أعلنت الولايات المتّحدة الأميركية عن فرضها عقوبات جديدة على مجموعة من الكيانات والأشخاص الضالعين في عمليات ذات صلة بتسليح جماعة الحوثي.
وكثيرا ما تستخدم واشنطن سلاح العقوبات لمواجهة خصومها من دول وأفراد وكيانات، لكن ميزة العقوبات الجديدة المفروضة على الحوثيين أنّها جاءت في ظل المواجهة العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الجماعة بهدف التصدي لهجماتها على خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب، الأمر الذي جعل واشنطن ولندن تقفان بشكل عملي على القدرات العسكرية للجماعة وخطورة الأسلحة التي تمتلكها.
أما الميزة الثانية لتلك العقوبات فتتمثل في كونها تطال شبكة تمتدّ إلى الصين القوة المنافسة بشدّة للولايات المتحدة في عدّة مجالات والتي تخوض ضدّها سباق تسلّح وصراعا متعدّد الأوجه اقتصاديا وسياسيا واستخباراتيا وأمنيا.
وإلى جانب ذلك تعيد العقوبات التي أعلنت عن تفاصيلها وزارة الخزانة الأميركية تسليط الضوء على دور لسلطنة عمان الحليفة للولايات المتحدة والصديقة في الآن نفسه لإيران الداعمة للحوثيين، في عملية تسليح الجماعة بناء على حسابات إقليمية معقّدة.
وتمكّنت الجماعة من الصمود في الحرب التي فجّرتها في اليمن قبل نحو عشر سنوات بفضل ترسانتها من الأسلحة المتنوّعة والمتنامية بفعل ما يصل إليها من سلاح بعضه مهرّب من إيران والبعض الآخر مصنّع ومركّب محليا من قطع غيار يتم اقتناؤها من السوق السوداء العالمية باستخدام شبكات معقّدة من الممولين والمشترين والمهرّبين.
كما أتاح لها التطور الملموس في ترسانتها كمّا ونوعا تفجير مواجهة جديدة في الممرات البحرية المحاذية لليمن، بعد انخراطها في استهداف حركة الملاحة الدولية تحت يافطة دعم غزّة والتضامن مع سكانها في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
وأدخل الحوثيون أسلحة جديدة في تلك المواجهة على غرار زوارق متحكم فيها عن بعد استخدمت قبل أيام قليلة، ولأول مرّة، في استهداف سفينة فحم مملوكة لليونان، وفقا لما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلا عن محللين عسكريين قالوا إنّ هذا السلاح الجديد يمكّن جماعة الحوثي من الالتفاف على الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإحباط الصواريخ والطائرات بدون طيار المستخدمة في مهاجمة السفن في البحر الأحمر.
ومؤخّرا تمّ الكشف عن تدعيم ترسانة الحوثي بصواريخ باليستية بحرية إيرانية من طراز قادر، وذلك عندما اعترف الحرس الثوري الإيراني لأول مرّة بتزويده الجماعة بالأسلحة. ويصل مدى تلك الصواريخ بحسب وكالة أنباء تسنيم الإيرانية إلى ألفي كيلومتر.
وانخرط تحالف أميركي – بريطاني في مواجهة مع الحوثيين وأعلن بشكل متكرّر عن توجيه ضربات لترسانتهم العسكرية وبنيتهم اللوجستية المستخدمة في الهجمات على السفن التجارية.
ولم تؤدّ الضربات إلى حدّ الآن إلى وقف الهجمات، لكن خبراء عسكريين يتحدّثون عن وقوع خسائر كبيرة في ترسانة الحوثيين، ويقولون إنّ الهدف الآني لواشنطن ولندن هو تقليص تلك الترسانة إلى جانب منع دعمها وتجديدها باستخدام سلاح العقوبات ضدّ الشبكات المتدخلة بأشكال متعدّدة في تسليح الحوثيين.
وورد في بيان الخزانة الأميركية أنّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قام بإدراج شخصين وخمسة كيانات قامت بتسهيل شراء الأسلحة للحوثيين على لائحة العقوبات الأميركية.
وقام المكتب أيضا بحسب ذات البيان بإدراج فرد واحد وشركة واحدة بالإضافة إلى تحديد سفينة واحدة سهلت شحن السلع والتي يوفر بيعها مصدرا تمويليا مهما للحوثيين يساعدهم في شراء الأسلحة.
و”يستهدف هذا الإجراء الجهات الفاعلة الرئيسية التي مكنت الحوثيين من تحقيق الإيرادات والحصول على مجموعة من المواد لتصنيع الأسلحة التي يستخدمونها الآن لشن هجمات إرهابية مستمرة ضد السفن التجارية”.
ومنذ نوفمبر 2023 نشر الحوثيون مجموعة من الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز لمهاجمة السفن التجارية وأطقمها في البحر الأحمر وخليج عدن، مما أسفر عن مقتل مدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالسفن التجارية، وتهديد حرية الملاحة العالمية.
وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية برايان نيلسون “إن هجمات الحوثيين المستمرة والعشوائية والمتهورة ضد السفن التجارية غير المسلحة أصبحت ممكنة بفضل وصولهم إلى المكونات الرئيسية اللازمة لإنتاج صواريخهم وطائراتهم دون طيار”.
وأضاف “لا تزال الولايات المتحدة عازمة على استخدام مجموعة كاملة من أدواتها لوقف تدفق المواد العسكرية والأموال من مبيعات السلع الأساسية التي تمكن هذه الأنشطة الإرهابية المزعزعة للاستقرار”.
وورد في بيان وزارة الخزانة الأميركية اسم العضو في جماعة الحوثي علي عبدالوهاب محمد الوزير المقيم في الصين والذي “يلعب دورا رئيسيا في شراء المواد التي تمكن قوات الحوثي من تصنيع أسلحة تقليدية متطورة داخل اليمن. ويستخدم شركته التي يوجد مقرها على الأراضي الصينية في الحصول على هذه العناصر وشحنها إلى الداخل اليمني”.
كما ورد أيضا ذكر سلطنة عمان كممر للمواد المستخدمة في صناعة السلاح الحوثي “حيث يقوم قادة الحوثيين بنقل المواد المستخدمة في صنع الأسلحة والتي تم شراؤها من الموردين المقيمين في الصين الشعبية وغيرهم من الموردين الدوليين إلى اليمن باستخدام شركات الاستيراد والتصدير الموجودة في بلدان ثالثة”.
وقامت شركة مقرها في السلطنة بحسب ذات البيان “بشراء وتسهيل نقل مكونات صواريخ كروز ومعدات التصنيع وغيرها من المواد ذات الاستخدام المزدوج إلى اليمن”.
ويدير الشركة معاذ أحمد محمد الهيفي الذي يتولّى بالتنسيق مع كبار أعضاء جماعة الحوثي استكمال المشتريات. “وقد مكنت أنشطة الهيفي والشركة التي يديرها الحوثيون بشكل مباشر من شن هجمات ضد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وفي عام 2020، على سبيل المثال، ضربت قوات الحوثي منشأة أرامكو السعودية في المنطقة باستخدام صاروخ كروز للهجوم الأرضي من نوع قدس، والذي يحتوي على مكونات حصلت عليها الشركة من مورّد مقره في الصين”.
أما عن استخدام الأراضي الصينية في دعم أنشطة التسلّح الحوثي، فقالت الخزانة الأميركية إنّ “الحوثيين حصلوا على مكونات حيوية لقواتهم من شركات مقرها في جمهورية الصين الشعبية”. وقد نسقت الجماعة مع إحدى تلك الشركات لشراء المواد الضرورية لتصنيع الطائرات دون طيار والأسلحة الأخرى.
وبالمثل قام أفراد منتمون إلى جماعة الحوثي بالتنسيق مع شركة عاملة في الاتجار بـ”الأدوات والآلات” للحصول على معدات بقيمة عشرات الآلاف من الدولارات لجهود إنتاج الأسلحة المحلية.
وفي مجال النقل البحري قال البيان إنّ سفينة ترفع علم الكاميرون قامت “بتحميل السلع المرتبطة بممول الحوثيين سعيد الجمل في أواخر مايو 2024 لتفريغها في سنغافورة”، وأضاف البيان “حملت السفينة شحنة من السلع تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات”. وقد قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بإدراج الجمل على لائحة العقوبات الأميركية “لتقديمه المساعدة المادية أو الرعاية أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني”.