انتقادات المجلس الانتقالي الجنوبي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بشأن فشلها في إدارة ملف الخدمات في مناطق الجنوب، قد تكون مجرّد قمّة جبل الجليد لخلافات أعمق مع السلطة الشرعية المتهمة من قبل جنوبيين بإهمال مهمتها الأساسية في مواجهة الحوثيين، والعمل بدلا من ذلك على ترسيخ أقدامها في مناطق الجنوب التي يعتبرها المجلس مجالا جغرافيا لدولة الجنوب التي يعمل على استعادتها.
عدن- انطوت انتقادات وجهها المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا برئاسة أحمد عوض بن مبارك، على بوادر لتجدّد الخلافات بين المجلس المُطالب باستعادة دولة الجنوب المستقّلة والسلطة الشرعية بقيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي حول مسائل تتجاوز الملف الخدمي الذي انصبت عليه تلك الانتقادات إلى قضايا أكثر عمقا تتصّل بالوضع الأمني والعسكري وترتيبات الحلّ النهائي للصراع في اليمن، والذي عاد إلى الواجهة مع عودة الحراك الإقليمي والأممي لإنعاش جهود السلام ومحاولة تنفيذ خارطة الطريق التي تمثّل مدخلا له.
وبينما انتقد الانتقالي الجنوبي بلهجة حادّة طريقة الحكومة اليمنية في معالجة الملف الخدمي في عدن ومحافظات الجنوب واصفا إياها بـ”العبث”، شدّد قيادي في المجلس على الطبيعة المؤقتة للعلاقة بين الأخير بمؤسسات الشرعية، منتقدا تكريس بعض الأطراف لجهودها نحو إعادة التموضع جنوبا.
وأعادت هذه التصريحات والانتقادات إلى الأذهان الأجواء المتوتّرة التي سادت علاقة المجلس الانتقالي والشرعية اليمنية في مرحلة ما قبل اتّفاق الرياض والتي وصلت حدّ المواجهة العسكرية بين الطرفين، قبل أن يتمّ فض الاشتباك وتهدئة الأجواء طبقا للاتّفاق المذكور الذي تضمّن صيغا جديدة للشراكة بين الطرفين تقوم على تقاسم عادل للمهام والمناصب الحكومية.
ولاحت خلال الأشهر الأخيرة بوادر تذمّر داخل الأوساط المقرّبة من المجلس الانتقالي والمتبنية لآرائه وطروحاته بشأن مشروعه لاستعادة دولة الجنوب، من سياسات مجلس القيادة التي رأت تلك الأوساط أنّها تنحو إلى ترسيخ أقدام القوى المناهضة للمشروع في المناطق الجنوبية وإهمال المهمة الأساسية في استعادة مناطق شمال اليمن من أيدي جماعة الحوثي، والتوجّه بدلا من ذلك نحو إبرام سلام مع الجماعة وفقا لترتيبات وصفها مقرّبون من المجلس بأنها غامضة وتفتقر للتفاصيل بشأن مصير القضية الجنوبية وطريقة حلّها.
كما تعاملت تلك الأوساط بحساسية عالية مع الترتيبات الأمنية والعسكرية التي اتخذتها السلطة الشرعية سواء لجهة تأسيس قوة عسكرية جديدة مرتبطة بشخص رئيس مجلس القيادة تحت مسمّى قوات درع الوطن، أو لجهة إعلان الرئيس عن مشروعه لدمج مختلف القوات العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين وتوحيدها تحت إمْرَته.
وتصدّرت الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية في مناطق الجنوب خلال الفترة الأخيرة واجهة الخلافات بين المجلس الانتقالي وحكومة بن مبارك، حيث أصبح المجلس يرى في فشل الحكومة في إدارة تلك الملفات عبئا سياسيا كبيرا عليه يضعه في حرج إزاء جماهيره داخل مناطق نفوذه وعلى رأسها عدن عاصمة دولة الجنوب المنشودة.
واتهم المجلس المُمَثَل داخل مجلس القيادة الرئاسي عن طريق رئيسه عيدروس الزبيدي حكومةَ بن مبارك بالفشل في إدارة ملف الخدمات، مطالبا بوقف العبث في هذا الملف. وقال في بيان أصدره الثلاثاء، إن هيئة رئاسته عقدت اجتماعا دوريا ناقشت فيه الأوضاع في العاصمة عدن وباقي محافظات الجنوب والمعاناة المستمرة للمواطنين جراء تدهور الخدمات وفي مقدمتها خدمتا الكهرباء والمياه.
واستمعت الهيئة لعرض شفوي مُوجز من عبدالناصر الوالي وزير الخدمة المدنية والتأمينات، رئيس كتلة وزراء المجلس الانتقالي بالحكومة، حول السياسة الحكومية في مجال الخدمات وإجراءاتها والمعوقات التي تواجهها في هذا المجال.
منصور صالح: الندم مآل المكر والعبث في التعامل مع الشريك الجنوبي
وأكدت الهيئة في الاجتماع أن “هناك بوادر فشل حكومي واضح في إدارة ملف الخدمات، والتي بدأت ملامحها بالظهور مع دخول الصيف الحالي”.
وشددت “على ضرورة أن تكون لمجلس القيادة الرئاسي إجراءات حازمة وحاسمة تُوقف العبث المستمر في هذا الملف، وتكبح جماح القوى التي تحاول استغلال معاناة المواطنين للابتزاز السياسي”.
وسبق أن شكت الحكومة اليمنية من صعوبات مالية كبيرة جراء توقف تصدير النفط منذ نحو عام ونصف العام، ما أدى إلى تعثر العديد من المشاريع، بما في ذلك الخدمات الأساسية.
وأبعد من ملف الخدمات، وجّه منصور صالح القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي نقده لـ”محاولات بعض الأطراف التنصل من التزاماتها وتكريس جهودها لإعادة التموضع جنوبا، ولتحقيق مكاسب سياسية على حساب قضية الشعب الجنوبي”.
وقال صالح في حديث لوكالة سبوتنيك الروسية إنّ “هؤلاء لديهم اعتقاد خاطئ بإمكانية تعويض الخسائر العسكرية بمكاسب سياسية يمكن من خلالها إضعاف الموقف الجنوبي وإعادة ترتيب أوراق القوى اليمنية المهترئة في الجنوب”.
وأضاف “الشراكة الجنوبية في مؤسسات الدولة اليمنية مؤقتة وتهدف إلى إدارة مرحلة ما قبل الوصول إلى حل عادل لقضية شعب الجنوب وتوحيد جهود القوى المناوئة للميليشيا الحوثية لحسم المعركة عسكريا، أو الوصول إلى سلام عبر عملية سياسية شاملة برعاية دولية”.
وذكّر بأن مهمّة مؤسسات الدولة في انتظار استكمال المواجهة مع الحوثيين وتحقيق السلام المنشود تتلخّص بـ”تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتوفير الخدمات في محافظات الجنوب وباقي المحافظات اليمنية المحررة”.
كما انتقد صالح عدم التزام سلطة العليمي بتنفيذ مقتضيات إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وقبله بنود اتّفاق الرياض وخصوصا ما يتعلّق منهما بتقاسم السلطة وتوزيع المهام بشكل عادل، قائلا إنّ “هناك إصرارا على الانفراد بالتعيينات وبشكل متسارع، في خروج مرفوض عن التوافق المنصوص عليه في بيان نقل السلطة، الذي انبثق عنه مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل 2022”.
وذهب القيادي في المجلس حدّ الحديث عن وجود “مكر في التعامل مع الشريك الجنوبي، لا يخدم حالة التوافق التي ينبغي أن تكون هدف جميع الأطراف”.
وأشار إلى أن “هناك أهدافا واضحة في اتفاق الرياض لعام 2019 ومشاورات مجلس التعاون لعام 2022، التي نتج عنها تشكيل حكومة المناصفة ومجلس القيادة الرئاسي، وعلى الجميع الالتزام بها والابتعاد عن الممارسات الفوضوية التي أسست لها الحكومات السالفة التي اعتمدت أساليب حرب الخدمات وإهدار المال العام في شراء الولاءات وتمويل المطابخ الإعلامية الموجهة ضد الجنوب وقضيته، مع تناسي الخصم الرئيس المتمثل بميليشيا الحوثي ومشروعها الإيراني”.
بوادر تذمّر داخل الأوساط المقرّبة من المجلس الانتقالي والمتبنية لآرائه وطروحاته لاحت بشأن مشروعه لاستعادة دولة الجنوب
وحدّد صالح “العناوين الأساسية للشراكة الجنوبية الحالية مع القوى اليمنية بتحقيق التنمية وإعادة الإعمار في الجنوب والمناطق المحررة شمالا، إضافة إلى خوض المعركة مع الحوثي أو الوصول إلى عملية سلام عادلة معها”، مشيرا إلى أن “أي محاولة للنيل من المكاسب الجنوبية وإلحاق الأذى بالمواطن الجنوبي، ستُقابل بردود فعل قد لا يتحمله من يمارس هذا العبث”.
ولمّح إلى وجود فساد داخل الحكومة اليمنية، قائلا إنّ “إعادة إنتاج قوى الفساد وتدوير الفاسدين وتبني سياسة تمكين المقربين لا يخدم أي جهد وطني بقدر ما يذكّر الناس بماض أسود، لأن اقتفاء أثر كل من سعى للإضرار بالجنوب ومحاولة تفكيكه سابقا، لن تصل إلا إلى ذات النتيجة التي فشلت معها هذه المحاولات”.
ولم يخل خطاب القيادي الجنوبي من نبرة تحذير حين قال إنّ “ممارسة الابتزاز السياسي ومقايضة أو ربط ملف الخدمات بملفات سياسية أمر مرفوض، لأن شعب الجنوب ليس حقل تجارب لمؤسسات الفشل والتآمر، وصبره مهما طال سينفد وعندئذ سيندم الجميع”.