"لم يسبق وإن كانت تبعات أزمة اقتصادية في العالم بهذا الرخص"، هذا ما قاله الأسبوع الماضي (ماكسيميليان هيس)، أحد الشركاء في شركة إنميتينا للاستشارات السياسية وتقييم المخاطر، ومقرها لندن.
خلال حديثهِ في ندوة إلكترونية لمديري سلاسل التوريد، قدّم هيس شريحة توضيحية لطائرةٍ مُسيّرة بحجم قارب، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأسلحة المصنوعة بطرق بدائية لديها القدرة على إعادة توجيه التجارة العالمية.
وقال هيس: "لا يوجد مكان يتجلى فيه ذلك بوضوح أكثر من الصراع في البحر الأحمر"، في إشارة إلى هجمات الحوثيين على السفن التجارية التي تحاول استخدام قناة السويس.
وبعد قرابة ستة أشهر من تصاعد الأحداث على الممرات الدولية وخطوط الملاحة؛ للاحتجاج على حرب إسرائيل في غزة، ينحو نطاق الآثار الاقتصادية للتوسع أكثر. فبينما تجتاز السفن رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، تتكدس جداول رحلاتها المتقلبة في الموانئ الآسيوية الكبرى، مما يؤدي إلى نقص في حاويات الشحن الفارغة في بعض الأماكن وازدحامها في أماكن أخرى، فيما تتأخر أوقات التسليم إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وترتفع أسعار الشحن.
وقامت شركة سي انتلجنس المتخصصة في بيانات الشحن البحري والاستشارات ومقرها كوبنهاغن، بحساب إعادة التوجيه التي رفعت الوقت الأدنى للعبور بنسبة تقرب من 40٪ إلى البحر الأبيض المتوسط من آسيا، وبنسبة 15٪ إلى شمال أوروبا.
ويساهم التأثير المتوالي للسفن التي تعود إلى آسيا -بعد أن تم تعديل جداولها الزمنية- بإنشاء زحامٍ في موانئ مثل شانغهاي-نينغبو في الصين وسنغافورة، كما يعاني ميناء "جبل علي" في الإمارات العربية المتحدة من مشكلات الازدحام أيضًا جراء قربه من البحر الأحمر، ولأنه مركز رئيسي لإعادة الشحن للبضائع التي تمر عبر دبي على متن الناقلات البحرية والجوية.
وأصدرت سنغافورة، التي تعد موطنًا لثاني أكبر ميناء حاويات في العالم، بيانًا الأسبوع الماضي يشرح ما شهدته من زيادة كبيرة في وصول السفن منذ بداية 2024، ما أدى إلى زيادة 8.8٪ من حجم الحاويات بين يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان مقارنة بالعام السابق. وأوضحت سلطة الميناء أن بعض السفن تنتظر مدة يومين إلى ثلاثة أيام.
"من المتوقع أن تزداد الحالة سوءًا بسبب زيادة وصول السفن خارج الجدول المحدد واستخدام الحوض المرتفع جدًا"، قال (تان هوا جو)، محلل سوق الحاويات في شركة لينرليتيكا، في بريد إلكتروني الجمعة.
ومع قضاء السفن مزيد الوقت في المرساة ومواجهتها لرحلات مطولة، يشعر مديرو سلاسل التوريد الذين يدفعون ثمن تلك الخدمات بضرورة تقديم الطلبات مسبقًا، مما يدفع بعضهم إلى شراء أكثر مما قد يحتاجون إليه.
وانخفضت نسبة السفن الحاوية التي تصل في الوقت المحدد إلى حوالي 52٪، ما يشير إلى تراجع كبير قياسًا بالعام الماضي من مستويات الأزمة الناجمة عن الجائحة التي بلغت حوالي 30٪ منذ أوائل 2022، وفقًا لشركة سي إنتليجنس.
وتتأخر أوقات التسليم للبضائع المسافرة إلى أوروبا خاصة والساحل الشرقي للولايات المتحدة من الصين، لتجنب معظم السفن في هذه الطرق الاختصار عبر قناة السويس.
ومن جانب الطلب، يضيف الاقتصاد الأمريكي جاذبية قوية، كما أظهرت أحجام الواردات في ميناء لوس أنجلوس خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.
وتشير قراءة مبكرة لأحجام مايو/أيار خلال أكثر الموانئ ازدحامًا في البلاد إلى استمرار الزخم، حيث جاءت ثلاثة من أربعة أسابيع الماضية بمستويات أعلى من مستويات العام السابق.
ويحدث عدم التوازن بين العرض والطلب قبل شهر واحد على الأقل من ذروة موسم الشحن من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول؛ جراء قيام التجار بتجهيز الرفوف لموسم مبيعات العودة إلى المدارس والإجازات نهاية العام، إذ يقومون بتقديم طلباتٍ كبيرة من مورديهم الآسيويين. ويقول بعض المحللين إن مثل هذا الوضع يمكن أن يتغذى على نفسه عندما تكون المخاطر الجيوسياسية والتهديدات الجمركية شائعة لهذا الحد.
ووفقًا لما قاله (لارس جينسن)، محلل الشحن ومؤسس شركة فيسبوتشي ماريتايم المقرَّة في كوبنهاغن: "مع بدء مزيد شركات الشحن في موسم الذروة مبكرًا، يتسببون في نقص الطاقة وارتفاع أسعار الشحن، ما يدفع بشركات الشحن الأخرى للانضمام إلى هذه الجماعة المبكرة"، وفي هذه العملية، "يخلقون توترًا يأملون في تجنبه"، حسبما قال.
وارتفعت أسعار الشحن الفوري بشكل حاد ردًا على ذلك، فيما تشهد وسائل النقل الأكثر تكلفةً -الشحن الجوي- أيضًا تأثيراتٍ على طرق محددة مع زيادة الطلب.
(ترين نيلسن)، المديرة العليا ورئيسة قسم المحيطات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة اللوجستيات التكنولوجية فليكسبورت، قالت: يشير ذلك أن بعض أصحاب البضائع "يتوقعون استمرار موسم الذروة لفترة أطول".
(روجير بلوك)، مدير تطوير المنتج في شركة ورلد إيه سي دي المقرَّة في أمستردام، أوضح من جهته أن أسعار الشحن الجوي من الخليج الفارسي [العربي] وجنوب آسيا إلى أوروبا ارتفعت بنسبة تقرب من 80٪ في مايو/أيار مقارنة بالعام السابق، وهو ما يبرز من الزيادة المتوسطة العالمية للأسعار بنسبة حوالي 3٪ خلال الفترة ذاتها.
ومن الصعب توقع مدى الوقت الذي سيستغرقه النظام المترابط لاستعادة التوازن، وفقًا لـ(رولف هابن يانسن)، الرئيس التنفيذي لشركة هاباج-لويد آيه جي المقرَّة في هامبورغ، ألمانيا، وهي خامس أكبر شركة ناقلة للحاويات في العالم.
وفي مقابلة، أجريت معه الأسبوع الماضي على قناة بلومبرغ التلفزيونية، قال يانسن: "قد يستمر الوضع لفترة تصل إلى بضعة أشهر إضافية في حال لم يتحسن الوضع في البحر الأحمر"