الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يكشف حجم الفساد الكبير بالمنطقة الحرة بعدن (وثائق)

كشف تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تفشي الفساد والمخالفات القانونية التي تورطت فيها المنطقة الحرة وقيادتها، حيث تم الإشارة إلى غياب الانضباط والتنظيم في إدارة المنطقة الحرة والتلاعب بالمخططات والمستر بلان، بالإضافة إلى تجاوزات تنظيمية جسيمة تخالف الخطة الاستراتيجية الموضوعة لتنمية وتطوير المنطقة، والقوانين الرسمية خصوصاً قانون مجلس الوزراء رقم 65 لعام 1993 الخاص بتحديد المواقع والحدود الجغرافية للمنطقة الحرة.
وألقى تقرير الجهاز المركزي الضوء على قيام المنطقة الحرة وإداراتها التابعة بإجراءات أسفرت عن إلغاء الخطط التطويرية للمشاريع الحيوية في القطاع J، الذي كان يعتبر أساساً لإرساء أعمدة التنمية عبر تشييد ميناء كالتكس وإقامة حي صناعي متكامل، ليغدو قرار الإلغاء لمصلحة تنفيذ مشروعات سكنية منافية للقوانين المرعية الإجراء في مثل هذه الأقسام، مما زاد الطين بلة وتسبب بأضرار جسيمة على مستوى الأهداف الرئيسية للمنطقة الحرة، ولم يقتصر الأمر على هذا القدر، بل تعداه إلى توزيع مساحات كبيرة في القطاعات (L، M، C، D) للمشاريع الوهمية، والتنازل عن قطع أراضي تم إخراجها من حوزتها القانونية لتنتقل إلى طرف ثالث دون مستندات ملكية قانونية واضحة، بالإضافة لتصرف مساحة هائلة بلغت 10,178,069,47 متر مربع منصرفة لمشاريع سكنية، حيث أتيحت الفرصة للمتعاقدين مع الهيئة بالتصرف في البيع لتلك المنشآت، مما أدى إلى حرمان المنطقة الحرة من استغلال مساحة 4,154,729,47 متر مربع كانت تقع ضمن نطاقها الإداري والتنموي.
وتطرق التقرير إلى بعض المخالفات التي صاحبت عمليات التنظيم في المنطقة الحرة، حيث بيّن التقرير أن المنطقة أصدرت موافقات تخالف الأطر القانونية، تتيح عبرها للستثمرين حق التنازل عن الأراضي دون الاستناد إلى مشاريع ملموسة قائمة عليها، في تعارض واضح مع القوانين التي تقصر هذا الحق على التنازل عن المشاريع الفعلية ولا تشمل الأرض ذاتها التي تبقى ملكًا للمنطقة الحرة، ليكتسب هذا الإجراء أهمية بالغة لأنه يعطي الانطباع بأن هناك تقنينًا للاتجار بالأراضي والسمسرة، الأمر الذي يمثل تجاوزًا للضوابط القانونية وينذر بتداعيات قد تؤثر سلبًا على نظام وسمعة المنطقة الحرة.
وأفاد تقرير صادر عن الجهاز المركزي بأنه قد تم البدء فعلياً في إجراء عملية تسليم واسعة النطاق من قبل المنطقة الحرة، حيث شملت هذه العملية مساحة إجمالية قدرها 991,474 متر مربع تم تسليمها إلى مكتب أوقاف عدن. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التسليم تم دون القيام بالإجراءات اللازمة لمتابعة استئناف الأحكام القضائية المتعلقة بهذه الأملاك، الأمر الذي يستدعي التدقيق في التزامات المنطقة الحرة قانونياً وتنفيذياً تجاه هذه العملية. فالتقرير يوجه الضوء على ضرورة العمل بما يتوافق مع القانون والاحترام الكامل للعمليات القضائية بهدف الحفاظ على الحقوق وتحقيق العدالة لجميع الأطراف المتضررة.
وأكد التقرير الصادر عن الجهاز المركزي عن الأهمية القصوى وضرورة الأخذ بعين الاعتبار المساحات الخاصة بالمناطق الحرة عند تقييم الرسوم والايجارات، حيث أشار التقرير إلى أن الهيئة الخاصة بإدارة المنطقة الحرة قد قامت بإجراء يتمثل في خصم نسبة 35% من إجمالي المساحات التي تم ترخيصها للمستثمرين، ومنح هذه المساحات إعفاءات من دفع الإيجار على اعتبار أنها تستخدم كأراضي خدمية. واحتساب قيمة الإيجارات على أساس مساحة البناء فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار أن المشروع بمرافقه وخدماته يشكل وحدة متكاملة، وهو ما يُعد إجراءً غير سليم يتطلب المراجعة والتقييم لضمان العدالة في توزيع الأعباء المالية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الفرص الاستثمارية في هذه المناطق.
ورصد التقرير مخالفات جسيمة في إدارة المنطقة الحرة، حيث تجاوزت تلك الإدارة للفقرة (ب) من المادة 36 الواردة في القانون رقم 4 لعام 1993، بشكل محوري تمثل في تقاعسها عن احتساب الإيجار لبعض المستثمرين منذ لحظة تسليمهم محاضر التسليم والمعاينة واستمرار هذا الوضع دون تصحيح، الأمر الذي ساهم في عرض قيم إيجارية مغلوطة وافتقار إلى الدقة في السجلات المالية. هذا بالإضافة إلى الإشارة إلى أن هناك خللاً وضعفاً ملحوظاً في مسألة التوثيق وإثبات الأمور المحاسبية المتعلقة بالإيجارات التي يجب أن تُستحق، مما يضعف من كفاءة الإدارة المالية للمنطقة. إلى ذلك، تم التنويه في التقرير عن مستوى متدن من الكفاءة والحزم في تنفيذ المشاريع من قبل إدارة المنطقة الحرة، وتبين عدم الالتزام بالجداول الزمنية المقررة قانونيًا لإصدار الموافقات الأولية أو تراخيص البناء أو احترام الفترات الزمنية الكلية المخصصة للمشاريع.
وبيّن التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مخاطر متعددة ترتبط بالتخطيط العمراني في منطقة الحسوة، حيث أشار الجهاز إلى أن المنطقة الحرة أعطت التصاريح اللازمة لعدة مشاريع سكنية ضخمة متواجدة في مصب الوادي الكبير. ومن هذه المشاريع نجد مدينة أنماء ومدينة نعمة ومشروع درة عدن إضافةً إلى أبراج عدن، الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر جسيمة قد تهدد سلامة المواطنين وأمن الممتلكات بشكل مباشر في حال تعرض المنطقة للسيول. يستدعي هذا التقرير النظر بعمق في إجراءات التخطيط والسلامة ومراجعة الضوابط المعمول بها لضمان حماية الناس والممتلكات، وإعادة التقييم الحثيث للسياسات العمرانية قبل المضي قدمًا بتفيذ المشاريع في مثل تلك المناطق المعرضة للخطر.
وذكر التقرير أن هناك تجاوزات ارتكبتها المنطقة الحرة تتمثل في منح التراخيص لمشاريع استثمارية في مناطق غير مؤهلة ومغمورة بالمياه في أحواض المملاح، وذلك بتجاهل واضح للمعايير والتوجيهات الرسمية التي تقضي بمنع البناء أو التوسع في مثل هذه الأماكن البيئية الحساسة، مما يثير القلق حيال مدى التزام المنطقة الحرة بالقوانين والأنظمة المنظمة للنشاط الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
وفي ضوء تفعيل الرقابة، عكس تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ملامح مخاوف مؤسسية تجاه التحديات العمرانية في مدينة عدن، حيث أشار إلى إقدام المنطقة الحرة بصرف مساحات في الشيخ عثمان، المنصورة، ودار سعد وإصدار تراخيص لمشاريع سكنية تمت تشييدها فوق خطوط ضخ المجاري الرئيسية، مما يُعد خروجاً عن المخطط العام الموضوع للمدينة حتى عام 2025م، هذه المخالفات تُرجح كفة المخاطر وتهدد البنية التحتية والنظام البيئي.
وكشف التقرير عن قيام المنطقة الحرة بممارسات مُخالفة للأعراف القانونية المنظمة، حيث تم حجب بيانات حيوية تخص العديد من المشاريع الاقتصادية عن الأنظار، وذلك عن اللجنة التي كانت قد شكلت بأمر مباشر من رئيس الجمهورية في العام 2018 بغية الإشراف على الشفافية والمحاسبة. ورصد التقرير سلسلة من التجاوزات القانونية التي ارتكبتها إدارة المنطقة الحرة، مما يستوجب تدخل الجهات ذات الصلاحية لتصويب هذه المخالفات.
واوضح التقرير أن المنطقة الحرة أجرت عملية صرف مساحات في القطاع D ليتم تطويرها كمشروع استثماري، ولكن في غمرة الإجراءات تبين من خلال المستندات أن هذه المساحات كانت محل تعدي من قبل إحدى المواطنات التي قامت بإقامة بناء غير قانوني عليها. وقد عُرفت هذه الحالة بأنها "بسط"، وهو ما يتعارض مع الأنظمة والقوانين المعمول بها. الآن تسعى هذه المواطنة لتصحيح وضعها القانوني واستخراج الوثائق اللازمة لتوثيق حقها في الأرض.
وفي ضوء ما كشفه التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، تبدو المخالفات القانونية والأخطاء الإدارية التي ارتُكِبت في المنطقة الحرة خلال عهد حسن الحيد شديدة الخطورة وذات تأثير سلبي عميق على الاقتصاد المحلي والتنمية العمرانية في المنطقة. لقد تسببت هذه التجاوزات في فقدان الأراضي المخصصة للمشاريع التنموية لتحوّل إلى مشاريع سكنية وتجارية غير مشروعة، مما يعرقل مسار التنمية الحقيقية للمنطقة الحرة على وجه الخصوص ولمدينة عدن بشكل عام.
وأخيرا، نتقدم بنداء إلى النائب العام والأجهزة الرقابية والقضائية ومعالي رئيس الوزراء، معبرين عن دعمنا الكامل لتوجهاتهم الحازمة في مكافحة الفساد وتقوية أسس الشفافية والمحاسبة. نضيف صوتنا لصوتهم مؤكدين ثقتنا العميقة بقدرتهم على المضي قدما في سبيل تحقيق العدالة واستئصال بؤر الفساد، من خلال إحالة المتورطين إلى القضاء ومحاسبتهم دون تأخير، حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الإخلال بالمسؤولية والتلاعب بالمال العام، ونؤكد على أهمية عدم إعطاء الفرصة لأي شخص متورط في ممارسات فساد للهروب من العقاب، وننتظر بفارق الصبر رؤية تنفيذ العدالة على الذين ذكرهم تقرير الجهاز المركزي، ونأمل أن تكون المنطقة الحرة نقطة البداية في هذه المعركة الشريفة ضد الفساد، متسلحين بالإيمان الراسخ بعودة الدولة إلى مجدها، حتى وإن بدت في بعض الأوقات كأنها رماد.
الإطلاع على تقرير جهاز الرقابة اضغط هنا↓