قالت صحيفة العرب اللندنية أن عملية توحيد القوات العاملة في المناطق التابعة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا، والتي سبق لرئيس السلطة رشاد العليمي أن أعلن عنها كجزء من برنامج عمله المستقبلي بدأت تتحوّل إلى مجرّد هدف نظري صعب التحقق على أرض الواقع لاصطدامه بعوائق موضوعية على رأسها رفض أبرز الشركاء دمج قواتهم مع قوات أطراف أخرى مناقضة لهم تماما في التوجهات والأهداف.
عدن - نفى المجلس الانتقالي الجنوبي وجود أي ترتيبات لدمج القوات التابعة له ضمن القوات التابعة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا بقيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، مؤكّدا رفضه القاطع لهذا الطرح الذي وصفه بالغريب.
وقال محمد النقيب المتحدّث باسم القوات المسلحة الجنوبية إنّ هذه القوات وجدت من أجل حماية الجنوب وترابه وسيادته وحقوق شعبه.
وجاء حديث المسؤول العسكري الجنوبي في معرض ردّه خلال برنامج تلفزيوني على سؤال بشأن ما راج خلال الفترة القريبة الماضية بشأن وجود توجّه لدمج مختلف القوات المنتمية للمعسكر المضاد للحوثيين وتوحيدها تحت إمرة السلطة الشرعية.
وتداولت أوساط يمنية مؤخّرا أحاديث عن سيناريو دمج القوات باعتباره أحد نقاط الترتيبات العسكرية والأمنية التي ستتم عند الدخول في عملية إعداد الوضع النهائي في اليمن ضمن مسار السلام الذي أعلن قبل أشهر إنجاز خارطة طريق ممهدة للدخول فيه.
وسبق للعليمي أن أعلن في بداية تسلّمه مهامه كرئيس للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا أنّ توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية ودمج كافة التشكيلات العسكرية جزء من برنامجه.
محمد النقيب: الحديث عن دمج القوات المسلحة لا صحة له مطلقا
وكخطوة عملية في هذا الاتّجاه قام بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة “لإعادة هيكلة قوات الجيش والشرطة، ولتحقيق الأمن والاستقرار”.
وأطلع وزير الدفاع اليمني محسن الداعري خلال اجتماع انعقد مؤخرا مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، العليمي على مستجدّات “توحيد القيادة والسيطرة لكافة وحدات القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية المنضوية ضمن تحالف الحكومة الشرعية تحت إمرة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة بما يحقق تكامل القوات تحت هيكل قيادة وطنية موحدة وفقا لما نص عليه إعلان نقل السلطة”.
لكن الاجتماع على غرار عدّة اجتماعات تقييمية سابقة لعمل اللجنة الأمنية والعسكرية، لم يظهر وجود أي تقدّم يذكر في مجال دمج وتوحيد القوات المسلّحة الذي تأكّد للسياسيين والعسكريين على حدّ سواء أنّه هدف صعب التحقيق إلى حدّ بعيد، إذ لا أحد يتصوّر أن لدى المجلس الانتقالي الجنوبي أي استعداد في رهن قراره الأمني والعسكري بيد السلطة اليمنية التي لا يمنعه وجوده ضمن مكوناتها من الاختلاف معها جذريا في الهدف النهائي وهو استعادة دولة الجنوب المستقلّة. وتعتبر القوات الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس بمثابة العمود الفقري لمشروعه إذ تتيح له إثبات وجوده على الأرض وفرض سيطرة ميدانية على جزء هامّ من المجال الجغرافي الذي يسعى لإقامة الدولة المنشودة عليه.
ولا يقبل المجلس بأي حديث عن دمج قواته وتوحيدها مع قوات السلطة الشرعية إلا في حدود بعض الإجراءات البسيطة من قبيل توحيد رواتب المنتسبين.
وقال النقيب إنّ “ما يجري في الواقع العملي هو عملية ترتيب وتنظيم وحصر ومساواة مرتبات القوات المسلحة الجنوبية والأمن، وهذا ما تعمل عليه اللجنة الأمنية العليا”، مؤكّدا أن “الحديث عن الدمج لا صحة له مطلقا”.
وأضاف أن مسألة الدمج طرحت على المجلس الانتقالي قبل ثماني سنوات و”مفترض ألا تطرح في عام 2024″، مؤكّدا قوله “نحن تجاوزنا هذا وأنا أعتقد أن طرح هذا السؤال لا يجوز”.
وانبنت القوات المسلّحة الجنوبية بشكل تدريجي على مدى السنوات الماضية حتى تحوّلت إلى رقم صعب في المعادلة الأمنية والعسكرية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، وذلك بفعل الدور الذي لعبته سواء في صدّ زحف قوات الحوثي على مناطق جنوب اليمن أو في طردها من المناطق التي دخلتها بالفعل.
كما لعبت تلك القوات دورا مفصليا في مواجهة تنظيم القاعدة الذي حاول استغلال حالة عدم الاستقرار في البلاد للسيطرة على عدد من المناطق وخصوصا في محافظتي البيضاء وحضرموت واللتين طرد منهما بمساهمة كبيرة من قبل القوات الجنوبية.
وعلى عكس القوات التابعة للسلطة اليمنية والتي يسيطر على جزء هام منها حزب التجمّع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن تتمتّع قوات المجلس الانتقالي بدرجة عالية من الوحدة والانضباط تحت إمرة قائدها الأعلى عيدروس الزبيدي رئيس المجلس.
ويقول متابعون للشأن اليمني إنّ سيطرة الإخوان على قسم هام من قوات الشرعية يعتبر عامل تعقيد إضافي لجهود توحيد تلك القوات، إذ لا يمكن لأكثر المراقبين تفاؤلا أن يتصوّر إمكانية أن تخضع قوات الانتقالي إلى إمرة ضباط من جماعة الإخوان التي يتهمها المجلس بترك معاقلها في شمال اليمن للحوثيين والتوجّه إلى مناطق الجنوب لتحويلها إلى مناطق نفوذ بديلة لها.
ويشير المتابعون إلى أنّ مسار توحيد القوات العسكرية والأمنية توقّف عمليا منذ الإعلان في يناير الماضي عن قرار رشاد العليمي قرارا بدمج جهازي الأمن السياسي والقومي وكيانات استخبارية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وحراس الجمهورية وقوات العمالقة في جهاز استخباري واحد تحت قيادته باسم الجهاز المركزي لأمن الدولة.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ هذا القرار بحدّ ذاته، ورغم صبغته التنفيذية، لم تكن له آثار حقيقية على الأرض إذ ما يزال كل من تلك الأجهزة التي أعلن عن توحيد قيادتها يعمل تحت إمرة القيادة التي كان تابعا لها في الأصل، مع تسجيل ارتفاع طفيف في مستوى التنسيق بشأن مسائل إجرائية فيما بينها.
وتقول السلطة اليمنية المعترف بها دوليا أن الهدف من دمج الأجهزة الأمنية والعسكرية هو إنهاء حالة التضارب في مهام واختصاصات تلك الأجهزة عقب دمج الكيانات السياسية الداعمة للشرعية في مجلس القيادة الرئاسي.
لكن الأمر يبدو مختلفا تماما بالنسبة إلى القوات المسلحة التي تؤمّن للجهات التابعة لها سيطرة فعلية على الأرض في ظل تنافس شرس مع مكونات أخرى منتمية لمعسكر الشرعية ذاته.
وكانت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي قد تمكّنت من إنهاء سيطرة حزب الإصلاح على محافظة شبوة النفطية، فيما تمثّل محافظة حضرموت الآن نموذجا على فرض الوجود بالقوة العسكرية، حيث تقف قوات الانتقالي حاجزا أمام طموح حزب الإصلاح لمدّ سيطرته من معقله بمنطقة الوادي والصحراء إلى ساحل المحافظة.
وكان من أحدث المنضمّين إلى صراع السيطرة الميدانية في حضرموت رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي وذلك عن طريق جسم عسكري جديد مرتبط به شخصيا كان أعلن عن تشكيله ويتعلّق الأمر بقوات درع الوطن، التي لم تتأخر في الدخول في مناوشة مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، عندما حاولت في يناير الماضي التقدّم نحو منطقة الساحل وتصدّت لها قوات الحزام الأمني وأجبرتها على التراجع.
وتثير القدرات المتنامية لقوات درع الوطن بفضل الدعم المالي السعودي السخي لها التكهّنات بشأن إمكانية تحويلها إلى نواة لجيش جديد يعوّض عن تعثّر عملية توحيد القوات الأخرى ودمجها في قوات الشرعية.