الموقف الإخواني الملتبس من جهود السلام في اليمن بدأ يتّضح من خلال مبادرة إخوانية – حوثية هادفة لجعل حزب التجمّع اليمني للإصلاح في قلب عملية سلام يُعتمد فيها على كاريزما وخبرات السياسي المخضرم علي ناصر محمّد ويتم من خلالها ضمان مصالح جماعة الإخوان وداعميها الإقليميين.
عدن - عاد اسم السياسي اليمني المخضرم علي ناصر محمّد للبروز كجزء من صفقة سلام إخوانية – حوثية ظهرت أولى ملامحها في اجتماع احتضنته مؤخرا مدينة إسطنبول وضم ممثلين عن جماعتي الإخوان والحوثيين وجرى بحضور سفيري اليمن لدى كلّ من تركيا وقطر.
وتقوم “الطبخة” السلمية الجديدة بحسب صحافي، حضر اجتماع إسطنبول، على ضمّ الحوثيين إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده حاليا رشاد العليمي وتعيين ناصر محمد رئيسا للمجلس.
وقال الصحافي عبدالله دوبله المقرّب من حزب التجمّع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، عبر حسابه في منصّة إكس “ما فهمته من لقائنا مع الرئيس علي ناصر في إسطنبول أنّه يمكن توسيع مجلس القيادة الرئاسي ليشمل الحوثي واختيار علي ناصر رئيسا للمجلس بدلا من العليمي والعودة إلى إدارة مرحلة انتقالية من صنعاء”.
وعلّق دوبله على هذا السيناريو بالقول “عن نفسي أجدها فكرة منطقية ويمكن دعمها”.
وبرز السيناريو الجديد في خضمّ عملية البحث عن مدخل إلى مسار سلام ينهي الصراع الدائر في اليمن منذ قرابة العشرية من الزمن، وهي عملية تنخرط فيها بقوّة المملكة العربية السعودية المدعومة في جهودها بسلطنة عمان والأمم المتحدة، وذلك رغبة في التخلّص من عبء الملف اليمني الشائك وبحثا عن حالة الاستقرار الفريد في المنطقة والمناسب لإنجاز المشاريع الضخمة ضمن خطة التطوير الشامل التي تعمل المملكة على استكمالها في أفق أقل من عشرية من الزمن.
عبدالله دوبله: ما طرح في اجتماع إسطنبول فكرة منطقية يمكن دعمها
وكان لافتا انخراط حزب الإصلاح في عملية تشويش سياسي وإعلامي كثيف على جهود السلام وخطوات التهدئة مع الحوثيين التي تقودها السعودية.
وبدا ذلك واضحا من خلال اعتراضات قيادات الحزب وإعلامه على جولة المحادثات التي انعقدت مؤخّرا في العاصمة العمانية حول الأسرى والتي تعاونت الرياض ومسقط مع الأمم المتحدة لعقدها كجزء من الخطوات الإنسانية الممهدة لإطلاق مفاوضات سلام أشمل بين أطراف الصراع اليمني.
كما بدا أيضا من خلال الحماس الإخواني لتصعيد الحرب المالية والاقتصادية من قبل الشرعية اليمنية على الحوثيين.
وفهم المتابعون للشأن اليمني أن تشويش الإخوان على جهود التهدئة ليس نابعا من رفضهم المبدئي لإبرام سلام مع الحوثيين، ولكن من حرصهم على فرض سلام يشاركون هم في صنعه ويضمن مصالحهم ومصالح داعميهم الإقليميين.
وجاء اجتماع إسطنبول ليدعم هذا الطرح وليمثل امتدادا لعملية التواصل التي لم تنقطع بين حزب الإصلاح وجماعة الحوثي.
وجاء الاختيار على شخص علي ناصر محمّد الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) ليكون مدار سيناريو السلام الإخواني – الحوثي الجديد، بناء على ما يمتلكه الرجل من كاريزما وخبرات سياسية متراكمة ومن شبكة علاقات واسعة ومن براغماتية وقدرة على تغيير الاصطفاف والمرور من معسكر إلى آخر.
وتتطابق فكرة الرئيس التوافقي مع محتوى مبادرة كان تقدّم بها ناصر محمد نفسه قبل نحو سنتين وضمّنها رسالة كان وجهها إلى الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.
وما ورد ضمن بنود المبادرة “الدعوة إلى حوار وطني أوسع لا يستثني أحدا برعاية مجلس التعاون الخليجي، والأمم المتحدة والجامعة العربية”.
الرئيس الجنوبي الأسبق شرع في استمالة إيران بالثناء على دور إيجابي سابق لها في عدن والتأكيد على قدم علاقته بها
كما نص أحد بنودها على “استعادة الدولة ومؤسساتها والاتفاق على رئيس توافقي وحكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية معقولة زمنيا وغير قابلة للتمديد، يجري الاتفاق عليهما وعلى شكل الدولة الاتحادية”.
وجاء في بند آخر مقترح بأن “تعمل مؤسسات المرحلة الانتقالية على سحب الأسلحة من كافة الجماعات المسلحة ومركزتها بيد وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية”.
كما نصت المبادرة على وضع “أسس واضحة لحاضر ومستقبل العلاقات بين اليمن وجيرانه تقوم على احترام متبادل وصارم للسيادة الوطنية وحرص على عدم المس بالمصالح المشتركة واحترام حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بما يحقق استقرارا دائما لليمن والمنطقة”.
وتتيح فكرة السلام التي طرحت في اجتماع إسطنبول لعلي ناصر فرصة نادرة وغير قابلة للتكرار للوصول إلى رأس هرم السلطة في اليمن.
وما يجعل من الفرصة جدية هو الدعم الإقليمي الذي قد تحظى به الطبخة الإخوانية – الحوثية وتحديدا من قبل تركيا التي احتضنت الاجتماع وقطر الحاضرة فيه بشكل غير مباشر عن طريق السفير الإخواني اليمني راجح بادي.
لكن ناصر محمّد يدرك أن تنفيذ أيّ فكرة من قبيل تلك التي طرحت في اجتماع إسطنبول تمرّ حتما عبر إيران ذات التأثير الكبير على خيارات الحوثيين وقرارهم.
ولهذا السبب بادر الرجل إلى استمالة إيران، حيث ظهر في لقاء تلفزيوني بثّ مؤخّرا على إحدى الفضائيات اليمنية معلنا عن قِدم علاقته بطهران ومثنيا على مواقف سابقة لها تجاه اليمن.
وقال علي ناصر محمّد خلال اللقاء التلفزيوني إنّ علاقته مع إيران تعود إلى بداية عقد الثمانينات عندما قام الإيرانيون بتشغيل مصفاة عدن لتكرير النفط بعد أن تم ضرب مصافيهم في عبدان وخرمشهر خلال الحرب التي كانت بلادهم تخوضها ضدّ العراق.
وذكر بأنّ إيران تطوعت بتشغيل المصفاة عندما رفضت بلدان إقليمية والاتّحاد السوفييتي طلبا قدّمه لها. وقال إنّ طهران ساهمت بذلك في توفير الطاقة لعدن وتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية فيها.
وإجابة عن سؤال مباشر من الصحافي الذي أجرى اللقاء عما إذا كان علي ناصر محمّد يعترف بالجميل لإيران أجاب الرجل بوضوح “طبعا”، مضيفا أنّه لا يخجل من ذلك.