يفاقم الطقس الحار أزمة المياه في اليمن، ما يرفع أعباء السكان الذين يعاني معظمهم من الفقر، بالترافق مع الغلاء بفعل الانهيار الاقتصادي المستمر منذ سنوات. لم يعد بائع المياه اليمني عابد المطري، يستطيع التزود بكميات المياه التي كان يحصل عليها سابقاً من الآبار الموجودة في العاصمة صنعاء، حيث تشحّ الموارد بينما يشهد الطلب ارتفاعاً متزايداً وسط ارتفاع درجات الحرارة، ما يدفع موزعي المياه إلى رفع الأسعار، ما يفاقم أعباء المستهلكين في البلد الذي يعاني معظم سكانه من انهيار معيشي.
يشير المطري الذي يوزع المياه عبر ما يُعرَف بالـ"وايت" في اليمن، وهو عبارة عن صهريج تحمله شاحنة في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى رفض ملّاك الآبار المزودة للمياه رفع الكمية المحددة لكل سائق شاحنة بغية الحفاظ على مستوى المياه في الآبار وعدم سحب كميات كبيرة تفوق قدراتها وحجم منسوبها.
تواجه الشاحنات التي تبيع المياه، بسبب ذلك إلى جانب عوامل عدة أخرى، صعوبة بالغة في ملء الصهاريج التي تحملها لتغطية الاحتياجات اليومية مع ارتفاع الطلب من قبل المواطنين منذ حلول فصل الصيف والارتفاع القياسي في درجة الحرارة.
أزمة المياه تزيد أعباء الأسر
ويقول المواطن جلال الشيباني، من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن فاتورة المياه لشهر إبريل/ نيسان الماضي التي سددها مطلع الشهر الجاري وصلت إلى 18 ألف ريال (33.8 دولاراً وفق سعر الصرف في صنعاء) بعد أن كانت تتأرجح خلال الأشهر الثلاثة الأولى التي سبقت الشهر الماضي بين 10 آلاف و14 آلاف ريال، لافتاً إلى أن عدد أفراد أسرته يبلغ خمسة أفراد فقط. ويتوقع الشيباني أن تتجاوز فاتورة مايو/ أيار 20 ألف ريال، فيما يقدّر آخرون ارتفاع فواتير استهلاكهم بشكل تصاعدي إلى أكثر من 25 ألف ريال.
الغلاء يجتاح اليمن مع انخفاض الريال إلى مستوى قياسي
يدير ملاك العقارات والمباني السكنية أو من ينوب عنهم نظام استهلاك المياه القائم الذي يشمل نسبة كبيرة من الأسر في مدينة صنعاء، وذلك بحسب عدادات ترصد مستوى الاستهلاك يتم إجمالها في فواتير تُسلَّم للسكان يستأجرون هذه المباني والعقارات السكنية، حيث لا يمتلكون مباني خاصة بهم. في حين تتوزع عملية استخدام المياه في المنازل، وفق المواطن عماد الصلوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين غسل الملابس وأواني الطبخ والاستحمام واستخدامات أخرى، بينما تدفع كثير من الأسر التي تعتمد على محطات التحلية المنتشرة في العاصمة اليمنية صنعاء تكاليف إضافية لتوفير مياه الشرب.
من جانبه، يقول ياسر أحمد، حارس أحد المباني السكنية، لـ"العربي الجديد"، إن مشكلة أزمة المياه لا تقتصر على ارتفاع أسعارها، بل تشمل أيضاً تقلص التزويد وسط زيادة الاستهلاك اليومي. ويلفت إلى أنّ الأسعار تتفاوت من منطقة إلى أخرى، إذ تصل تكلفة الصهريج في مدن مثل تعز وعدن إلى أكثر من 30 ألف ريال. ويتفاوت سعر صرف الدولار بين مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يبلغ نحو 533 ريالاً، بينما يتجاوز في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً 1730 ريالاً.
وتقدر نسبة السكان في اليمن الذين لا يستطيعون الوصول الى مصادر مياه محسنة بنحو 60% وفق مصادر رسمية، يأتي ذلك في الوقت الذي دفع ارتفاع أسعار المياه المنقولة بالشاحنات نسبة كبيرة من اليمنيين إلى خيارات صعبة وشاقة لتوفير المياه تجعل بعضهم يقطعون مسافات طويلة وشاقة لتعبئة المياه من أماكن بعيدة عن مناطق سكنهم.
بدوره، يتحدث ماجد صلاح، بائع مياه، لـ"العربي الجديد"، عن أن هناك من يستطيع الحصول على احتياجاته من المياه بالتنقل بين أكثر من بئر عاملة في صنعاء، لافتاً إلى أن مبلغ تعبئة الصهريج الواحد تصل إلى 1500 ريال، لكن هناك تكاليف أخرى تضاف، كالوقود وغيرها من التكاليف مع عدم إغفال المسافة التي تُقطَع لإيصال المياه إلى المستهلك الذي قد يكون يسكن في مناطق بعيدة عن أماكن التزود بالمياه.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، تنخفض مدة استخدام الكمية المعتادة من المياه لدى أغلبية الأسر بحسب عدد أفرادها ومستوى استهلاكها مع تفاوتها من مدينة لأخرى في ظل تداخل أسباب وعوامل إضافية في بعض المدن مثل عدن، حيث تؤثر أزمة الكهرباء كثيراً بعملية التزود بالمياه واستهلاكها على مستوى المنازل مع ارتفاع تكاليف الحصول على مياه الشرب التي تزيد عملية استهلاكها خلال الفترة بشكل تصاعدي يقدّره كثير من المواطنين بنحو أربعة أضعاف الاستهلاك المعتاد، فضلاً عن التضخم الواسع لمصانع المياه المعدنية التي شهدها اليمن خلال الفترة الماضية.
في السياق، دشّنت تعز جنوب غربيّ اليمن مشروع الخط الرئيسي الناقل للمياه من "بئر شارع جمال" إلى الخط الناقل الذي يخدم أكثر من 80 ألفاً من المستفيدين، إلى خزانات مؤسسة المياه العامة بدعم وتمويل من منظمات دولية، الذي يأتي وفق مسؤولين محليين ضمن جهود استكمال ربط آبار المدينة بخزانات مؤسسة المياه وتعزيز جهود ضخ المياه للمواطنين بما يخفف من معاناتهم جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكة المياه والصرف الصحي بسبب الحرب والصراع في اليمن، إضافة إلى إقرار آلية ضخ المياه للمواطنين بشكل منتظم وتوفير الاحتياجات اللازمة لوصول المياه إلى منازل المواطنين.
ويقول نبيل الحبيشي، الباحث الاقتصادي والمتخصص في مجال البيئة لـ"العربي الجديد"، إن التغيرات المناخية أهم مشكلة يعاني منها اليمن منذ نحو خمس سنوات، وقد فاقمت أزمة المياه وندرتها وما يتعلق بها من تبعات، حيث زادت النزاعات كثيراً خلال الفترة الماضية على المياه مع توسع الحفر العشوائي للآبار وقلة منسوب الأمطار، أو سقوطها في غير مواعيدها وعدم الاستفادة منها، حيث تُهدَر كمية كبيرة من مياه الأمطار بالتزامن مع انخفاض التمويلات التي تستهدف إنشاء السدود والخزانات الخاصة بتجميع المياه.
أزمة المياه على طاولة البنك الدولي
ووضعت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً التي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها في 22 مايو/ أيار الجاري، مشكلة الأمن المائي في البلاد على طاولة اجتماع عُقد في العاصمة الأردنية عمّان مع خبراء من البنك الدولي بمشاركة سفراء الاتحاد الأوروبي وهولندا، وألمانيا، ورئيس مجموعة تنسيق المانحين للمياه وعدد من ممثلي منظمات الأمم المتحدة، إذ أكد مسؤولون حكوميون ضرورة العمل على نهج شامل يأخذ بالاعتبار الأمن المائي والغذائي والمناخي في ظل ندرة المياه في اليمن.
وأشارت مصادر في وزارة المياه والبيئة إلى أنه جرت مناقشة عدد من الحلول للأزمة، في طليعتها تحلية مياه البحر التي أصبحت خياراً استراتيجياً ووحيداً لتوفير مياه الشرب الآمنة للمناطق الساحلية، ولا سيما عدن (جنوب)، فضلاً عن تحسين الإدارة وكفاءة الاستخدام للمياه، من أجل الحفاظ على الموارد المائية من الاستنزاف وتوفير المياه لاستخدامات الزراعة والشرب.