منظور جماعة الحوثي لطريقة حكم اليمن في مرحلة ما بعد التسوية السياسية المفترضة للصراع اليمني والقائم على وضع زعيم الجماعة كسلطة مطلقة فوق كل السلطات، عامل محبط للقوى السياسية المرشّحة للمشاركة في تلك التسوية وأيضا للأطراف الخارجية التي بذلت جهودا كبيرة وقدمت تنازلات أملا في إغلاق ملف الصراع اليمني سلميا.
صنعاء - تتعمّد الأطراف المعنية بإطلاق مسار سياسي ينهي الأزمة اليمنية سلميا، تأجيل الخوض في تفاصيل التسوية المأمولة وخصوصا ما يتعلّق منها بترتيبات حكم البلاد وتقاسم السلطة بين القوى السياسية المرشّحة للمشاركة في تلك التسوية.
لكنّ تصريحات صادرة عن جماعة الحوثي بشأن مكانة زعيمها عبدالملك في يمن ما بعد الحرب جاءت محبطة إلى حدّ بعيد لشركاء التسوية وللقوى الإقليمية والدولية التي تحاول الدفع بها على حدّ سواء.
وقال القيادي في الجماعة وعضو وفدها المفاوض عبدالملك العجري إن عبدالملك الحوثي سيظل سلطة عليا في البلاد في حال التوصل إلى أي تسوية سياسية، وبغض النظر عن تفاصيل تلك التسوية وما ستؤول إليه.
ويعني كلام العجري أنّ جميع القوى اليمنية التي ستستجيب لجهود السلام على أساس الشراكة في حكم اليمن وتسيير شؤونه سيكون عليها التسليم بواقع أنّ قيادة البلاد محجوزة سلفا لجماعة الحوثي، كما سيكون عليها القبول بالعمل تحت إمرة عبدالملك الحوثي الذي سيكون في موقع أقرب إلى موقع المرشد الأعلى في إيران صاحب السلطة المطلقة وغير الخاضع لأي نوع من أنواع الرقابة والمحاسبة من قبل أي هيئة قضائية أو تشريعية أو غيرها.
خيبة أمل استثنائية للإخوان الذين كانوا يأملون في تأمين موقع لهم في حكم اليمن مستقبلا عبر المشاركة في التسوية السياسية
ولا يعتبر ما صرّح به عضو الوفد اليمني المفاوض محبطا فقط للقوى والشخصيات اليمنية التي تبدي استعدادا للمشاركة في تسوية سلمية للصراع اليمني على أمل أن تظفر بنصيب من السلطة التي ستتمخض عنها العملية السلمية، لكنّه مخيّب بقدر أكبر لآمال القوى التي بذلت خلال الفترة الأخيرة جهودا كبيرة لإنهاء الصراع المسلّح في اليمن وطي صفحة الحرب التي طال أمدها وأصبحت مكلفة ماديا وبشريا وحتى سياسيا لأكثر من طرف مشارك فيها.
وبذلت المملكة العربية السعودية جهودا استثنائية لإطلاق عملية سلمية في اليمن بهدف إنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات على حدودها الجنوبية والتي طالت مجالها الجغرافي في بعض الأحيان من خلال قيام الحوثيين بقصف مواقع ومنشآت داخل المملكة.
وأظهرت السعودية مرونة كبيرة في التعامل مع الحوثيين الذين سبق أن قادت تحالفا عسكريا لمواجهتهم، وقبلت بإيفاد وفد للتحاور معهم بشكل مباشر إلى العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرتهم منذ سبتمبر 2014، كما استقبلت لاحقا وفدا ممثلا لهم في العاصمة الرياض.
ولعبت سلطنة عمان التي تحتفظ بعلاقات جيّدة مع الحوثيين وكذلك مع داعمتهم الإقليمية إيران، دورا أساسيا في الوساطة بينهم وبين السعودية.
كما قام المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بدور في وضع خارطة طريق للتسوية السلمية في اليمن تبدأ أولا ببنود اقتصادية وإنسانية على أن تفضي بعد ذلك إلى مناقشة المسائل العسكرية والترتيبات السياسية.
تصريحات جماعة الحوثي بشأن مكانة زعيمها في يمن ما بعد الحرب جاءت محبطة إلى حدّ بعيد لشركاء التسوية وللقوى الإقليمية والدولية التي تحاول الدفع بها على حدّ سواء
ومع تمسّك جماعة الحوثي بالسلطة المطلقة في مرحلة ما بعد التسوية وضربها مبدأ الشراكة الذي يفترض أن يكون أساسا لها، تبدو جهود مختلف تلك الأطراف مهدّدة بالضياع.
ويعتبر ما يروّج له الحوثيون من خطاب سياسي إعلانا مسبقا للنصر وذلك استنادا إلى كون الأطراف الخارجية المعنية بالتسوية قد سلّمت لهم بالاحتفاظ بمكاسبهم الميدانية التي حصلوا عليها بقوة السلاح ومن ضمنها سيطرتهم على مناطق يمنية ذات أهمية إستراتيجية على غرار المناطق المطلّة على الساحل الغربي لليمن والتي يستخدمونها حاليا في الضغط على عصب التجارة العالمية من خلال استهدافهم حركة الملاحة في البحر الأحمر.
ولم يجر خلال الاتصالات والمشاورات التي جرت بشأن التسوية السياسية في اليمن أي ذكر لسحب القوات الحوثية من المناطق التي تسيطر عليها. وعلى العكس من ذلك تضمنّت بنود خارطة التسوية المعلن عنها المزيد من المكاسب والامتيازات المالية والاقتصادية للحوثيين بالإضافة إلى فتح المجال الجوي والبحري لهم للتواصل بحرّية مع العالم الخارجي.
وقال العجري في حديث لمجلّة ذي أتلنتيك إنّ سلطة عبدالملك الحوثي تأتي مباشرة من الشعب وبالتالي فهي غير قابلة للنقاش، ولذلك سيظل يمثّل السلطة العليا في اليمن في ظل أي حكومة مقبلة.
وكان القيادي الكبير في جماعة الحوثي يردّ على سؤال لمحرّر المجلّة روبرت فورسيث وورث حول ما إذا كانت جماعته على استعداد لتقاسم السلطة مع الجماعات السياسية اليمنية الأخرى، مجريا مقارنة بين عبدالملك وزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله معتبرا أن زعيم الحوثيين أقوى وأكبر من نصرالله وأنّه سيكون بمثابة نظير للمرشد الأعلى في إيران الذي له الكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة.
كما أكّد العجري في إجابته على السؤال على أنّ الحوثيين سيكونون اللاّعب الرئيسي وصاحب المصلحة الأوّل في اليمن مستقبلا.
وعلّق الدبلوماسي اليمني السابق نايف القانص على تصريحات العجري بالقول إنّها تعكس “الأيديولوجيا الراسخة في عقول الحوثيين المتحجرة التي لا تؤمن بالتعددية وبالآخر مثل إيمانها بأن السلطة السياسية العليا هي حصرا لشخص ولا يمكن التفاوض أو النقاش في هذا الأمر”.
وذكّر في تعليق نشره على منصّة إكس بأنّ “عبدالملك العجري هو أحد المفاوضيْن الحصرييْن اللذين أُسند إليهما التفاوض”، مضيفا “أنّ اليمن لن يُحكم إلا بشراكة حقيقية من قبل كافة الأطراف السياسية المختلفة”.
وكانت العديد من الأطراف السياسية اليمنية قد أظهرت تجاوبا مع المساعي السعودية لإطلاق عملية سلمية في اليمن وذلك من منطلق سعي تلك الأطراف لتأمين موقع لها في يمن ما بعد الحرب.
واستبقت شخصيات ذات توجهات إخوانية ومنتمية لحرب الإصلاح الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين الانطلاق الفعلي لعملية التسوية السياسية ومدّت يد المصالحة لجماعة الحوثي، ولذلك يمثّل تمسّك الجماعة بالتفرّد بقيادة المرحلة القادمة خيبة أمل استثنائية للإخوان في اليمن.
وتُلمس خيبة الأمل تلك في الردّ الحاد من الإعلامي المقرّب من حزب الإصلاح أحمد يحي عايض على تصريحات العجري بالقول عبر حسابه في منصة إكس إنّ “الحوثيين يعلنون بكل وقاحة أنهم سوف يطبقون النظام الإيراني في اليمن عبر نظام الولي الفقيه”، واصفا زعيم الحوثيين بـ”السيئ”، وبأنه يمثل “خميني اليمن الذي لا صوت ولا حزب ولا رأي ولا قوة تعلو فوق صوته”، ومعتبرا ما صرّح به العضو في الجماعة للمجلّة المذكورة بمثابة “إعلان مباشر عن تبني نظام ولاية الفقيه”.