منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، أعلنت جماعة الحوثيين (أنصار الله) مباركتها ودعمها الكامل للمقاومة الفلسطينية في حربها ضد الجيش الإسرائيلي، الذي يشن حملة عسكرية في قطاع غزة يهدف من خلالها إلى تفكيك قدرات حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى.
لقى موقف الحوثيين من حرب غزة صدى في الداخل اليمني بمناطق سيطرتهم. فَقد تبنت الجماعة، بشكل رسمي وواضح، خطابا دينيا داعماً لفلسطين والمقاومة الفلسطينية عبر قنوات الإعلام الرسمي التي يسيطرون عليها أو التابعة لهم. حتى الإذاعات المحلية غيّرت من خُطط بث برامجها الإذاعية بما يتناسب مع الوضع الحالي، لتبثّ الأغاني السياسية الداعمة لفلسطين والزوامل ( أهازيج شعبية منتشرة بين القبائل اليمنية).
سخّر الحوثيون كل إمكانات وموارد هذه الأدوات والوسائط الإعلامية من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، والحديث عن الفخر الذي ناله اليمنيون بالمشاركة في هذه الحرب عبر إطلاق صواريخ ضد إسرائيل أو استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر والسفن الأخرى العابرة الممر الملاحي التي يُزعم توجهها إلى أو ارتباطها بإسرائيل. اعتمد الحوثيون على التبشير بفكرة هزيمة الولايات المتحدة وإسرائيل على يد اليمنيين، والدعوة إلى الالتحاق بتدريبات عسكرية من أجل الاستعداد للحرب ضد هذين البلدين.
تردد صدى الرسالة الدينية “إن الله اصطفى اليمنيين لهزيمة أمريكا” في المساجد والجوامع بمناطق سيطرة الحوثيين. فخلال خطب صلاة الجمعة، يُصوَّر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي باعتباره ولي الأمر الصالح الذي بعثه الله من أجل تحقيق النصر والصلاح لليمنيين، وتُعتبر طاعته واجبة ويُنظر إلى قيادته كالقيادة الإيمانية الحقة لنصرة اليمن والشعب الفلسطيني.[1]
تُنظّم العديد من المظاهرات المؤيدة للجماعة من قبل مؤسسات الحُكم التابعة لسلطة الحوثيين وهيئات المجتمع المدني في مناطق سيطرتهم. فالنُصرة التي أُعلن عنها في مؤتمر “علماء الأمة وواجب نصرة المستضعفين في غزة وفلسطين” لرابطة علماء اليمن في صنعاء، في الأول من يناير/ كانون الثاني 2024، فتحت باب الجهاد والتعبئة العامة من أجل المعركة. وشدّد الإعلان على أهمية تفعيل سلاح المقاطعة الشاملة ضد اسرائيل وحلفائها، مشيداً بعمليات الحوثيين في البحر الأحمر. واختتم العلماء بالقول إن الواجب على الشباب التوجه إلى معسكرات التدريب استعدادا للمواجهة وخيارات الرد، التي سوف يحددها الوليّ العلم (بما معناه الزعيم الروحي المُتمتع بالدعم والتوفيق الإلهي) عبد الملك الحوثي.[2]
سلسلة من الحملات التضامنية أطلقها الحوثيون
الحملة الوطنية التي أطلقتها الحوثيون لنصرة الأقصى، تحت شعار “لستم وحدكم” ، هي العنوان الأبرز في مناطق سيطرتهم. فمن خلالها، أدار الحوثيون حملات لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية ونظموا المسيرات[3] والمظاهرات الأسبوعية عصر كل جمعة في ميدان السبعين بصنعاء والساحات العامة الأخرى. تُنظم هذه التجمهرات إما بتوجيه من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أو من اللجنة المركزية للحملة برئاسة العلامة محمد مفتاح. يبقى الشيء المهم والأساسي في هذه التجمهرات والمسيرات، شعار “فوضناك.. فوضناك” التي يطلقها المحتشدون نهاية كل فعالية، وهي عبارة عن تفويض شفوي عام وجماعي من الناس لعبد الملك الحوثي، يمنح الشرعية لسلطته ولحُكم الجماعة.
في نفس السياق، تم إطلاق حملة “القدس أقرب” – تُعرف كذلك بحملة “أموالنا تحمي القدس” – لجمع الأموال والتبرعات من أجل نصرة فلسطين. وفي إطار هذه الحملة، تبرّعت “ألوية النصر” (التابعة للمنطقة العسكرية الخامسة الخاضعة لسيطرة الحوثيين) بمبلغ 132 مليوناً 500 ألف ريال يمني لممثلين عن حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في صنعاء.[4]
من جهة أخرى، تنشط الهيئة النسائية التابعة لجماعة الحوثيين بذريعة جمع التبرعات وتنسيق الدعم والرفد لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة.[5] كما أطلقت مؤسسات وهيئات الحُكم التابعة لسلطة الجماعة حملاتها الخاصة لجمع التبرعات والمساعدات للفلسطينيين، حيث دشنت الهيئة العامة للزكاة وموظفوها حملة دعم وتبرعات لغزة وجمعت نحو 1.4 مليار ريال يمني.[6]
فضلا عن ذلك، صدرت توجيهات من مكاتب وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسلطة الحوثيين بتوسيع الحملة التوعوية عن عملية “طوفان الأقصى” في جميع أنشطة المدارس و إذاعاتها الصباحية. تأخذ الحملة الشكل الديني الداعم لفلسطين حيث تتمحور حول شرح القضية الفلسطينية وما يحدث في قطاع غزة، مع التركيز على إذاعة الأناشيد الفلسطينية أو الوطنية واعتماد الشعارات الداعمة لفلسطين. في المدارس الحكومية ، تبدو الصورة أكثر وضوحاً في تبني الفكر الجهادي والمقاوم، والإعداد المعنوي للحرب ومواجهة العدو، مع إسباغ هالة من العظمة والقوة على قائد الثورة والمسيرة القرآنية (عبدالملك الحوثي) الذي سوف يقود اليمن إلى النصر في الحرب على أمريكا وإسرائيل – بحسب هذه الأفكار.[7]
تُعتمد استراتيجية التلقين هذه في جامعة صنعاء أيضاً، أكبر صرح للتعليم العالي في اليمن، حيث أُفتتح فيها “منتدى طوفان الأقصى المفتوح” [8] بهدف التركيز على الجرائم اليومية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي بحق المدنيين من أطفال ونساء غزة، وإبراز تضحيات وعمليات المقاومة الفلسطينية، والمنتدى مفتوح أمام كل الباحثين والطلاب لتناول القضية الفلسطينية وأبعادها. كما تُقام ندوات وورش عمل حول عملية “طوفان الأقصى” على مستوى جميع أقسام كليات جامعة صنعاء، مع الدعوة إلى تخصيص العشر دقائق الأولى من كل محاضرة لمناقشتها ولمناقشة الحرب على غزة.
واستمرارا للمَسيرات والوقفات الاحتجاجية الأسبوعية للطلاب وهيئة التدريس بالجامعة (من أجل نصرة غزة)، تم الإعلان عن إضافة عشر درجات لكل طالب، وزيادة أجر ساعة كَبدل إضافي لكل عضو هيئة تدريس يُشارك في المسيرات والوقفات.[9] وفي هذا السياق، قال الدكتور القاسم عباس – رئيس جامعة صنعاء المعين من قبل سلطات الحوثيين: “جامعة صنعاء جزء لا يتجزأ من معركة طوفان الأقصى ومستمرة في التحشيد والتعبئة العامة المفتوحة والدعوة لمن لم يلتحق بالتوجه للتسجيل في مكتب التعبئة العامة بالجامعة للمشاركة في عملية التدريب والتأهيل ورفع الجاهزية لمواجهة الكيان الصهيوني والأمريكي في أي وقت أو حين”.[10]
أما سياسياً، فقد وقع رئيس المجلس السياسي الأعلى بسلطة الحوثيين “مهدي المشاط” – في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2023 – القانون رقم (4) لسنة 2023م، الذي يحظر ويُجرّم الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها. وتعليقا على ذلك، شدّد المشاط على أن “القانون سيتيح لليمن التحرك بفاعلية أكبر وبشكل رسمي في مواجهة الكيان الصهيوني”.[11]
جهود التعبئة العسكرية على الأرض
عسكريا، قامت قوات التعبئة العامة التابعة للحوثيين بفتح باب الالتحاق بدورات “طوفان الأقصى”، وهي عبارة عن دورات عسكرية تُموّل من المساهمات والتبرعات. تستمر الدورات الواحدة منها من عشرة أيام إلى ثلاثة عشر يوما، وتتم بالتنسيق مع عُقال الحارات وشيوخ القبائل في مختلف المناطق – ممن يوجهون دعوة عامة للاشتراك بها – وكذلك عبر الملتقيات الطلابية في الجامعات الحكومية والخاصة. وتشمل الدورات المشار إليها التدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة (كالبندقيات الآلية والمسدسات) والمقذوفات المضادة للدروع، ومدافع الهاون، حيث يُعقد التدريب النظري في أماكن مختلفة مثل مساجد وجوامع الأحياء/ الحارات.[12]
يتم لاحقاً نقل المشاركين في هذه الدورات إلى الميادين والمساحات الفارغة حول المدن للتطبيق العمليّ، الذي هو عبارة عن ثلاثة أيام ويأخذ شكل المناورات الحربية بالسلاح الثقيل في بعض المناطق القبلية مثل عزلة الحدب وربع بني قيس في مديرية بني مطر غرب محافظة صنعاء.[13]
هذا وتم تخريج الدفعات الأولى من المشاركين في هذه الدورات في مختلف المدن والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين ، حيث تخرج نحو 16 ألف مقاتل [14] في عرض رسمي نُظّم في ميدان السبعين بصنعاء أوائل ديسمبر/ كانون الثاني الماضي. كما تخرج أكثر من 20 ألف مقاتل من مدينة حجة [15] في عرض رسمي آخر أواخر نفس الشهر.[16]
فضلا عن ذلك، نَفّذت وحدات عسكرية مختلفة تابعة للحوثيين مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، في إشارة إلى حرب غزة. حملت إحدى تلك المناورات اسم “طوفان الأقصى” [17] ونفذتها قوات كتائب الدعم والإسناد التابعة للحوثيين (وهي قوة احتياطية أسستها الجماعة). كما نُفذت مناورة تحت شعار “لستم وحدكم” [18] من قبل قوات اللواء الأول حماية رئاسية في محافظة الجوف أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومناورة أخرى تحت شعار “جاهزون لمعركة الفتح الوعود والجهاد المقدس”[19] في البَقْع بمحافظة صعده في 13 يناير/ كانون الثاني وذلك بعد يوم واحد من بدء غارات شنتها الطائرات الأمريكية والبريطانية على مواقع عسكرية في مناطق سيطرة الحوثيين ، بهدف الحد من قدرات الجماعة على استهداف حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
أضف إلى ذلك الدفع القتالية التي تخرج منتسبوها من وحدات مختلفة بعد خضوعهم لتدريبات حملت أيضا اسم “طوفان الأقصى”، كَتخرّج دفعة من منتسبي لواء البدر (بقيادة الشرطة العسكرية) في محافظة صعدة [20]، وتخرج دفعة قتالية من لواء القدس (قوات خاصة) التابع للمنطقة العسكرية المركزية في صنعاء [21]، والمسير العسكري لقوات الاحتياط التابعة لقوات حرس الحدود بمشاركة 10 آلاف جندي[22]، فضلا عن تخرج الدفعة الثانية رامي (أر بي جي) من المنطقة العسكرية المركزية في صنعاء، والتي دُرّبت على محاكاة وتقليد فكرة وأسلوب استخدام قذيفة (الياسين 105) التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد المدرعات والدبابات الإسرائيلية. [23]
تُشدد جماعة الحوثيين في خطابها الرسمي والجماهيري على أهمية هذه التدريبات والمناورات العسكرية والتبرعات باعتبارها عناصر جوهرية في جهود التعبئة وبناء القدرات العسكرية. وتُشدد الجماعة على أن هذه الجهود تأتي في الأساس لنصرة الأقصى وفلسطين، ووسيلة وخطوة مهمة للاستعداد في حالة التصادم المباشر مع القوات الأمريكية والإسرائيلية.
لقد استطاعت جماعة الحوثيين تعزيز نفوذها السياسي في المناطق الخاضعة لسيطرتها عبر إظهار نفسها كمُناصر مخلص للقضية الفلسطينية، ومُناصب العداء لأمريكا وإسرائيل، لا سيما في ظل الانطباع السائد لدى الكثيرين بوجود تخاذل عربي وإسلامي. استغلت الجماعة شعاراتها السياسية المُعتمدة منذ تأسيسها لتؤكد التزامها بأفكارها ومبادئها إزاء هذه القضية، وكَعُذر لإرجاء أي أحاديث أخرى حول قضايا عالقة وشائكة في الداخل – سواء سياسية أو اقتصادية – لحين انتهاء الحرب على غزة وتوقف الغارات الأمريكية -البريطانية على مناطق سيطرة الجماعة في اليمن.