يشكل امتلاك تنظيم "القاعدة" الإرهابي في اليمن لقواعد إطلاق الطائرات المسيرة تطورا خطيرا، في ظل حالة الانكسار التي يواجهها، إثر تفاقم خلافاته الداخلية، وحالة الضعف على مستوى موارده المالية وقدراته العملياتية.
وفي عملية هي الثامنة من نوعها في غضون عام واحد، شنّ تنظيم "القاعدة" الجمعة الماضي، هجومًا بواسطة طائرة مسيّرة على مواقع تمركز "القوات المسلحة الجنوبية"، شرقي محافظة أبين، جنوبي اليمن؛ ما أدى إلى إصابة 3 جنود، في عملية تأتي في سياق رد مضاد على الحملات العسكرية والأمنية التي تستهدف معاقله.
وأدخل تنظيم "القاعدة"، في منتصف مايو/ أيار من العام الماضي، تقنية الطائرات المسيّرة على نحو غير متوقع، من خلال أولى هجماتها التي استهدفت موقعًا لقوات "دفاع شبوة" بمديرية الصعيد، التابعة لمحافظة شبوة، والمتاخمة لمحافظة أبين، جنوبي اليمن.
ويأتي هذا التطور في ظل فقدان التنظيم معاقله الحصينة، شرقي أبين، واستمرار الحملة العسكرية والأمنية التي أطلقتها قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وأخرى حكومية، قبل عامين ونصف العام، بهدف "تطهير محافظتي أبين وشبوة، من العناصر الإرهابية".
*كيف وصلت للتنظيم؟*
ويكشف المتحدث الرسمي باسم "القوات المسلحة الجنوبية" المقدم، محمد النقيب، أن علاقة "القاعدة" بميليشيا الحوثي، انتقلت من "التخادم، إلى التحالف الإستراتيجي، وهو ما مكّن التنظيم بموجبه من الحصول على مكاسب كبيرة، منها إطلاق سراح العشرات من عناصره وقادته من سجون صنعاء، فضلًا عن المأوى البديل الذي حصل عليه، عقب طرد قواتنا للتنظيم من بعض المناطق الجنوبية".
وقال النقيب، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إنه نتيجة لإستراتيجية ميليشيا الحوثيين العسكرية، التي تعتمد على اختراقات وتهديدات "القاعدة" لخصومه، واشتراكهما في العداء للقوات المسلحة الجنوبية، فإن التنظيم حظي بدعم لوجستي من ميليشيا الحوثي، وتمكن من الحصول على الطيران المسيّر، ذات الطابع الاستطلاعي والهجومي، الذي نُفذ من خلاله ثماني هجمات في شبوة وأبين.
وبين أن ميليشيا الحوثي لم تكتف بمدّ تنظيم "القاعدة" بالطيران المسيّر فحسب، بل وفرت له دعمًا في الجانب المعلوماتي، إضافة إلى التسليح، والتدريب في معسكرات محافظة البيضاء، الخاضعة للسيطرة الحوثية.
وبشأن مخاطر الطيران المسيّر وتقنيته الهجومية لتنظيم "القاعدة"، أكد النقيب أنها "تؤثر على الحرب الدولية على الإرهاب بشكل عام، وعلى أمن واستقرار المنطقة والعالم".
وذكر أن حصول "تنظيم القاعدة الإرهابي على هذه التقنية الهجومية الإيرانية، تؤكد بجلاء، أن التنظيم ورغم انهزامه في الجنوب وخسارته لمعاقله والمئات من عناصره، إلا أنه لن يتوانى عن تنفيذ ما تقوم به ميليشيا الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب، في حال طلبت إيران فعل ذلك".
وأشار النقيب إلى أن حالة الضعف التي يمرّ بها التنظيم حاليًا، "بفعل ضربات قواتنا المسلحة الجنوبية، جعلته أكثر طاعة لتنفيذ أجندات إيران، وأكثر سعيًا لإرضاء ميليشيا الحوثي الإرهابية".
*ميزة مقلقة للخصوم*
من جانبه، قال الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، سعيد الجمحي، إن مظاهر الحركة لدى تنظيم "القاعدة" لا تزال متوافرة، ولا يمكن الحديث عن انحساره وضعفه بشكل شامل؛ إذ إن عملياته لا تزال مستمرة في أبين، إلى جانب حضوره الإعلامي، وبياناته المتعاطية مع المستجدات الداخلية، والمتفاعلة مع الحرب الجارية على غزة.
وأشار في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى وجود مغذيات بإمكانها إنعاش التنظيم وإعادة نشاطه، "من خلال الوجود القوي لتنظيم القاعدة في أكثر من دولة بأفريقيا منها الصومال، التي تعدّ أقرب هذه الدول إلى اليمن، وبإمكان تنظيماتها أن تقدم المساعدة من خلال الأموال والخبرات وتهريب الأسلحة إلى اليمن".
ويرى الجمحي، أن بإمكان تنظيم "القاعدة" في اليمن الحصول على السلاح أو الطائرات المسيرة من خصومه، في ظل حالة التفكك والمكايدات بين خصومه، "ومن غير المستبعد أن تمدّ ميليشيا الحوثيين تنظيم القاعدة بشكل أو بآخر بالمسيّرات، باعتباره خصما لعدوّهم يمكن الاستفادة منه، وبالتالي فإن عدو عدوي، صديقي".
وقال إن التنظيم منذ نشأته يحرص على تطوير وسائله وأدواته، "وبالتالي فإن استخدامه للطائرات المسيّرة هو حلم يطمح إليه بشدة، منذ بدء ظهورها على مستوى العالم، نظرًا لإمكانياتها في تغيير معادلات الحروب الدولية"
وأكد الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، أن حصول تنظيم "القاعدة" على المسيّرات، "يجب أن يُقلق خصومه، وأن يؤخذ ذلك على محمل جدّي دون أدنى استخفاف؛ لأنها ميزة يمكنها إحداث انقلاب في المواجهة".
*تأثيرات مستقبلية*
بدوره، حذّر الخبير العسكري، العقيد وضاح العوبلي، من مخاطر امتلاك تنظيم "القاعدة" لهذه التقنيات الحديثة، التي قال إنها "تضاعف من القدرات الاستطلاعية والعملياتية للتنظيم الإرهابي".
وأضاف في حديثه لـ"إرم نيوز"، أنه بات بإمكان "القاعدة" تسخير المسيّرات لتنفيذ عمليات إرهابية بدلًا من الطرق التقليدية التي تمكنت الأجهزة الأمنية خلال السنوات الأخيرة، من تقليصها إلى أدنى المستويات، بفعل الإجراءات والضغط العسكري على التنظيم في معقله الرئيس بالمديريات الشمالية الشرقية من محافظة أبين".
وأكد العوبلي، أن ثمّة تأثيرات مستقبلية على العمليات العسكرية الجارية ضد التنظيم، بسبب تعزيز تنظيم "القاعدة" لقدراته الاستطلاعية والنارية بشكل أوسع، عبر هذه التقنيات التي ستمكنه من الحصول على معلومات استخباراتية أكبر.
وتابع: "إن هذه التقنيات تساعد في رصد تحرك القوات والعمل على إعاقتها عبر القصف أو العبوات الناسفة التي يبرع فيها التنظيم، ناهيك عن تمكنه بواسطتها من رصد مراكز القيادة والسيطرة واستهدافها، كما أنه قد يتجه لتنفيذ عمليات في مسرح أوسع يتجاوز المديريات التي تمثل مسرحاً عملياتياً لتحركات قوات سهام الشرق إلى ما هو أبعد منها".