في عودة هي الأوسع منذ سنوات، تشهد عدد من المحافظات اليمنية تزايدا ملحوظا لأعداد الإصابة بوباء الكوليرا.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن عدد الحالات المبلغ عن إصابتها بلغت 40 ألفا، منها 160 حالة وفاة، منذ مطلع يناير الماضي.
هذه الموجة تعود بالذاكرة إلى الموجة الأشد فتكا باليمنيين، وهي التي بدأت سنة 2016، وامتدت إلى العام 2021، وطالت أكثر من مليوني حالة.
المشترك الجامع في كل موجات انتشار الأوبئة هو عجز القطاع الصحي، سواء في مناطق الشرعية أو سيطرة الميليشيا عن مواجهة الجائحة، الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب هذا العجز وديمومته، رغم الأرقام الفلكية المعلنة عن الدعم الدولي والإقليمي للحكومة في الجانب الصحي.
- منظومة تعمل بشكل غربب
يقول مسؤول الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب الصحة بمحافظة تعز، تيسير السامعي: "إن آخر الإحصائيات كانت تقول إن قرابة 750 حالة إصابة، منها أكثر من 300 حالة مؤكدة، وفي كل حالة وفاة".
وأضاف: "هذه آخر الإحصائيات الصادرة عن الترصد الوبائي الصحة والسكان لمحافظة تعز، لكن نحن ننظر أن هذه الإحصائية إذا ما قورنت بإحصائيات، في سنوات سابقة، طبعا هي تعتبر قليلة جدا".
وتابع: "الوباء انتشر في العام 2016م حتى العام 2023م، بأعداد تجاوزت الآلاف، وكان هناك عدد حالات الوفاة بالمئات".
وزاد: "لكن الآن نحن نقول إن الإحصائيات ماتزال قليلة، لكن دعنا نقول إن وجود حالة مؤكدة هذا يعني أن الناس أصبحوا كلهم عرضة للخطر، وأن الوباء يمكن أن يصيب أي شخص".
واستطرد: "لذا يجب على الجميع أخذ الإجراءات الاحترازية، والوقائية، وأن يقوموا بكل الإجراءات، التي تحمي من الإصابة بمرض الكوليرا".
وقال: "كلنا يعلم بأن وجود الوباء يعتبر كارثة، يعني أنه لا تزال هناك حالات مؤكدة جدا بالكوليرا، وهذا يعتبر خطرا".
وأضاف: "عودة المرض يعتبر أيضا خطرا، لكن نحن اليوم ليس لدينا من سلاح لمواجهة هذا الوباء إلا التوعية والتثقيف، وضرورة الالتزام بالسلوكيات الإيجابية المعززة للصحة".
وتابع: "المواطن يجب أن يقوم بدوره، وجميع الجهات يجب أن تقوم بدورها، وأيضا مؤسسات المجتمع المدني".
وأشار إلى أن "مواجهة هذا الوباء بحاجة إلى تضافر وتعاضد الجميع".
وحث الجميع على التضامن "من أجل أن نواجه هذا الوباء؛ لأنه في النهاية مشكلة إنسانية، ومشكلة نتيجة الحرب الظالمة، التي فرضت على الشعب اليمني"، قائلا: "الآن نحن بحاجة إلى أن نقف صفا واحدا في مواجهة هذا الوباء".
وأضاف: "لا يجب أن نظل نعول على الآخرين؛ لأننا يمكن أن نواجه هذا الوباء بأشياء بسيطة؛ وذلك من خلال الالتزام بالنظافة الشخصية، وغسل اليدين، والتعقيم، وأيضا الالتزام بالسلوكيات المعززة للصحة".
وأضاف: "بالنسبة للأسباب، فمحافظة تعز هي كغيرها من محافظات الجمهورية؛ لأنه في النهاية الوباء ليس منتشرا في محافظة تعز فقط، هو منتشر تقريبا في كل المحافظات، حتى إن تقارير منظمة الصحة العالمية تقول إن أغلب الحالات في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي منتشر فيها الوباء، وهذا معروف ومثبت".
وتابع: "أغلب الحالات تأتي من مناطق الحوثيين، وهناك إهمال جانب التوعية والتثقيف، وإهمال جانب الترصد الوبائي".
وأردف: "المنظومة الصحية -للأسف الشديد- منظومة تعمل بشكل غريب جدا، وهذا يعني أن حياة الإنسان لم تصبح بالأهمية ذاتها".
واستطرد: "سلطة الأمر الواقع أصبحت لديها أولويات أهم من صحة الناس وسلامتهم وحياتهم، وهذا ربما هو السبب الرئيسي في انتشار الأوبئة، ليس الكوليرا فقط بل لدينا أيضا أمراض الطفولة القاتلة، وعودة شلل الأطفال والحصبة، وأمراض كثيرة عادت، وهذا كله نتيجة إهمال جانب الوقاية والرعاية".
- غياب السلطات
يقول الناشط المجتمعي، أحمد هزاع: "أصبحت جميع البيوت في تعز قلقة من هذا الوباء المستشري بشكل مخيف، في ظل عدم وجود التوعية الحقيقية، وعدم تزويد المستشفيات بالأدوية، وعدم الرش المستمر ضد الناموس، كل هذه الأشياء نفتقدها في تعز بشكل كبير جدا".
وأضاف: "لم ينتشر هذا الوباء إلا بسبب عدم عمل السلطة المحلية واجبها الحقيقي ضد هذا الوباء، الذي يفتك بالناس سنويا، ولم نجد هناك حلولا منذ سنوات".
وتابع: "ينتشر المرض في هذه الفترة أثناء الأمطار والصيف؛ بسبب أنه لا توجد أي عوامل أو تجانس بين السلطة المحلية من أجل إيقاف هذا الوباء".
وزاد: "اليوم نتحدث عن توعية، حتى وإن كانت هناك توعية لا توجد هناك التزام من مكتب الصحة في توزيع الأدوية، وتوزيع الناموسيات".
وأردف: "كل هذه الأشياء، التي تسبب هذا المرض، نجد أن السلطة المحلية غائبة تماما عن هذا الواجب المهم، الذي يفتك بالناس سنويا؛ بدون أن نسمع لهم أي صوت، أو أي واجب وطني في مثل هذه الأوبئة المنتشرة".