كانت القوات المشتركة، وفي طليعتها ألوية "العمالقة" الموالية للحكومة الشرعية اليمنية، على عتبة ميناء الحديدة في كانون الأول (ديسمبر) 2018، حينها تكثفت الضغوط الأميركية والبريطانية على التحالف العربي والحكومة اليمنية لإيقاف عملية تحرير الحديدة وإنقاذ ميليشيا الحوثي من الحصار الخانق المفروض عليها.
يعد ميناء الحديدة شريان الحياة الرئيسي لميليشيات الحوثي التي تكسب المليارات من رسوم الجمارك على البضائع الواصلة إليه، هو القناة الرئيسية لوصول الدعم اللوجستي والأسلحة المهربة إيرانياً إليها.
توّجت تلك الضغوط الأميركية والبريطانية تحديداً، بتوقيع الحكومة المعترف بها دولياً وميليشيا الحوثي على اتفاق استوكهولم الشهير في كانون الأول (ديسمبر) 2018، والذي أفضى في خلاصته إلى إبقاء الوضع الميداني في الحديدة تحت سيطرة الميليشيا الحوثية.
بعد ستة أعوام من ضياع الفرصة التاريخية لإسقاط حكم الحوثيين، وتحديداً في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، أعاد وزير الخارجية اليمني السابق خالد اليماني، وهو الذي كان رئيساً للوفد الحكومي في مفاوضات استوكهولم 2018، تغريدة على صفحته الرسمية في منصة إكس، تكشف عن ضغوط بريطانية أدت إلى صوغ اتفاق استوكهولم وإيقاف معركة تحرير محافظة الحديدة، وهو ما يعني تبنيه لهذه الرواية.
اليوم انقلب السحر على الساحر، وبات الأميركيون والبريطانيون في مواجهة مباشرة مع الحوثي جراء استهدافه خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بعدما تطورت قدرات الميليشيا الصاروخية خلال ست سنوات، استقبلت خلالها الأسلحة والذخائر والخبراء الإيرانيين عبر الميناء الذي ساهمت الضغوط الأميركية والبريطانية في إبقائه تحت سيطرة الحوثيين.
ضغط دولي هائل
وكيل وزارة الإعلام في الحكومة الشرعية عبد الباسط القاعدي تحدث لـ "النهار العربي"، مؤكداً أن اتفاق استوكهولم كان طوق نجاة لميليشيا الحوثي من جانب المجتمع الدولي.
ويكشف القاعدي في شهادته كمسؤول حكومي في تلك الفترة أن "حجم الضغط الدولي كان هائلاً جداً على حكومة الشرعية، وتحديداً من الأميركيين والبريطانيين، لإتمام صفقة اتفاق استوكهولم والحيلولة دون تحرير ميناء الحديدة الذي كان قاب قوسين أو أدنى".
ويؤكد أن ميليشيا الحوثي هي أكثر من استفاد من اتفاق استوكهولم، وخصوصاً في استيراد السلاح عبر ميناء الحديدة. ويشدد على أن كل الأسلحة التي تستخدمها ميليشيات الحوثي هي أسلحة إيرانية 100% ووصلت إلى الحوثيين عبر ميناء الحديدة.
مبررات إنسانية
ويوضح القاعدي أن الضغوط الأميركية والبريطانية كانت "تحت مبرر الأسباب والظروف الإنسانية، فيما الحقيقة هي تعاظم سوء الوضع الإنساني لليمنيين بسبب بقاء الحديدة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، فتحرير الحديدة كان سينعكس على الاقتصاد والتنمية وعلى صرف مرتبات الموظفين، لكننا نلمس الآن الأثر السلبي على الاقتصاد اليمني نتيجة استهداف الحوثي طرق الملاحة الدولية".
الوضع الميداني قبيل اتفاق استوكهولم
يتحدث أحد أبرز النشطاء السياسيين في مدينة الحديدة محمود العتمي الذي فجرت الميليشيا الحوثية سيارته عام 2021 وقتلت زوجته وجنينها، فيما نجا هو من الموت بأعجوبة لـ"النهار العربي" عن اللحظات التي عاشها في الحديدة في تلك الفترة. ويقول: "قبل توقيع اتفاق استوكهولم بساعات غادر الحديدة قادة الصف الأول والثاني في ميليشيا الحوثي باتجاه صنعاء وصعدة وحجة مع عائلاتهم، وأخذوا معهم مئات المعتقلين من أبناء تهامة، كانت الحديدة مُهيأة تماماً للتحرير، وكانت القوات المشتركة - المشكلة من ألوية العمالقة والقوات التهامية والمقاومة الوطنية - تتوغل من جنوب الحديدة".
يتابع روايته: "حررت القوات المشتركة الجزء الجنوبي من شارع الخمسين في الحديدة وكذا الجزء الشرقي لشارع صنعاء وصولاً إلى دوار يمن موبايل، وهذا يعني إحكام السيطرة على مطار الحديدة من ثلاثة اتجاهات، حينها اعتبر المطار في حكم المحرر، وبالتوازي وصلت طلائع قوات العمالقة إلى أطراف مدينة العيسى السكنية التي تقع في منطقة الجبانة أقصى شمال الحديدة وحدث ذلك بعد تحرير مدينة الصالح السكنية التي تقع في أبعد نقطة سكنية لمدينة الحديدة من اتجاه الشرق، كان المنفذ الوحيد المتبقي للحوثي هو المنفذ الشمالي للمدينة".
ويشير إلى أن الميليشيات في ذلك الوقت كانت على استعداد للقبول بأي شيء مقابل وقف الزحف نحو معاقلها وإيقاف المعركة في الحديدة.
قوات بحرية بإشراف إيراني
منذ توقيع الاتفاق وحتى إعلان القوات المشتركة انسحابها من الحديدة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2021 ظلت التحركات الحوثية في مدينة الحديدة ومحيطها محدودة وفي مرمى استهداف القوات الموالية للحكومة اليمنية.
يكشف العتمي أن ميليشيا الحوثي استفادت خلال هذه الفترة من توقف معركة الحديدة، وعملت على مهاجمة شبوة ومأرب ومناطق أخرى، وخلال هذه الفترة أيضاً قامت التحركات الحوثية على تجهيز قوات بحرية بإشراف إيراني في مناطق شمال الحديدة، وتحديداً في الصليف ورأس عيسى واللحية والزهرة والمنيرة وجزيرة كمران. وفي هذه المناطق استحدث الحوثي مئات المواقع التدريبية ومخازن التسليح وورش التصنيع، وكذا تلغيم بعض السواحل، ولعل ما يحدث في البحر الأحمر اليوم نتيجة حتمية لهذه الاستعدادات، يشرح العتمي.
منصة تهديد إيرانية
ويواصل العتمي شهادته قائلاً: "بعد أشهر من توقيع الاتفاق كنا نقول إن منطقة جنوب البحر الأحمر ستصبح خلال عشر سنوات منصة تهديد إيرانية للملاحة الدولية، لكن ما حدث أن المنطقة تحولت إلى ذلك خلال خمس سنوات فقط، لهذا نقول يجب أن تحرر الحديدة وتنتزع كل سواحل البلاد من ذراع إيران حتى يقبل الحوثي بنقاش سلام حقيقي يلتزم له".
انهيار الميليشيا
كانت قوات "العمالقة" الفصيل الرئيسي والأبرز في القوات المشتركة التي أنيطت بها عملية تحرير الحديدة. وعن ذلك يتحدث إلى "النهار العربي" مدير المركز الإعلامي لألوية "العمالقة" أصيل السقلدي، بالقول: "اتفاق استوكهولم جاء لينقذ الحوثي من بداية النهاية لميليشياته الإرهابية، إذ أُعلن الاتفاق بعدما تخطت قواتنا عتبة مدينة الحديدة وحررت عدداً من الأحياء في المدينة، وبعدما قطعت الطرق التي تمد الحوثيين في الحديدة من محافظات يمنية أبرزها العاصمة صنعاء".
ويضيف السقلدي: "أعلن الاتفاق برعاية دولية في الوقت الذي كانت ميليشيات الحوثي في وضع انكسار وانهيار وهزيمة، وفي ذلك الوقت كانت قيادة الحوثي ومعها خبراء الحرس الثوري الإيراني قد تركوا مدينة الحديدة وهربوا من آخر طريق بقي تحت سيطرتها، وهو طريق الحديدة - حجة الذي كانت قواتنا على وشك السيطرة عليه وتطويق المدينة من كل الاتجاهات. ميليشيا الحوثي كانت في موقف لا تُحسد عليه وتعيش الهزيمة، وما كان أمام قواتنا سوى تطهير الطرق والمباني السكنية المفخخة بالألغام والعبوات الناسفة وبعض القناصة الذين تركتهم ميليشيا الحوثي يعتلون بعض المباني المرتفعة".
الحوثي يستعيد نشاطه
ويوضح السقلدي أنه بعد إعلان الهدنة وإيقاف العمليات العسكرية، استعاد الحوثي نشاطه واستخدم ميناء الحديدة وشريط الساحل الغربي في إدخال الأسلحة وخبراء الحرس الثوري الإيراني، كما استغل توقف العمليات العسكرية والغطاء الجوي الذي كان ينفذه التحالف العربي في استعادة الحشد والتجنيد والتعبئة البشرية لميليشياته التي كانت قد انهارت في الحديدة قبل إعلان الاتفاق