عاد التصعيد العسكري في عدة جبهات باليمن، رغم حالة الهدوء التي سادت البلد الفقير منذ نحو عامين، ما قد يعقد الجهود الأممية والدولية الرامية إلى تحقيق حل دائم لأزمة البلاد التي تواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
ودفع هذا التصعيد العسكري في جبهات القتال الداخلية، المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى إبلاغ مجلس الأمن الدولي بهذه المستجدات التي تنبئ بخطورة الوضع العسكري.
وأبلغ غروندبرغ مجلس الأمن الدولي في 13 مايو الجاري، باستمرار الأنشطة العسكرية في سبع محافظات باليمن، داعيا أطراف النزاع إلى ضبط النفس والدفع بخارطة الطريق لحل الأزمة. كما أعرب المبعوث الأممي عن قلقه “إزاء تهديدات الأطراف بالعودة إلى الحرب، بما في ذلك تصريحات أنصارالله (جماعة الحوثي) وتصرفاتهم فيما يخص محافظة مأرب”.
وخلال إحاطة له أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي بنيويورك في 15 أبريل الماضي، كشف المبعوث الأممي عن تصعيد للأعمال العدائية في عدة جبهات باليمن. وأوضح أنه “على الرغم من أن الوضع العسكري على مستوى اليمن ما زال مستقرًا نسبيًا مقارنة بما كان عليه قبل أبريل 2022، شهدنا مؤخرًا تصعيدًا للأعمال العدائية على عدة جبهات”. وتابع محذرا “إذا أهملنا العملية السياسية في اليمن وواصلنا السير على مسار التصعيد، فقد تكون العواقب وخيمة، ليس على اليمن فحسب، بل على المنطقة بأكملها”.
"الواقع يستدعي من القوات الحكومية والموالية لها ومن اليمنيين بشكل عام رفع اليقظة والاستعداد لمواجهة واسعة وطويلة مع الحوثيين"
وخلال الأيام الماضية، أعلنت جماعة الحوثي، مقتل عدد من ضباطها في مواجهات مع القوات الحكومية. وفي المقابل، سقط قتلى وجرحى من القوات الحكومية، في مواجهات مع الحوثيين، في عدد من جبهات القتال الداخلية، بينهم قائد في محافظة الجوف يدعى الرائد محمد الشرعبي.
وأعلن الجيش الوطني التابع للحكومة المعترف بها مؤخرا، إسقاط طائرة مسيّرة مجنحة تابعة لميليشيا الحوثي في محافظة الجوف. ومؤخرا، أبلغ وزير الخارجية اليمني شايع الزنداني المبعوث الأممي “بالخطوات التصعيدية للحوثيين على المستويين العسكري والاقتصادي والتي قال إنها فاقمت من الأزمة الاقتصادية وقوضت مسار العملية السياسية وفرص تحقيق السلام في البلاد”.
وشدد الزنداني خلال لقائه غروندبرغ “على ضرورة إعادة النظر في التعاطي الأممي مع الممارسات الحوثية، ووقف انتهاكاتها العدوانية ودفعها للانخراط بجدية في مسار سياسي مبني على المرجعيات المتفق عليها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”. ويأتي التصعيد العسكري في اليمن، رغم التوافق الذي تم قبل أشهر على خارطة طريق من أجل إنهاء الحرب المستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا من جهة، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران من جهة أخرى.
وفي 23 ديسمبر 2023، أعلن المبعوث الأممي التزام الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بحزمة تدابير ضمن خارطة طريق تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة المواطنين الذين يعانون واقعا إنسانيا صعبا. لكن التوقيع على هذه الخارطة اصطدم بتصعيد عسكري، واتهامات متبادلة بين الحكومة والحوثيين بشأن المتسبب في ذلك.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، أعلنت الحكومة اليمنية في مارس الماضي، توقف خارطة الطريق الأممية لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، بسبب تصعيد الجماعة في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية.
ومنذ نوفمبر الماضي، يواصل الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وبحر العرب، وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل أو تلك المتوجهة إليها، وذلك “نصرة للشعب الفلسطيني في غزة”. غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا أعلنتا أن هذه الهجمات تهدد البحر الأحمر بوصفه معبرا مهما للتجارة الدولية، وبدأتا هجمات على مواقع للحوثيين، الذين ردوا باستهداف سفن أميركية وبريطانية.
والتصعيد واسع النطاق رغم حالة التهدئة التي يشهدها اليمن خلال الفترة الماضية، إلا أن ثمة توقعات بتصعيد أكبر خلال المرحلة المقبلة، نتيجة استمرار الاتهامات بين طرفي النزاع بشأن عرقلة التوصل إلى السلام. ويرى الباحث اليمني عامر دعكم أن” المؤشرات وحتى التجارب السابقة تؤكد أن جماعة الحوثي لن تقبل بالحلول السياسية، بل تتجّه نحو تصعيدٍ واسع النطاق خلال الفترة المقبلة”.
وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أن ذلك يأتي “مع النشوة العالية للجماعة المدعومة من طهران، بتحقيقها العديد من المكاسب من جرّاء استغلالها قضية غزة كيافطة، وادعاء مناصرة فلسطين بالهجوم على سفن الشحن في البحر الأحمر، ضمن مساعيها لتنفيذ الأجندة الإيرانية، وغسل انتهاكاتها وكسب المزيد من أصوات العامّة والسطحيين في مناطق سيطرتها وحتى في مناطق أخرى من اليمن”.
وأشار إلى أن “جماعة الحوثي ترفع سقف طموحاتها وتحاول المُضّي نحو التجذّر أكثر وأعمق، في ظل الأداء الرخو للحكومة المعترف بها”. ولفت دعكم إلى أن جماعة الحوثي “وسّعت عملية عسكرة أبناء القبائل والعامّة من الناس ضمن تجهيزاتها المكثفة لمعارك قادمة بشراسة السنوات الأولى للحرب، في محافظات مأرب وشبوة وتعز ولحج والضالع”.
وشدد الباحث على أن “الواقع يستدعي من القوات الحكومية والموالية لها ومن اليمنيين بشكل عام رفع اليقظة والاستعداد لمواجهة واسعة وطويلة مع الحوثيين”. وما تزال وجهات النظر متباينة بشكل كبير بين الحكومة والحوثيين، ما يجعل مسألة التوافق القريب أمرا مستبعدا. وأفاد الباحث جلال المسلمي بأنه لا توجد بارقة أمل لتحقيق السلام، في ظل تعنت جماعة الحوثي التي تسعى لتحقيق أجنداتها في اليمن. وأضاف أنه “بذلت جهود دولية سابقة للمضي في مسار السلام، لكن جماعة الحوثي تعيق كل الجهود وتقفز بالصراع إلى مستوى جديد، وها هي تصدّر عبثيتها إلى الممرات الدولية لتتعثر التهدئة مجددا”.
وأشار إلى أنه في الوقت ذاته “لا يمكن للأطراف المنضوية تحت لافتة الحكومة اليمنية الخضوع لتوجهات الجماعة الحوثية نتيجة للأفكار الراديكالية العنصرية التي تحملها وتطرفها في إقصاء الآخرين، ما يعني أن خلق توافق لحل أزمة اليمن ما يزال بعيدا، خصوصا مع استمرار التصعيد العسكري حاليا”. ويرى العديد من اليمنيين أن بلادهم قد تستمر في حالة من اللاحرب واللاسلام، في ظل واقع تشوبه معاناة كبيرة.