّ من رئيس مجلس النواب سلطان البركاني ورئيس مجلس الشورى اليمني أحمد عبيد بن دغر، لم يصدر عنهما أي إعلان عن خطوات تنفيذية حيث اكتفى بعض المشاركين في الاجتماعين بنشر تعليقات بروتوكولية بشأنهما.
وجاء الاجتماعان في وقت تحدّثت فيه مصادر يمنية عن اصطدام جهود إقامة الإقليم الشرقي بعوائق، أولها عدم تمكّن أصحاب المشروع من إيجاد أرضية له داخل الأوساط الشعبية والطبقة السياسية في المحافظات المراد ضمّها للإقليم، نظرا لوقوع تلك المحافظات تحت تأثير دوائر قوية لها حضور فعلي على أرضها؛ سياسي واقتصادي وأمني.
ويطمح دعاة الإقليم المذكور إلى أن يضم محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى.
وبينما تقع كلّ من شبوة وسقطرى ضمن دائرة النفوذ القوي للمجلس الانتقالي الجنوبي الحامل لمشروع استعادة دولة الجنوب المستقلّة والمناقض جذريا لإقامة أي أقاليم من شأنها أن تضم أراضي يعتبرها جزءا لا يتجزّأ من مجال الدولة المنشودة، تقع محافظة المهرة المجاورة لسلطنة عمان ضمن دائرة نفوذ مسقط التي تعتمد في حماية ذلك النفوذ على قوى محلّية لا تظهر أي رغبة في انتماء المحافظة إلى أي كيان جديد مهما كانت تسميته.
أمّا محافظة حضرموت التي تعتبر الموطن الأساسي لحراك إقامة الإقليم الشرقي وقادته البارزين المنتمين بالأساس إلى حزب التجمّع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وحزب الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح المؤتمر الشعبي العام، فلا تزال مجال نفوذ مشترك بين الانتقالي المسيطر أساسا على منطقة الساحل، والحزبين المذكورين اللذين تعتبر منطقتا الصحراء والوادي مركز ثقلهما السياسي والعسكري في المحافظة.
ويقول أصحاب مشروع الإقليم الشرقي إنّهم يستندون في الدعوة إلى إقامته إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كان قد انعقد في صنعاء بمشاركة طيف واسع من القوى السياسية والمدنية اليمنية بين شهري مارس 2013 ويناير 2014 وصدرت عنه وثيقة نصتّ على اعتماد شكل اتحادي للدولة اليمنية، ليتمّ بعد ذلك الإعلان عن مشروع لتقسيم البلاد إلى ستة أقاليم؛ اثنان منها في الجنوب وأربعة في الشمال.
لكن المعترضين على فكرة إنشاء الإقليم الشرقي يرون أن الاستناد إلى مخرجات الحوار الوطني لم يعد يشكّل حجّة بفعل ما استجدّ في اليمن من أحداث ومتغيّرات عاصفة خلقت واقعا جديدا تجاوز تماما ما كان قائما في البلاد قبل سبتمر 2014 تاريخ استيلاء الحوثيين على صنعاء وغزوهم مناطق يمنية شاسعة.
ورغم مشاركة شخصيات مؤتمرية في محاولة الدفع بمشروع الإقليم من منطلق عقيدتها الحزبية التي تتعارض مع قيام دولة جنوبية وتحاول من خلال تجسيد فكرة الأقلمة إقامة دولة اليمن الاتّحادية، إلاّ أنّ قيادات الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين تبدو الأكثر تحمّسا للمشروع بل صاحبة فكرة أول دعوة لإقامته، وذلك على لسان القيادي في الحزب صلاح باتيس والذي لا يزال العنصر الأكثر نشاطا في الحراك الهادف إلى تجسيد الفكرة.
ويأتي حماس الإخوان في اليمن لإقامة إقليم يمتد على المحافظات الأربع المذكورة ويكون لهم دور قيادي في سلطاته المحلية، في نطاق المواجهة الأشمل التي يخوضها حزب الإصلاح لفرملة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، من جهة، وتأمين موقع لهم في مرحلة ما بعد التسوية السلمية الجاري عليها العمل في اليمن بمشاركة الأمم المتحدة وقوى إقليمية ودولية.
أحمد عبيد بن دغر: هدف الإقليم الشرقي التمسك بخيار الدولة الاتحادية
ودعا باتيس منتصف نوفمبر الماضي إلى إنشاء الإقليم الشرقي عبر منشور على منصّة إكس قال فيه “مع هذا الحراك السياسي المتصاعد بخصوص الملف اليمني أدعو أهلي في المحافظات الشرقية حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى إلى التكاتف والتماسك والتمسك أكثر من أي وقت مضى بالاستحقاق الذي تحقق في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، مضيفا قوله “يجب أن نكون إقليما كاملا قويا كبيرا لا يتبع أي إقليم آخر ضمن دولة اتحادية على أسس الشراكة والعدالة والندية والحكم الرشيد”.
ونشر القيادي في حزب الإصلاح خبر اللّقاء الجديد بين البركاني ووفد اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية بقيادة عبدالهادي التميمي رئيس اللجنة.
وكان تمّ الإعلان في ينايرالماضي في مدينة سيئون، مركز منطقة الوادي بحضرموت، عن تشكيل اللجنة المذكورة المنبثقة عن الهيئة التأسيسية لإشهار المجلس الموحد لمحافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، ليناط بها “استكمال اللوائح والنظام الأساسي وإجراءات تشكيل الهيئات القيادية ورسم السياسات والأهداف العامة”.
وقال باتيس عبر حسابه في منصّة إكس إنّ “الوفد قدّم لرئيس مجلس النواب شرحا تفصيليا عن فكرة المجلس وخطوات تشكيل لجنته التحضيرية لأبناء المحافظات الشرقية كإقليم في الدولة الاتحادية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل أحد أهم المرجعيات الثلاث المتفق عليها وطنيا وإقليميا ودوليا للوصول إلى اصطفاف وطني شامل لاستعادة الدولة وبنائها على أسس الشراكة والعدالة والحكم الرشيد لتكون الدولة الضامنة لكل اليمنيين جنوبا وشمالا وشرقا وغربا يتعايشون في ظلها شركاء في إدارة السلطة والثروة بمواطنة متساوية في الحقوق والواجبات. وهذا ما يتطلع إليه كل أبناء الشعب اليمني بعيدا عن المركزية والإقصاء والظلم والفساد والعصبيات والصراعات التي لا تبني الأوطان”.
وأضاف قوله في ذات المنشور إن البركاني رحّب “بهذه الخطوات مشيدا بدور أبناء المحافظات الشرقية وحبهم للنظام والقانون وتمسكهم بدولة المؤسسات ومبدأ الشراكة والعدالة والتعايش، موكدا أن أي عمل يجمع ولا يفرّق ويرص الصفوف من أجل بناء اليمن المنشود هو بغية كل اليمنيين جميعا وسيكون محل تقدير واحترام لدى الجميع وسيجعل مهمة استعادة الدولة ومؤسساتها وبناء اليمن الجديد حقيقة واقعة بمشاركة الجميع ونضالهم من أجله”.
وضم الوفد الزائر لسلطان البركاني إلى جانب باتيس الأعضاء في اللجنة التحضيرية والهيئة التأسيسية نهال العولقي، وحسن بن طالب بن الشيخ أبوبكر، وعبدالرحيم العولقي.
ومن جانبه نشر بن دغر عبر حسابه في إكس خبر استقباله لأعضاء اللجنة، موضّحا أنّه تم التأكيد خلال اللقاء “على الهدف الأسمى لهذا المكون وهو التمسك بخيار الدولة الاتحادية وما نصت عليه مخرجات الحوار الوطني، كمَخرج من مأزق الدولة والسلطة والمجتمع الذي نخرت في كيانه جرائم الحوثيين العنصرية السلالية والتي تسببت في كل كوارث اليمن الراهنة وبعثت من الماضي المناطقية والقبلية والطائفية، وشجعت الصراعات المحلية بديلا للوحدة الوطنية”.
وقال إنّه أشاد “بوحدة الرأي والموقف لدى المؤسسين للمجلس الموحد وأعضاء اللجنة التحضيرية”، وأثنى “على مواقف رموز الهيئة التأسيسية التي أُعلنت وكانت تعبيرا عن موقف وطني ينسجم وروح التوافق”.
وذكر أنّ أعضاء اللجنة أخبروه بإجرائهم حوارات مع “قيادات سياسية واجتماعية وثقافية وإعلامية في المحافظات الأربع”، تحضيرا لعقد مؤتمر شامل لأبناء تلك المحافظات.