مجددًا، تباعدت طرق اليمن والسلام، وباتت إجراءات بناء الثقة محطة لتوسيع فجوة الخلاف بدلا من ردمها، في نتيجة أحبطت أي تقدم بملف الأسرى والمختطفين بين الأطراف.
فبعد 7 أيام من النقاشات، وصلت الجولة التاسعة من محادثات ملف الأسرى والمعتقلين، أمس السبت، إلى طريق مسدود، بسبب «عراقيل» و«مراوغات» مليشيات الحوثي، وانسياق الإخوان إلى صدامات إعلامية ضد وفد الحكومة اليمنية.
ومنذ بدء نقاشات الأسرى والمختطفين بموجب اتفاق ستكهولم الموقع أواخر 2018، لايزال هذا الملف الإنساني عالقًا دون أي اختراق؛ نظراً لاستخدامه من قبل المليشيات الحوثية كورقة سياسية لتغذية الخلافات والصراعات بين قوى الحكومة اليمنية.
ويؤكد مراقبون أن الانفراجات الجانبية التي حدثت خلال الأعوام السابقة في هذا الملف، والتي آخرها صفقة تبادل وقعت العام الماضي برعاية أممية، كانت فقط لـ«امتصاص أي ضغوط دولية واستخدام ملف الأسرى والمختطفين لكبح استحقاقات السلام».
بينما كانت جولة مسقط بمثابة «محطة مهمة» على طريق إنهاء مراوغات مليشيات الحوثي في هذا الملف الإنساني وتقييم أداء الإخوان داخل منظومة الشرعية، إلا أن تلك العناصر سرعان ما استجابت لاستفزازات الحوثي، وهاجمت «وفد الشرعية، غير معترفة به»، مما ضرب رصيده التفاوضي، ومكانته كممثل شرعي لكل الأطراف المنضوية في الحكومة المعترف بها، وهز الصورة المرسومة للوفد لإنجاز هذا الملف الإنساني.
وكان زعيم الإخوان في اليمن، رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي هاجم «أعضاء وفد الحكومة اليمنية في مسقط، معتبرًا أنهم لا يمثلون إلا الحوثيين»، مشيرًا إلى أنه «كان يتمنى أن يكون للشرعية من يمثلها في هذا اللقاء من الجولة التاسعة».
جاء هجوم اليدومي على الوفد الحكومي بعد الإعلان عن توصل وفدي الشرعية والحوثي لتفاهمات صفقة جديدة تشمل إطلاق السياسي محمد قحطان المشمول بقرار مجلس الأمن، وهو أحد قادة حزب الإصلاح المختطفين لدى الحوثي مقابل 50 أسيرا إذ كان حيا أو 50 جثة إذا كان ميتا، وهو فخ وضع لجر أطراف الشرعية لصدامات إعلامية بينية.
ورغم أن الاتفاق المبدئي كان إدانة للحوثيين باعتبار أن كل من يتم اختطافهم في معتقلاتهم هم مدنيون، إلا أن الإخوان اعتبروا «مقايضة قحطان»، إهانة، فبدلا من الهجوم على المليشيات سددوا سهامهم على وفد الشرعية المفاوض.
هذا الهجوم دفع رئيس الوفد الحكومي المفاوض في ملف الأسرى والمختطفين العميد الركن يحيى كزمان، للرد على زعيم الإخوان ورئيس حزب الإصلاح ودحض الهجوم غير المبرر على فريق الشرعية، واصفا الحملة بـ«الظالمة».
وكانت مصادر خاصة قالت لـ«العين الإخبارية»، إن إخوان اليمن كانوا رافضين إجراء أي مفاوضات في ملف الأسرى والمختطفين، قبل أن توجه الرئاسة اليمنية والتحالف بالمشاركة في الجولة على أساس مبدأ «الكل مقابل الكل».
ووفقا للمصادر، فإن مندوب القوات العسكرية في مأرب المقرب من حزب الإصلاح حسن القبيسي، رفض المشاركة في مفاوضات مسقط، مما جعل الإخوان لاحقا لاتخاذ ذلك فرصة للهجوم على وفد الحكومة، واعتباره أنه «غير ممثل للشرعية».
عراقيل حوثية
في هذا السياق، قال مدير مكتب «مركز سوث24» للأخبار والدراسات في جنوب اليمن، يعقوب السفياني، إن «انتهاء مفاوضات مسقط دون تحقيق تقدم في ملف الأسرى والمعتقلين، أمر مخيب للآمال في هذا الملف الإنساني».
وأعرب السفياني في تصريحات لـ«العين الإخبارية»، عن أسفه لوضع الحوثيين «الكثير من العراقيل والاشتراطات التي رحّلت الملف إلى ما بعد شهرين، حيث كان من المفترض أن تتم العملية الثانية فور انتهاء المشاورات».
وأشار إلى أنه «كانت هناك مؤشرات على أن عملية مشاورات مسقط لا تجري بالشكل المطلوب، بداية من تصريحات الحوثيين إلى تصريح رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي».
وأكد السفياني أن «وفد الحكومة اليمنية المفاوض واجه ضغوطا كبيرة من قبل حزب الإصلاح، لأن محمد قحطان هو محور النقاش في هذا الملف بالنسبة للحزب، وعلى الرغم من توجيهات الرئاسة نفسها بأهمية المشاركة بهذه المفاوضات والتركيز على قحطان».
وبحسب المحلل السياسي فإن «مليشيات الحوثي لم تكن جادة في المفاوضات بشأن الأسرى والمعتقلين؛ إذ كان لديها أهداف أخرى من هذه المفاوضات تتعلق بالدفع نحو مناقشات ملفات الإجراءات الاقتصادية الأخيرة للحكومة؛ لدفعها للتراجع عن هذه الإجراءات، وحاولت المليشيات ربط ملف الأسرى بملفات أخرى لا علاقة لها بهذا الملف الإنساني، لذا لجأت لعرقلة المفاوضات».
تشويش على الموقف
بدوره، كشف السياسي اليمني نبيل الصوفي أن مفاوضات مسقط لم تناقش «سوى موضوع الأسرى، إلا أنها وصلت لطريق مسدود بسبب رفض مليشيات الحوثي الافصاح عن مصير المعتقلين لديه، وما إذا كانوا أحياء أم لا».
وقال إن حزب الإصلاح، الذراع السياسية لإخوان اليمن، رفض «مبادلة أي قوائم قبل أن يحدد الحوثي هل نتفاوض على تبادل جثث أم نتفاوض على تبادل أحياء».
وبحسب السياسي اليمني، فإن «ما حدث هو أن الفريق الحكومي التزم بنتيجة ضرورة كف الحوثي عن التلاعب، وتحديد هل التفاوض على جثث أم على أحياء، وأعطى مليشيات الحوثي مهلة شهرين ليحدد ما لديه حتى يتم مبادلة القوائم».
وأعرب السياسي اليمني عن أسفه من تمكن مليشيات الحوثي «من نشر أخبار وأكاذيب مقابل صمت وارتباك وعدم تواصل أدى إلى صدامات إعلامية بين أطراف الشرعية، وشوش على الموقف».
تأكيد أممي
ورغم تعثر المحادثات، أكدت الأمم المتحدة، الأحد، أن مفاوضات مسقط التي اختتمت يوم السبت، 6 يوليو أسفرت عن «انفراجة مهمة» بخصوص قحطان الذي كان مثار خلاف لسنوات بين الأطراف.
وفي بيان لمكتب المبعوث الأممي في اليمن، قال إن اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق المحتجزين اختتمت أعمالها، بالاتفاق على عقد اجتماع لاحق لاستكمال الاتفاق حول أسماء المحتجزين الذين سيتم إطلاق سراحهم وترتيبات إطلاق سراح قحطان.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ إن «آلاف اليمنيين ينتظرون لم شملهم مع أحبائهم، فعلى الرغم من التقدم الإيجابي، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وبوتيرة أسرع، للتخفيف من معاناة هذه الأسر».
ودعا غروندبرغ «الأطراف إلى مواصلة العمل مع مكتبه لاستكمال خطة تنفيذ التفاهم الذي توصلوا إليه، بما في ذلك أسماء المحتجزين الذين سيتم الإفراج عنهم، والاتفاق على مزيد من عمليات الإفراج».
وجدد دعوات الأمم المتحدة لمليشيات الحوثي بالامتناع عن الاحتجاز التعسفي للمدنيين واحترام حقوق اليمنيين بموجب القانون الدولي، وكرر مطالبته بالإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي الأمم المتحدة والعاملين في مجال الإغاثة والمجتمع المدني الذين تم اعتقالهم تعسفيًا في صنعاء وما زالوا محتجزين دون القدرة على التواصل مع العالم الخارجي.