التعقيدات الجديدة التي طرأت على الأوضاع في اليمن وأصبحت تهدّد بنسف جهود السلام التي تبذلها عدّة أطراف لإيجاد مخرج سياسي للصراع الدامي في البلد، أبرزت مجدّدا الحاجة إلى دور فاعل من قبل سلطنة عمان في كسر جمود المسار السلمي وإعادة تضييق الهوّة بين فرقاء الصراع قبل أن تتسع أكثر وتبلغ نقطة اللاّعودة.
أبرزت العقبات الكبيرة التي تواجهها جهود السلام في اليمن الحاجة مجدّدا إلى دور سلطنة عمان في كسر جمود المسار السلمي الذي عبّرت عدّة أطراف عن تشاؤمها بشأنه بعد أن طرأ على الملف اليمني عامل تعقيد إضافي متمثّل في تفجير جماعة الحوثي لصراع مسلّح جديد ضدّ الولايات المتحدة والتحالف الذي شكّلته للتصدّي لهجمات الجماعة على السفن التجارية في البحر الأحمر.
وتعوّل المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الطرف الأكثر حرصا على إنجاح جهود السلام في اليمن، على الخبرة التي راكمتها الدبلوماسية العمانية في معالجة الملف اليمني، وكذلك احتفاظ السلطنة بعلاقات وثيقة مع أبرز الفاعلين في الملف، بمن في ذلك الحوثيون وداعمتهم إيران، لانتشال المسار السلمي من الانهيار بعد أن كان قد حقّق تقدّما طفيفا تمثّل في وضع خارطة طريق لتفاهمات بشأن الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية ممهّدة للدخول في ترتيبات عسكرية وسياسية أكثر جدّية.
وتشارك كلّ من الولايات المتّحدة ومنظمة الأمم المتّحدةُ السعوديةََ تطلعها إلى أن تلعب عُمان، بما لها من علاقات مع طهران وصنعاء، دورا في لجم جموح الحوثيين والدفع نحو تهدئة الأوضاع في اليمن وتهيئة الأرضية لإطلاق مسار سلمي في البلد، بدا للحظة أنّه يبتعد ويتوارى تحت ركام الأحداث المتسارعة والتعقيدات الطارئة.
الولايات المتّحدة والأمم المتّحدة تشاركان السعوديةَ تطلعها إلى أن تلعب عُمان دورا في لجم جموح الحوثيين
وقالت مصادر سياسية إنّ مسقط دشّنت جهودا لجمع السعوديين والحوثيين مجدّدا في لقاءات مباشرة لمناقشة مسائل عملية متعلّقة بالسلام.
وأوضحت المصادر أنّ الهدف من اجتماع أوّل بين الطرفين، شرعت الدبلوماسية العمانية في الإعداد له عبر إيفاد ممثلين لها إلى كل من الرياض وصنعاء، مناقشة إجراءات عملية تتعلّق بتثبيت وقف إطلاق النار بين الأطراف الداخلية المتحاربة في اليمن والمضي في تنفيذ بنود خارطة الطريق المجمّدة منذ إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ عن التوصّل إليها في ديسمبر الماضي.
واشتركت عدّة أطراف معنية بالملف اليمني مؤخرا، بما في ذلك الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، في التعبير عن إحباطها من جمود عملية السلام محملة الحوثيين مسؤولية توقّفها بفعل الصراع الجديد الذي فجّرته في البحر الأحمر.
لكنّ السعودية خالفت هذا المزاج المتشائم وجدّدت تمسّكها بالحلّ السلمي في اليمن. وعبّر عن ذلك وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان في لقاء جمعه مع رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك خصّص لبحث “الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية ومسار السلام لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن”، إضافة إلى “مساعي استكمال تنفيذ خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة”، وفقا لما أورده الأمير خالد عبر منصّة إكس.
وكان بن مبارك نفسه قد قدم تشخيصا بالغ التشاؤم بشأن جهود السلام معتبرا أنّ خارطة الطريق في حكم المتوقّفة وأنّ أفق الحل السياسي للصراع تراجع.
ولم يخالف رئيس الحكومة في هذا التشخيص لعملية السلام المنظور المتشائم للمبعوث الأممي غروندبرغ الذي قال في وقت سابق إنّ عملية الوساطة بين فرقاء الصراع اليمني تتعرّض لتعقيدات تهدّد بتوقّفها.
سلطنة عمان لعبت دورا مفصليا في تقريب الهوّة بين السعودية والحوثيين، وصولا إلى الجمع بين ممثلين عن كليهما في اجتماعات جرت في كلّ من صنعاء والرياض
ويظهر الموقف السعودي مدى إصرار المملكة على إيجاد مخرج سلمي للصراع اليمني وذلك في إطار سياسة أشمل شرعت الرياض في تنفيذها وتقوم على تبريد الصراعات من حولها وإقامة علاقات تصالحية مع جميع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إيران التي تدعم جماعة الحوثي وتمدّها بالوسائل اللازمة لمواصلة الحرب في اليمن.
ويُظهر إصرار الرياض على مواصلة جهود السلام في اليمن، رغم التعقيدات الكبيرة التي طرأت عليها إثر انخراط جماعة الحوثي في استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر تحت شعار دعم قطاع غزة في الحرب الإسرائيلية ضدّه، عدم استعداد السعودية للتفريط في ما تمّ تحقيقه من تقدّم ضئيل باتجاه الحلّ السلمي في اليمن، وذلك بفضل ما أبدته المملكة من مرونة إزاء جماعة الحوثي تجلّت في دخولها في محادثات مباشرة معها.
ولعبت سلطنة عمان دورا مفصليا في تقريب الهوّة بين السعودية والحوثيين، وصولا إلى الجمع بين ممثلين عن كليهما في اجتماعات جرت في كلّ من صنعاء والرياض، كما أنّ السلطنة مرشّحة الآن للعب دور في تحريك جمود المسار السلمي.
وعلى هذا الأساس وضعت الخارجية الأميركية مسقط على خارطة تحرّكات مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ في المنطقة لأجل تهدئة الصراع في البحر الأحمر وفتح الطريق مجدّدا أمام الحلّ السلمي للصراع في اليمن.
وأثنى ليندركينغ، إثر إجرائه محادثات في مسقط مع وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي تعلّقت بـ”الأزمة اليمنية والتصعيد الراهن في المنطقة”، على “دور سلطنة عمان كونها شريكا أساسيا في جهود خفض التصعيد بالبحر الأحمر ودعم السلام في المنطقة”، مؤكّدا على “أهمية التشاور مع كل من مسقط والرياض نظرا لدورهما في دعم الاستقرار والسلام في المنطقة”