مع تكثيف مليشيات الحوثي المضاربة بالعملة المحلية انتقاما من الحكومة المعترف بها وتكريس الانقسام النقدي، بات غالبية اليمنيين معرضين لانعدام الأمن الغذائي.
وأدت المضاربة الحوثية عبر شركات الصرافة التي تديرها من صنعاء إلى انهيار الريال اليمني في مناطق الحكومة اليمنية التي تحاول عبر البنك المركزي في عدن إعادة ضبط الدورة المالية والسيطرة على النظام المصرفي.
ورغم ارتفاع نسبة المضاربة الحوثية، إلا أن مصادر مصرفية قالت لـ"العين الإخبارية" إن الريال اليمني حقق، الإثنين الماضي، تحسنًا ملحوظًا أمام العملات الأجنبية في عدن، حيث سجل 1822 ريالاً لبيع الدولار الواحد، مقارنة مع 1818 ريالا الأيام الماضية.
كما سجل الريال السعودي الأكثر تداولا في السوق اليمنية بين 475.5 للشراء و477 للبيع بدلا من 474 للشراء و476 للبيع خلال الأيام الماضية، وفقا لذات المصادر.
يأتي ذلك بالتزامن مع دق الأمم المتحدة ناقوس الخطر مجددا محذرة من تأثير الحرب الاقتصادية للحوثيين والتي تفاقمت سلبًا على"الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وزيادة معدلات البطالة، وتقليل دخل الأسر وانعدام الأمن الغذائي".
اضطرابات مالية
كشف تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، الآثار المحتملة للحرب الاقتصادية الحوثية التي تعرض الأسر لانعدام الأمن الغذائي، والتي أدت لاضطرابات مالية ومصرفية ونقص الدولارات من بين أمور أخرى.
ورغم تجاهل السبب الرئيسي المتمثل باستمرار مليشيات الحوثي بشن حرب مضاربة شرسة قي المناطق المحررة، ما أدى لخسارة الريال اليمني قيمته في مناطق الحكومة اليمنية مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 38 بالمائة، أشار التقرير إلى وجود تضخم في أسعار المواد الغذائية رغم تثبيت مليشيات الحوثي بالقوة سعرا ثابتا للصرف، في إشارة إلى أنه سعر "وهمي".
وتوقع التقرير أن ينخفض الريال اليمني في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا، على الأقل بنسبة 5 في المائة شهرياً خلال الأشهر الـ4 المقبلة, في وقت يواصل الحوثيون تجفيف السيولة حتى باتت البنوك عاجزة عن دفع أموال المودعين.
وأشار التقرير إلى أن الإجراءات الحوثية الأخيرة ضمن حرب اقتصادية للرد على قرارات حكومية تهدد بـ"تعطيل سبل العيش وستؤدي إلى تفاقم التعرض لانعدام الأمن الغذائي بين الشعب اليمني العادي من خلال تقليص القوة الشرائية للأسر".
وأكد أن الحرب الاقتصادية المتبادلة التي تسببت في نقص الدولار وانخفاض قيمة العملة وتداعيات اضطراب القطاع المصرفي والمالي مما سيؤدي حتما إلى نتائج تتمثل بـ"انخفاض قيمة العملة وزعزعة استقرارها"، و"ارتفاع أسعار المواد الغذائية وبالتالي ارتفاع تكاليف المعيشة" وزيادة تعرض الأسر لانعدام الأمن الغذائي.
كما ستؤدي إلى "انخفاض الواردات ونقص السلع حيث تواجه الشركات تحديات في الحصول على الدولارات لإجراء المعاملات الدولية والمدفوعات للموردين، فضلا عن انخفاض في تدفقات التحويلات وتعطيل البرامج الإنسانية والتنموية واضطرابات اقتصادية عامة منها تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض دخل الأسرة".
ووفقا للتقرير فإن "مع انخفاض الدخل، لجأت معظم الأسر إلى مستوى مرتفع وواسع من الاقتراض للحصول على الغذاء في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك قدرتها المستقبلية المحتملة على التعافي من المديونية"، في وقت تنخفض المساعدات الإنسانية للبلاد بشكل كبير.
أزمة مصرفية خطيرها بدأها الحوثيون
يصف التقرير الأزمة المصرفية والمالية في اليمن والتي فجرها الحوثيون بـ"الخطيرة"، لآثارها العميقة اقتصاديا واجتماعيا وتهديدها بإشعال الحرب مجددا بعد "فترة من الهدوء، مما قد يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي".
وأكد التقرير أن الأزمة الحالية بدأت عام 2015، بعد أن قامت مليشيات الحوثي بتجميد أصول البنوك التجارية، وخاصة أذون الخزانة في البنك المركزي اليمني بصنعاء، والتي بلغت حوالي 1.78 تريليون ريال يمني.
وعلى أثره، اتخذت الحكومة اليمنية قرارًا بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، في سبتمبر/أيلول 2016.
وأشار إلى أن ما فاقم الأزمة، سن مليشيات الحوثي قانون في مارس/آذار 2023 نص على حظر المعاملات الربوية، والذي أثر بشكل كبير على البنوك بما فيه "بنك اليمن الدولي حيث بدأ المودعون في سحب أموالهم، مما أدى إلى تجفيف السيولة وأسعار الفائدة على الودائع".
وبعد تصنيف مليشيات الحوثي منظمة إرهابية في 17 يناير/كانون الثاني 2024 في أعقاب سلسلة من الهجمات على البحر الأحمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ذهب البنك المركزي اليمني لإطلاق شبكة موحدة حصرية لتحويل الأموال في فبراير/شباط 2024.
كما صعدت مليشيات الحوثي الحرب الاقتصادية في مارس/آذار 2024 بعد "إعلانها سك عملات معدنية مزورة من فئة 100 ريال لتحل محل الأوراق النقدية القديمة، كما طالبت من وكلاء تحويل الأموال عدم صرف الدولار الأمريكي للتحويلات الواردة بغض النظر عن العملة الأصلية".
وردا على ذلك، وجه البنك المركزي اليمني في عدن في أبريل/نيسان 2024، جميع البنوك التجارية والإسلامية ومصارف التمويل الأصغر بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، وهدد بعزلها وقطع "السويفت" لعدم الامتثال.
كما أوقف البنك المركزي في مايو/أيار 2024، نحو 6 بنوك كبرى إثر تعاملها مع مليشيات الحوثي وأصدر تعليمات للجمهور بإعادة الأوراق النقدية القديمة المطبوعة قبل عام 2016 إلى البنك المركزي اليمني في عدن.
وأكد التقرير أنه استجابة لقرارات البنك المركزي "أصدرت شركات تحويل الأموال الكبرى مثل شبكة موني جرام العالمية وبنك الراجحي في السعودية بيانات لوكلائها للامتثال، بينما تستعد شبكة ويسترن يونيون الدولية تطبيق ذات الإجراءات".
مليشيات الحوثي وكعادتها، طبقا للتقرير، ذهبت لاتخاذ رد انتقامي عبر "البنك المركزي اليمني في صنعاء" وقامت بحظر 13 بنكًا ومؤسسة مالية وغير مالية، مما أثار قلقاً عاماً وعطل بشكل كبير القطاعات المالية والمصرفية وتحويل الأموال في البلاد.
وأوضح أنه ونتيجة الحرب الاقتصادية أصبح "العملاء والتجار والمستوردين ومقاولو الأمم المتحدة يواجهون تحديات في الوصول إلى أموالهم المودعة في البنوك الخاضعة للعقوبات، مما تسبب في تفاقم المشكلة واضطرابات في مسارات التحويلات، وتسبب بنقص حاد في الدولار الأمريكي".
خطر زيادة تكاليف المعيشة
قال التقرير إن تنظيم سعر الصرف وأسعار المواد الغذائية في مناطق مليشيات الحوثي لا تطبق تماشياً مع ديناميكيات السوق، على عكس مناطق الحكومة اليمنية حيث يتم تحديد أسعار المواد الغذائية الأساسية وفقا للمتغيرات.
وأشار إلى أنه منذ منتصف العام الماضي (2023) كانت أسعار المواد الغذائية المحلية ترتفع حتى عندما كانت أسعار المواد الغذائية العالمية تنخفض، مما يؤكد التأثير المتزايد لتغيرات أسعار الصرف على تقلبات أسعار المواد الغذائية.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية السنوية، وقد زادت هذه النسبة منذ بداية الحرب الحوثية أواخر 2014, مع انخفاض إنتاج القمح المحلي.
ولفت التقرير إلى أن أسعار المواد الغذائية الدولية والعوامل المحلية، مثل الاختلافات في العرض والطلب النقدي (سعر الصرف) تؤثر بشكل متزايد على أسعار المواد الغذائية في اليمن.
كما يواجه "التجار والمستوردون بالفعل تحديات خطيرة في الحصول على الدولارات الكافية، وتحويل الأموال، وإنشاء خطوط ائتمان آمنة، وانخفاض قيمة العملة إلى جانب زيادة البحرية"، وفقا لذات المصدر.
وحذر التقرير من أن يؤدي الاضطرابات في البحر الأحمر إلى "مخاطر متزايدة تشمل النقص الممتد في الدولار إلى انخفاض حجم واردات الغذاء والوقود التجارية، وربما يؤدي إلى نقص الغذاء وتفاقم الأزمة، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية"، مشيرا إلى أن الموانئ في مناطق الحكومة اليمنية هي الأكثر تأثرا بهجمات الحوثي ضد سفن الشحن.
وتأتي الأزمة الاقتصادية الأخيرة في اليمن وهجمات الحوثي بالبحر الأحمر في أعقاب تقرير حديث للبنك الدولي لتضع اليمن بين أفقر بلدان العالم، في وقت باتت غالبية الأسر تعتمد على الأسواق كمصدر رئيسي للغذاء الأساسي.