قمع للعمل الإنساني تمارسه مليشيات الحوثي بهدف مساومة المنظمات الدولية وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتطويع العاملين بها.
إذ اعتقلت مليشيات الحوثي 11 موظفا في وكالات تابعة للأمم المتحدة، فيما قالت مصادر حكومية إن 39 عامل في منظمات دولية أخرى ومنظمات المجتمع المدني المحلية، اعتقلوا كذلك، في واحدة من أعنف الهجمات ضد العمل الإنساني.
وكان عاملين في بعض المنظمات في صنعاء أكدوا في وقت سابق لـ"العين الإخبارية"، إن حملة اعتقالات حوثية غير مسبوقة طالت 13 موظفا في وكالات أممية ودولية، بينهم 6 في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وأكد متحدث باسم الأمم المتحدة اعتقال مليشيات الحوثي، 11 من موظفي المنظمة الدولية، مشيرا إلى أنها تسعى "لإطلاق سراحهم جميعا بشكل آمن وغير مشروط في أقرب وقت ممكن".
تعقيدات وتطويع
وقال عاملون في المجال الإنساني اليمني، فضلوا حجب هويتهم، لـ"العين الإخبارية"، إن حملة القمع الحوثية غير المسبوقة ضد الموظفين في المنظمات الدولية والأممية والمحلية "تأتي على خلفية رفض عاملين في هذه الوكالات التعاون مع المليشيات المدعومة إيرانيا".
وأوضحت المصادر أن "مليشيات الحوثي كانت قد عينت مندوبين من قبلها في هذه الوكالات، مكلفين برصد جميع أنشطتها وأنشطة موظفيها، لكنها مؤخرا انتقلت لمساومة العاملين والمسؤولين في هذه الوكالات ومحاولة تطويعهم للعمل معها بما في ذلك إعداد تقارير مسيسة للأوضاع الإنسانية والحقوقية شمال اليمن".
وأشارت المصادر إلى أن "المطالبات الحوثية التي فاقت قدرات هذه الوكالات العاملة في المجال الإنساني، دفعها لتعليق أنشطتها في بعض المحافظات الخاضعة للمليشيات كمحافظة الحديدة"، لافتين إلى أن "الوضع أصبح مقلقا جدا وهناك مخاوف حقيقية من التعقيدات الصادمة التي أصابت بيئة العمل الإنساني في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي".
في السياق، قال موظف في منظمة أممية لـ"العين الإخبارية"، إن وكالات الأمم المتحدة "هددت بتعليق عملها كليا في مناطق الحوثيين، حيث أصدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تعليمات داخلية لموظفيه بإيقاف العمل مؤقتا في كل المحافظات الخاضعة للمليشيات ردا على حملة الاعتقالات واسعة النطاق ضد العاملين بالمجال الإنساني".
وتعليقا على ذلك، قال الناشط اليمني أحمد النظاري أن الاعتقالات والمساومة تعد "سياسة أصيلة تكرسها مليشيات الحوثي لابتزاز المنظمات، وتبحث من خلف الاعتقالات عن ضمان مكاسب سياسية واقتصادية للجماعة".
وأوضح في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "الحوثي يغرس في نفوس اتباعه ثقافة المؤامرة، حيث ينظر للمنظمات المجتمع الدولي والمدني كعدو ومحاولة اختراق ناعم للجماعة، لذا يعمل على قمع وتطويع العاملين بهذه الوكالات أو الزج بهم بالسجون دون النظر للتداعيات الكارثية على تعليق العمل الإغاثي والإنساني".
أبرز المعتقلين
وسجلت الحكومة اليمنية تعرض نحو 50 موظفا بينهم 11 موظفا من الأمم المتحدة للاعتقال من قبل مليشيات الحوثي على مدى الأيام الماضية.
من بين الموظفين الأممين الذي تعرضوا للاعتقال 6 من موظفي المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على رأسهم وضاح هشام عون المسؤول عن قسم المعلومات، والمنسقين بحجة والحديدة إبراهيم زيدان وسيمرة بلح، فضلا عن الباحثين الميدانيين فراس الصياغي ومحمد الشامي ومحمد أبو شعراء.
كما اعتقلت مليشيات الحوثي سامي الكلابي الموظف في مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، و3 موظفين يعملون في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، وآخرين يعملون لدى اليونيسف والبرنامج الأممي الإنمائي.
ووفقا للمصادر، فإن اعتقالات الحوثيين طالت أيضا، 3 موظفين في المعهد الديمقراطي الأمريكي، بينهم رباب المضواحي رئيسة قسم المعلومات والموظف مراد ظافر، فيما جرى اعتقال موظفين في "الصندوق الاجتماعي للتنمية" (وكالة حكومية)، وهم وسام قائد نائب مدير عام الصندوق، ومحمد ذمران رئيس قسم المعلومات.
وتشير المصادر إلى أن اعتقالات الحوثيين طالت عشرات الناشطين في منظمات المجتمع المدني، منهم عبدالحكيم العفيري نائب المدير التنفيذي لمنظمة شركاء اليمن الدولية، وعاصم العشاري مدير البحوث والسياسات العامة في مؤسسة رنين اليمن، والذي جرى اعتقاله مع زوجته وعددا من أقاربه، وكذلك ساره الفائق المدير التنفيذي للائتلاف المدني للسلام.
كما اعتقل الحوثيون، الناشط محمد العاقل، والموظف سامي جمال في منظمة ديب روت اليمنية، فضلا عن اعتقال عبد المولى أحمد محي الدين، وهو رجل كبير في السن والمستشار السابق في الجمعية الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).
تنديدات حكومية وحقوقية
إلى ذلك، نددت الحكومة اليمنية ومنظمات حقوقية بحملة الاعتقالات التي نفذتها المليشيات الحوثية ضد من يعملون في منظمات وهيئات ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، بينهم نساء وذلك في 4 محافظات خاضعة للانقلاب.
واستنكر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، بأشد العبارات، "شن مليشيات الحوثي الإرهابية حملة اختطافات واسعة ضد موظفي الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية، بينهم نساء"، معتبرا ذلك "تصعيد غير مسبوق، وانتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية".
وفقاً للقانون الدولي الإنساني، فإن العاملين في المنظمات الإنسانية يتمتعون بحماية خاصة تضمن سلامتهم وأمنهم أثناء أداء مهامهم. وتنص اتفاقيات جنيف، خاصة الاتفاقية الرابعة، على حماية المدنيين والعاملين في الميدان الإنساني في مناطق النزاع المسلح.
كما تنص المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة على تمتع "العاملين في المجال الإنساني بحرية الحركة والوصول دون عوائق إلى الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة".
ووفقا للمسؤول اليمني، فإن "مليشيات الحوثي سبق وأن قامت خلال الأعوام الماضية باختطاف العشرات من موظفي الأمم المتحدة، كما تواصل اختطاف ثلاثة منهم (اثنان منذ نوفمبر (تشرين الأول) 2021، وآخر منذ أغسطس/آب 2023)، و11 من موظفي السفارة الأمريكية لدى اليمن والوكالة الأمريكية للتنمية منذ قرابة عامين ونصف.
واتهم الإرياني، ما يسمى بجهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، بتصفية هشام الحكيمي الموظف في منظمة (save the Children) المتخصصة برعاية الأطفال في أكتوبر/تشرين الثاني 2023، وذلك بعد قرابة شهرين من اختطافه.
كما حكمت قبل أيام بالإعدام تعزيرا لعدنان الحرازي مدير شركة "برودجي سيستم" بذريعة تعاقده مع منظمات دولية وأممية.
الإرياني أكد أن "هذه الأعمال الإرهابية هي نتيجة مباشرة لتساهل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات التابعة في التعامل مع مليشيات الحوثي الإرهابية، وتدليلها، وغض الطرف المتواصل عن الجرائم والانتهاكات المروعة التي ترتكبها بحق اليمنيين منذ انقلابها الغاشم على الدولة، والذي دفعها للتمادي أكثر".
ودعا المسؤول اليمني، كافة الوكالات الأممية، والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة "اونمها"، لنقل مقراتها إلى العاصمة عدن، والمناطق المحررة.
وكانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، ومنظمة "ميون" لحقوق الإنسان اليمنية، اعتبرتا حملة الاعتقالات التي طالت موظفين يمنيين يعملون في منظمات دولية وأممية، "أمرا مخالفا للقوانين والأعراف الدولية وانتهاكا لعمل هذه المنظمات".