بينما تتردد أصداء انفجارات هجمات الحوثيين عبر شواطئ البحر الأحمر، يلوح في الأفق سؤال كبير: لماذا صمتت الصين بشأن الأزمة رغم كونها لاعبا مهما في البحر الأحمر؟
وتشعر البنوك المركزية بالقلق من ارتفاع التضخم مرة أخرى بعد انخفاض حركة المرور عبر البحر الأحمر بنسبة 35 في المئة، وذلك بفضل هجمات الحوثيين التي دمرت أكثر طرق الشحن ازدحاما وأهمها في العالم.
وفي خضم هذه الاضطرابات، قررت أربع من أكبر خمس شركات إعادة توجيه سفنها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى إضافة 3200 ميل مع تأخير لمدة تسعة أيام بسرعة 15 عقدة من آسيا إلى أوروبا.
وتقول الباحثة مليكة طارق في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي إن إضافة أميال إضافية لم تؤخر تسليم المنتجات فحسب، بل أدت أيضا إلى تصاعد تكاليف الشحن العالمي، مما أدى إلى التضخم العالمي وانتشار المشاكل عبر المجتمع العالمي بأكمله.
وزعم الحوثيون أن إسرائيل ومؤيديها هم الأهداف المشروعة ردا على الإبادة الجماعية في غزة. ومع ذلك، فقد اجتذبوا بشكل عشوائي الجميع في اللعبة مما وضع الاقتصاد العالمي على المحك.
ورغم أن الصين كانت محمية بشكل حصري من الهجمات، فإنها تعاني من التداعيات الاقتصادية مع تحول البلدان المختلفة إلى نهج “الدعم القريب” من أجل التخفيف من آثار التعطيل.
وأثار امتناع بكين عن الانغماس في الأمر، على الرغم من هذه التداعيات الاقتصادية الكبيرة، استغراب المجتمع العالمي بأكمله.
ووفقا لتقرير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن القوة العسكرية الصينية لعام 2023، يمتلك جيش التحرير الشعبي أكبر قوة بحرية في العالم.
وأنشأت الولايات المتحدة بـ293 سفينة فقط قوة عمل لتأمين ممرات البحر الأحمر، بينما من ناحية أخرى، لم تمتنع الصين، بإجمالي 370 سفينة، عن المشاركة في العملية فحسب، بل انتقدت أيضا هذا التحالف باعتباره إضافة الوقود إلى النار.
ومن خلال تحليل الظروف عبر عدسة نظرية الاستقرار المهيمنة، يمكن اعتبار استجابة بكين الصامتة بمثابة إستراتيجية متعمدة تهدف إلى موازنة الهيمنة الأميركية في المنطقة.
وتلعب الصين في الواقع لعبة مزدوجة لإقامة احتكارها الخاص في البحر الأحمر لتحقيق تطلعاتها في أن تصبح القوة المهيمنة. فمن ناحية، تلتزم بسياسة عدم التدخل ولا تتورط بشكل مباشر في الصراعات الإقليمية وتصور نفسها كدولة مسالمة. ومن خلال القيام بذلك، لا تسمح الصين باستغلال علاقاتها مع الحوثيين وتضمن التدفق السلس للتجارة في المستقبل.
ويسمح الحفاظ على المرونة الدبلوماسية بدلا من توسيع الوجود العسكري، للصين بتعزيز علاقاتها مع مختلف اللاعبين الإقليميين، بما في ذلك أولئك الذين لديهم مصالح معارضة للولايات المتحدة.
وعلى الجانب الآخر، تعمل الصين كراكب مجاني تحافظ على مواردها الخاصة بينما تتمتع بالأمن والاستقرار اللذين يحافظ عليهما وجود الجيش الأميركي.
ويمكن النظر إلى استجابة الصين المنضبطة باعتبارها خطوة إستراتيجية لإشراك الولايات المتحدة في الصراعات الإقليمية، مما يؤدي إلى الإفراط في توسيع مواردها ونفوذها.
ومن خلال اتباع نهج عملي وحذر، تسعى الصين إلى تأمين مصالحها الاقتصادية مع الحفاظ على الحياد وتجنب المخاطر التي تهدد أهدافها الدبلوماسية الأوسع.
ويتناقض موقف بكين بعدم التدخل بشكل صارخ مع تدخلات الولايات المتحدة التاريخية والمستمرة. وهذا يعزز جاذبية الصين لدى الحكومات المحلية باعتبارها حذرة من التدخل الأميركي.
ولا تستطيع الصين تحمل إفساد علاقاتها مع إيران، لأنها لا تؤمّن مصالحها في البحر الأحمر فحسب، بل تعزز مكانتها الجيوسياسية أيضا.
وتعاون البلدان معا من خلال دعم روسيا ضد أوكرانيا. وهذا أحد الأسباب الأخرى التي تجعل الصين تحافظ على علاقات سلسة مع إيران حيث يتعاون البلدان لقمع واشنطن من خلال دعم روسيا في الحرب الروسية – الأوكرانية.
وعلاوة على ذلك، تكتسب الصين التعاطف العالمي من خلال استخدام خطاب الإبادة الجماعية في غزة باعتباره السبب الرئيسي لهجمات الحوثيين، وتضع نفسها كمدافع عن حقوق الإنسان في حين تتحدى السياسات الأميركية بمهارة. وهذا يساعد الصين على خلق ضغوط عالمية على الولايات المتحدة لوقف أعمالها العسكرية في البحر الأحمر، مما يضعف نفوذها ويعزز مكانتها كقوة مهيمنة.
ولكن في الوقت نفسه، فإن استجابة الصين المحدودة للأزمة تصور موقفها الخطابي بشأن مبادرة الأمن العالمي باعتبارها شعارا فارغا.
ومن خلال تجنب اتخاذ موقف تصريحي واضح بشأن الأزمة، تضع الصين نفسها كجهة فاعلة أقل مسؤولية مقارنة بالولايات المتحدة. لكن عدم اتخاذ إجراءات كشف عن محدودية قدرة الصين وعدم اهتمامها بتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة. وتظهر الأزمة أن الصين تفضل الاعتماد على المساعدة من الدول الأخرى حتى لو كانت مصالحها الخاصة على المحك.
ومع ذلك، فإن هذا الانتقاد ليس له تأثير يذكر على الصين لأن العملية الأميركية قد خلقت وضعا مربحا للجانبين بالنسبة لها.
وإذا نجحت العملية، فسوف تحقق الصين مصالحها من خلال استعادة التجارة السلسة عبر البحر الأحمر، بينما ستواجه المملكة المتحدة والولايات المتحدة الازدراء.
وإذا فشلت، فستحصل الصين على حصة أكبر من البحر الأحمر كمكافأة لامتثالها مع الحوثيين خلال الأزمة. وقد تواجه الجهات الفاعلة الأخرى في مجال الشحن خطر الهجمات أو الطرق الأقل تكلفة حول أفريقيا.