افتقار معسكر الشرعية اليمنية لمبدأ التضامن الحكومي خلال جولة مفاوضات مسقط يظهر مدى اختلاف الأطراف المنضوية ضمن ذلك المعسكر، ليس فقط بشأن تلك الجولة وطريقة إدارتها، ولكن أيضا بشأن مسار السلام مع الحوثيين الذي يبدو أنّ السعودية بصدد دفع قيادة الشرعية إلى السير فيه بأي ثمن، في ما تظهر أطراف داخل الشرعية ذاتها تخوّفات من أن يفضي إلى اتفاقات لا تراعي مصالحها.
مسقط - أخرج التراشق الحاد بين رئاسة الوفد الحكومي اليمني المفاوض في محادثات مسقط حول الأسرى وقيادة حزب التجمّع اليمني للإصلاح، الخلافات الحادّة بين الحزب الذي يمثل الذراع اليمنية لجماعة الإخوان المسلمين والشرعية التي يقودها رشاد العليمي ويمتلك الحزب نفسه تمثيلا قويا داخلها. ومثّلت طريقة إدارة مفاوضات مسقط سببا مباشرا للخلاف، لكن مصادر يمنية تحدّثت عن خلافات أعمق تطال مسار السلام الجاري العمل عليه لإيجاد حلّ سياسي للأزمة اليمنية.
وقالت المصادر إنّ لدى قيادات حزب الإصلاح مخاوف من أن تكون الشرعية، وبدفع كبير من السعودية، بصدد الإعداد لتمرير اتفاقات “تحت الطاولة مع الحوثيين” تكون على حساب حزبهم ومكاسبه الكبيرة التي حققها في مأرب والتي حوّلت المحافظة النفطية إلى ما يشبه إمارة محلية خاصّة به عوضته عن خسارته لأغلب معاقله في شمال اليمن والتي طرد منها على يد جماعة الحوثي بعد هزائمه العسكرية أمامها بدءا من سنة 2014.
وأوضحت المصادر أن حزب الإصلاح لا يعترض من حيث المبدأ على الاتفاق مع الحوثيين، وقد قطع بالفعل خطوات في إبرام اتفاقات جزئية معهم بشأن عدد من الملفات من بينها فتح الطريق بين صنعاء ومأرب، لكنّه لا يريد أن يمر أيّ اتفاق بين الحوثيين والشرعية لا يكون طرفا رئيسيا في صياغته ومطلّعا بالكامل على تفاصيله حتى لا يتمّ على حسابه. وقالت إنّ مفاوضات مسقط حول الأسرى جاءت معاكسة تماما لهذا المنظور وبدت وكأنها نموذج مصغّر عن إمكانية تهميش حزب الإصلاح الأمر الذي دفع محمّد اليدومي رئيس الهيئة العليا للحزب للتشكيك في شرعية التمثيل الحكومي في تلك المفاوضات.
وقال أحد المصادر إنّ وفد الحكومة ذهب إلى مسقط بتوجيهات سعودية واضحة لقيادة الشرعية وبناء على اتّفاق مسبق بين المملكة وسلطنة عمان بوجوب إبداء أكبر قدر ممكن من المرونة في المفاوضات وتجاوز أيّ عوائق وعراقيل يمكن أن تطرأ، وتسهيل التوصّل إلى اتّفاق ولو بالحدّ الأدنى ليكون منطلقا لوضع الأرضية الإنسانية ولاحقا الاقتصادية للانتقال إلى مرحلة مناقشة الحل السياسي الشامل للصراع اليمني.
ولم يكن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بعيدا عن هذا المزاج الميال إلى تسريع عملية السلام حين قال في أحدث تصريحات له تطرق خلالها إلى الملف اليمني إن خارطة الطريق اليمنية جاهزة، مؤكدا استعداد بلاده للعمل وفقا لها، ومشيرا إلى وجود حاجة للانتقال إلى حال أفضل في اليمن “لأن الأوضاع هناك لا تزال صعبة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي”، ومعربا عن اعتقاد الرياض بأن التوقيع على الخارطة يمكّن من المضي قدما، ومعبّرا عن أمله في أن يحدث ذلك عاجلا وليس آجلا.
وكانت الحكومة اليمنية قد بدت مرتبكة حيال الموقف من محادثات مسقط حيث أعلنت قبل أيام من انطلاقها عدم نيتها المشاركة فيها وذلك تأثّرا بالشقّ الإخواني داخلها، لكن سرعان ما تبين أنّ ذلك الموقف المتسّرع غير منسّق مع قيادة الشرعية التي يبدو أنّها تلقّت توجيهات مختلفة من الرياض، الأمر الذي دفع الوفد الحكومي إلى التدارك وإعلان سفره إلى العاصمة العمانية للمشاركة في مفاوضات الأسرى.
لكنّ حزب الإصلاح واصل شنّ حملته على جولة المفاوضات متّخذا من قضية القيادي في صفوفه محمد قحطان الأسير لدى الحوثيين منذ حوالي تسع سنوات ذريعة لتلك الحملة. وهاجم اليدومي الأداء الحكومي في مفاوضات مسقط، وقال في منشور له عبر منصّة إكس “صدر عن الأخ يحيى الشعيبي مدير مكتب رئاسة الجمهورية توجيه لفريق التفاوض حول الأسرى والمخفيين قسريا يؤكّد عليهم بعدم إبرام أيّ صفقة تبادل لا تشمل إطلاق سراح الأخ محمد قحطان، أو على أقل تقدير، الكشف عن مصيره”.
وأضاف "بعد هذا التوجيه انعقد في مسقط لقاء للميليشيا الحوثية تحدثت فيه بلغة واحدة وكنا نتمنى أن يكون للشرعية من يمثلها في هذا اللقاء". وردّ يحيى كزمان رئيس الوفد الحكومي المفاوض في ملف الأسرى على اليدومي بمنشور مضاد على ذات المنصّة قال فيه "يبدو أن اليدومي رئيس حزب الإصلاح قد خرج ليقود حملة ظالمة ضد الفريق المفاوض عن الشرعية معتبرا أن الشرعية غير موجودة لأنه يعتبرها ملكية خاصة".
وأضاف في منشوره "نحن هنا وفي كل المراحل نقوم بواجبنا كفريق وطني يمثّل اليمن ونحمل بكل أمانة قضية كل مختطف ونولي اهتماما خاصا بمحمد قحطان". وكان وكيل وزارة حقوق الإنسان وعضو الوفد الحكومي إلى مسقط ماجد فضائل قد كشف في وقت سابق عن التوصّل إلى تفاهمات مع الحوثيين حول إطلاق القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان مقابل خمسين أسيرا حوثيا. وأضاف "لم نتحقق حتى الآن مما إذا كان قحطان على قيد الحياة لكن التبادل سيتم كيفما كان إن كان حيا يأخذ الحوثيون أحياء، وإن كان جثة يأخذون جثثا".
وجاء ذلك متوافقا مع تصريحات رئيس ملف الأسرى في حكومة الحوثيين عبدالقادر المرتضى الذي قال إنّ الاتفاق بين وفد الجماعة ووفد الحكومة المعترف بها دوليا تضمن الإفراج عن قحطان "وإن كان متوفيا فيتم تسليم جثته مقابل تسليم الطرف الآخر خمسين جثة".
وعلى إثر ذلك هاجم حزب الإصلاح الخطاب الحوثي بشأن عضوه القيادي الأسير، وقال على لسان ناطقه الرسمي عدنان العديني "إن الخفة واللاّأخلاقية” التي تحدث بها الحوثيون عن ملف قحطان "لا تشيران إلى جديتهم". وأضاف أن "الانسياق وراء الاحتمالات العبثية التي تطرحها الميليشيا الحوثية يطرح أسئلة حول مسار التفاوض".
◙ موقف حزب الإصلاح لم يخل من اضطراب حيث انساق بداية نحو إدانة مقتل قحطان قبل أن يتراجع ويؤكّد أن لديه معلومات مؤكدة بأن عضو هيئته على قيد الحياة
ولم يخل موقف حزب الإصلاح نفسه من اضطراب حيث انساق بداية نحو إدانة مقتل قحطان على يد الحوثيين بناء على "معلومات" بشأن مقتله قالت وسائل إعلام تابعة للحزب إنها "موثوقة ومؤكّدة" قبل أن يتم التراجع عن ذلك من قبل العديني الذي عاد ليؤكّد أن لدى حزبه معلومات مؤكدة بأن عضو هيئته العليا الأسير لدى جماعة الحوثي على قيد الحياة.
ونظرت عدة دوائر يمنية إلى ردود حزب الإصلاح على ما رشح عن مفاوضات مسقط باعتبارها انعكاسا لموقف مسبق من الجولة التفاوضية مأتاه مخاوف قياداته من أن تتجاوزها الأحداث بأن تنجز الشرعية اتفاقات مع الحوثيين على حساب الحزب ودون أخذ مصالحه في الاعتبار. وفهم أكثر من متابع للملف أنّ مشكلة حزب الإصلاح أصبحت مع السعودية وموقفها من السلام مع الحوثيين وما يمكن أن تمارسه من ضغوط على الشرعية لفرض منظورها إلى المسألة.
وسخر الإعلامي المقرّب من الحوثيين عبدالله الوزير من حزب الإصلاح وكتب عبر منصة إكس متوجها بالخطاب إلى اليدومي “طبيعي أن يتم تجاهلكم، ومثلما تخليتم عن بقية الأسرى واعتبرتموهم مرتزقة وركزتم فقط على القنديل محمد قحطان أما البقية فلا قيمة لهم عندكم فهم مجرد أرقام، فالسعودي كذلك يتعامل معكم كأرقام فقط".
وكتب الناشط الحقوقي اليمني رشيد الفقيه من جهته على منصة إكس إنّ "الموقف الرسمي للإصلاح من مشاورات مسقط غير مفهوم، والأغرب أن يلجأ الحزب إلى شبكات التواصل ووسائل الإعلام للتعبير عن سخطه من أداء فريق التفاوض الممثل للتحالف الذي يعتبر الإصلاح أحد مكوناته الرئيسية، عوضا عن حل أيّ إشكالات متعلقة بتشكيل الفريق ومدى استيعابه لممثلين عن الحزب ولوجهات نظره ومطالبه واعتراضاته في إطار الآليات الداخلية للتحالف المنضوي في إطار مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا"