ما تثيره قوات درع الوطن من توتّرات في مناطق جنوب اليمن يعود لكون دور تلك القوات يتجاوز الجانب الأمني والعسكري ليمثّل جزءا من أجندة سياسية أبعد مدى تتعلّق بصراع النفوذ في مناطق يمنية عالية الأهمية الإستراتيجية في مقدّمتها محافظة حضرموت المهمة أيضا للسعودية التي وقفت وراء إنشاء هذا الهيكل الأمني، الذي بدأ يأخذ مكانه بين الأجسام الأمنية والعسكرية الحاضرة على الأرض.
عادت محاولة نشر قوات درع الوطن المرتبطة برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، في مناطق واقعة ضمن مجال سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت، لتثير التوتّر في المحافظة ذات الوضع بالغ الحساسية بفعل تمسّك المجلس بها كجزء أساسي من دولة الجنوب التي يسعى لاستعادتها، في مقابل محاولات حزب التجمّع اليمني للإصلاح المنضوي تحت مظلّة الشرعية اليمنية تركيز موطئ قدم له فيها.
ويجري ذلك بالتوازي مع إصرار الشرعية ذاتها على الإبقاء على حضور أمني وعسكري لها هناك، في توجّه يقول مراقبون إنّ المملكة العربية السعودية تقف وراءه في إطار طموحها لتركيز نفوذها في المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي المهم لها بفعل انفتاحه على بحر العرب.
وتقول مصادر يمنية إنّ تشكيل قوات درع الوطن التي أنشئت بجهد سعودي جاء خدمة لهذا الهدف ومنعا لاستكمال سيطرة قوات المجلس الانتقالي على المحافظة لاسيما منطقة الساحل الأكثر حيوية وضمانا لعدم خروج المحافظة من سلطة الشرعية، وذلك في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في اليمن والترتيبات التي قد تستجدّ لاحقا في إطار جهود إيجاد حلّ سياسي للصراع اليمني.
وعلى هذه الخلفية يثير أيّ تحرّك لتلك القوات أو توجّه لنشرها في مناطق سيطرة الانتقالي الجنوبي رفضا صارما من قبل المجلس وتحذيرات من تبعاته.
وتجدّد هذا الرفض مع رصد “تحركات سياسية وعسكرية وأمنية.. وإصدار توجيهات بدخول قوات عسكرية إلى مديريات ساحل وهضبة حضرموت” بحسب ما ورد في بيان صادر عن الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمديرية سيئون.
وأرجعت الهيئة في بيانها التحرّكات والتوجيهات المذكورة إلى ما سمته “ضغوطا سياسية تخدم أجندة معادية لمحافظة حضرموت”.
وعبّرت عن استنكارها لـ”استقدام أيّ قوات أخرى تعارض صلاحيات قوات النخبة الحضرمية”، محذّرة مما يثيره استقدام تلك القوات من “فوضى وفتن في مديريات ساحل وهضبة حضرموت”.
كما شدّد البيان على عدم وجود أيّ حاجة أمنية حقيقية لاستقدام أيّ قوات أخرى إلى جانب النخبة الحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي التي أكّد أنّها “مجهزة وموحّدة القيادة وتعمل للحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة وملاحقة المجرمين والخلايا الإرهابية”.
وليست المرّة الأولى التي تثير فيها تحرّكات قوات درع الوطن توتّرا واستنفارا في حضرموت. ففي يناير الماضي كاد الأمر يصل حدّ التصادم مع قوات الانتقالي عندما تحرّك رتل من قوات درع الوطن صوب مناطق غرب مدينة المكلا بساحل المحافظة وتصدّت له النخبة الحضرمية وأجبرته على التراجع إلى منطقة وادي حضرموت مركز سيطرة قوات الشرعية.
وفي خريف العام الماضي وصلت إلى المحافظة تعزيزات عسكرية كبيرة تابعة لقوات درع الوطن قادمة من السعودية حيث تمّ تنظيمها وتسليحها وتدريبها، وشرعت في الانتشار في مديريات الوادي الواقعة ضمن مناطق سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لحزب الإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.وورد في بيان الهيئة التنفيذية بمديرية سيئون القول “إنّنا وكافة الأهالي نعلن عن رفضنا الكامل لوجود أيّ قوة غير قوات النخبة الحضرمية في ساحل وهضبة حضرموت وإن خطوات إدخال أيّ قوات أخرى تعتبر مؤامرة لإدخال المحافظة في دوامة الصراعات الداخلية وزعزعة الأمن والاستقرار في ساحل حضرموت”.
◄ تشكيل قوات درع الوطن التي أنشئت بجهد سعودي جاء خدمة لهذا الهدف ومنعا لاستكمال سيطرة قوات المجلس الانتقالي على المحافظة
وتوجّهت الهيئة ببيانها إلى قيادة الشرعية مطالبة بإصدار توجيهاتها الحقيقية “بعيدا عن ساحل حضرموت الآمن وبإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى واستبدالها بقوة حضرمية خالصة تحت إشراف غرفة عمليات موحدة لضبط العمل الأمني والعسكري في مكافحة الجرائم وملاحقة الخارجين عن النظام والقانون”.
وجاء التجاذب حول قوات درع الوطن، في لحظة توتّر في علاقات الشرعية اليمنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي بسبب تردّي الأوضاع المعيشية والخدمية في مناطق الجنوب والذي حمّل المجلس مسؤوليته للحكومة المعترف بها دوليا.
وعلّق الصحافي سعيد بكران على ذلك بالقول “سوء تقدير الموقف المتكرر من قبل صاحب درع الوطن أمر مثير للدهشة يستدعي الكثير من التساؤلات”.
وقال عبر حسابه في منصة إكس “لماذا يعيد نفس الخطأ ليحصل على نفس النتيجة”، مضيفا أنّ “ساحل حضرموت ليس في حاجة إلى درع وطن.. فقوات النخبة فيه تقوم بمهامها على أكمل وجه”.