ما تزال زوجة عبدالقادر السقاف ونجلاه عاجزين عن تقديم أي إجابة لأنفسهم ولأحفاده الخمسة الذين لا تنقطع تساؤلاتهم عنه وسبب غيابه كل هذه السنوات.
ست مكالمات فقط سُمح له بإجرائها مع عائلته، رفقة لقاءين من وراء حجاب، في "جامع الصالح" الذي أبدله الحوثيون بمسمى "جامع الشعب"، وفيما لم تحصل العائلة فيها إلا على تطمينات سريعة بشأن صحته، كانت ملامحه توحي بمخاطر المعاناة.
في 25 كانون الأول/ديسمبر 1950، وُلد عبدالقادر السقاف، في هرر بأثيوبيا، حيث كان يعمل والده. تلقى تعليمه الأولي، وحصل على شهادة الثانوية العامة، عام 1965، ليلتحق بعيد أربعة أعوام بجامعة هيلا سيلاسي (أديس أبابا حاليًا)، التي تخرّج منها بدراسة القانون عام 1971.
بين عامي 78-1979 درس اللغة البلغارية في معهد جمال عبد الناصر للطلاب الوافدين، قبل دراسته التصوير السينمائي في الأكاديمية الوطنية لفنون المسرح والسينما (NATFA)، في العاصمة صوفيا، 79-1981.
عاد إلى اليمن، وعمل مصورًا ومنسق إنتاج مشترك في تلفزيون عدن منذ يناير/كانون الثاني 1983 حتى أبريل/نيسان 1990، لينتقل بعدها إلى صنعاء ويعمل في التلفزيون بعديد تخصصات، منها تغطية ورصد الأخبار العربية والدولية، ومنسق أخبار وبرامج، إلى جانب ترجمة الأخبار من العربية إلى الإنجليزية والعكس.
واستمر في عمله التلفزيوني حتى أبريل/نيسان 1994، قبيل اختياره في الشهر التالي، مايو/أيار، للعمل اختصاصي معلومات في الملحقية الإعلامية بسفارة الولايات المتحدة في صنعاء، ثم تعيينه اختصاصيًا للشؤون السياسية بالسفارة، يناير/كانون الثاني 1998.
أحيل السقاف للتقاعد، سبتمبر/أيلول 2014، مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وهو ما أدى إلى انعزاله العمل الإداري والسياسي، وحصر اهتمامه بعائلته، بعد أن سجل واحدة من أروع نماذج الالتزام والمهنية والنجاح وفق شهادات معارفه وزملائه.
في الساعة الـ11 ظهيرة 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وبينما كان رفقة زوجته بداخل سيارته، جوار منزلهما في حي الأصبحي بصنعاء، بوغت بعديد مسلحين يتبعون جماعة الحوثي، المصنفة على قائمة الإرهاب، اقتادوه على متن سيارته ذاتها (نوع ميتسوبيشي-باجيرو 2010)، بعد أن أجبروا زوجته الترجل منها، إلى جهة غير معلومة، فيما تعرض منزله لاحقًا، بعيد ساعات، عند الثانية ظهرًا، لعملية مداهمة على يد 14 مسلحًا وامرأتين من عناصر الشرطة النسائية.
صادر المسلحون مقتنيات شخصية، بينها أجهزة كمبيوتر محمول، أيباد، كاميرات، هاردات، ووثائق شخصية بينها بطاقات وجوازات سفر، بما في ذلك جواز مدبّرة المنزل الإثيوبية، ملقين بكلمات نابية ضد أسرة السقاف، تخللتها نبرة مناطقية، جراء انتمائهم إلى محافظة لحج الجنوبية، المتاخمة لمدينة عدن، "عيال ياتو، ما اداكم لاهانا؟!" طرق أقارب وأصدقاء عبد القادر السقاف، دون جدوى، كل الأبواب الممكنة، كوزارة الداخلية، والأمن والمخابرات، ورئاسة المجلس السياسي الأعلى، في سلطة الأمر الواقع التابعة للحوثيين غير المعترف بها دوليًا.
بعد حوالي ثلاث سنوات من اعتقاله، رأته الأسرة يطل من على شاشة التلفزيون. "بدا أكبر من عمره بعشرين سنة"، قال أحد معارفه، مشيرًا بذلك إلى ما تعرض له السبعيني عبدالقادر؛ ليدلي بتلك "الاعترافات، مع أنها ليست اتهامات".
لقد كان "ظهوره على شاشات التلفزيون بتلك الهيئة، وبتلك التهمة، أشد وطأة ووقعًا على أسرته من خبر اعتقاله! كيف يمكن توجيه تهمة كهذه لمثل عبدالقادر؟! أسرته تعرف جيدًا أنها مجرد تلفيقات. الذين لفقوها يعرفون ذلك أيضًا" . يمن فيوتشر