يضع الاضطراب في صرف الرواتب، كوادر العملية التعليمية في مناطق الشرعية اليمنية في أوضاع صعبة لا يحتملها دورهم الحيوي في المجتمع ولا تتناسب ومهمتهم الدقيقة في تنشئة الأجيال وصياغة مستقبل البلاد.
وما يزال المعلّمون في عدن ينتظرون حلّ ضائقتهم المالية المتواصلة بسبب عدم تقاضيهم لراتب شهر يونيو رغم انقضاء ثلثي شهر يوليو.
ويقول مدرسون وموظّفون في مناطق الشرعية اليمنية إن الاضطراب في دفع الرواتب وعدم انتظام مواعيدها يوقعهم في مشاكل مالية كبيرة ويخل بتوازنهم المالي ويجعلهم عاجزين عن تلبية الحاجيات الأساسية لهم ولأسرهم في ظل موجة الغلاء الناتجة عن ارتفاع التضخم الذي تسبب به الانهيار الثابت والمتواصل لقيمة العملة المحلية.
وخلال الفترة الماضية هوت قيمة الريال اليمني في المحافظات الواقعة تحت سلطة مجلس القيادة الرئاسي المعترف به دوليا إلى مستوى غير مسبوق متجاوزا سقف الـ1880 ريالا للدولار الأميركي الواحد.
وأدى تراجع قيمة العملة في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية إلى ارتفاع كبير في أسعار مختلف السلع، ما خلّف تأثيرات معيشية سلبية على الملايين من السكان.
وتمس موجة الغلاء الموظفين الحكوميين بشكل استثنائي كون رواتبهم تمثّل في معظم الأحيان مورد رزقهم الوحيد.
الاضطراب في صرف رواتب المعلمين لا يعود فط إلى الأزمة المالية ولكن أيضا إلى بطء الإدارة وعدم كفاءتها وفساد بعض كوادرها
ويقول أحد مدرّسي القطاع العام في عدن إنّه وزملاءه كانوا من قبل يعانون أصلا ضعف الراتب وعدم كفايته لتلبية جميع الحاجيات، لكنّهم باتوا اليوم يواجهون غيابه وتأخره لفترات طويلة بحيث أصبح من الصعب أن يعرفوا موعد وصول الراتب حتّى يضبطوا أمورهم وفقا لذلك الموعد.
ويقول الكثيرون من المدرسين وموظفي قطاع التعليم إنّهم غارقون بشكل مستمر في الديون، وإنّ عجزهم عن الإيفاء بالتزاماتهم تجاه مقرضيهم أصبح يضيّق عليهم سبل فك أزماتهم بإيجاد المزيد من المقرضين.
ويلفت أحد معلمي المرحلة الابتدائية في عدن إلى إشكالية ذات طابع خصوصي ولها ارتباط بالوضع المادي للمعلمين. ويقول إنّ الفاقة التي يعيشها المعلمون تؤثّر على إمكانية ممارستهم لدورهم التربوي وإحداث التأثير الاجتماعي المرجوّ منه.
يذكر أنّ نظرة الاحترام التي تنظر بها المجتمعات إلى رجال التعليم، وتصل أحيانا حدّ إضفاء هالة من “القدسية” على المعلّم تتضاءل آليا إذا كان المعلمون في حالة من الخصاصة تجعلهم في حاجة دائمة لفئات اجتماعية أخرى لطلب مساعدات وقروض قد يعجزون عن سدادها بما يؤثر على سمعتهم لدى أفراد المجموعة البشرية التي يعيشون ضمنها ويعملون على نشر العلم وترسيخ القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة لأبنائها.
المعلمون والنقابات المهنية التي تتبنى الدفاع عن حقوقهم لا يعفون الحكومة الشرعية اليمنية من المسؤولية عن الوضع المادي لموظفي قطاع التعليم
وتدفع الظروف المادية الصعبة العديد من المشتغلين في قطاع التعليم في اليمن إلى البحث عن موارد رزق مكملّة عبر ممارسة بعض المهن غير ذات الصلة باختصاصهم الأصلي وبعض الحرف اليدوية.
ويضطر البعض إلى التدريس في مؤسسات خاصة ليكونوا في أغلب الأحيان عرضة للاستغلال بفعل ضآلة الأجور التي تعرضها تلك المؤسسات ذات الأهداف الربحية في المقام الأول.
وسبق لمنظمة اليونيسيف أن أشارت في تقرير سابق لها إلى تحوّل ظاهرة عدم حصول المدرسين على مستحقاتهم المالية بشكل منتظم إلى ظاهرة شائعة في اليمن تطال عشرات الآلاف منهم.
وقالت المنظمة في تقريرها إنّ عدم حصول المعلمين على مرتّباتهم بالإضافة إلى تعرّضهم إلى مصاعب كبيرة في ممارسة مهنتهم جراء ضعف الوسائل المادية الموضوعة على ذمّتهم وتهالك البنى التحتية من مدارس وغيرها أجبر العديد من المعلمين على مغادرة المهنة والبحث عن مصادر بديلة للرزق تمكنهم من إعالة أسرهم وتوفير حاجياتها.
ولا يعفي المعلمون والنقابات المهنية التي تتبنى الدفاع عن حقوقهم، الحكومة الشرعية اليمنية من المسؤولية عن الوضع المادي لموظفي قطاع التعليم.
ويقول هؤلاء إن الاضطراب في توزيع الرواتب لا يعود فقط إلى الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة لأسباب موضوعية، لكنه يرجع في بعض الأحيان إلى مشاكل تنظيمية وعوائق إجرائية تتسبب بها الإدارة جرّاء بطئها وعدم كفاءتها وحتى فساد بعض كوادرها.
ومما يضاعف غضب المعلمين في عدن هذه الأيام الأنباء الرائجة بشأن إرسال وزارة المالية المبالغ المخصصة لدفع الرواتب.
ويستدل معلمون ونقابيون على صحة تلك الأنباء بأنّه تمّ بالفعل صرف رواتب معلمي محافظة تعز المجاورة لشهر يونيو الماضي، في ما يزال معلمو عدن ينتظرون.