جاء نفي جماعة الحوثي لوجود أي اتّفاق بشأن السماح للسلطة الشرعية باستئناف تصدير النفط، ليكرّس الغموض حول المكسب الذي يفترض أن تحصل عليه الشرعية لقاء تراجعها عن الإجراءات المالية التي سبق لها أن اتّخذتها ضد الجماعة وأعلنت عن إلغائها في نطاق التهدئة الاقتصادية التي أعلنت الأمم المتحدة عن التوصّل إليها بين السلطة المعترف بها دوليا والحوثيين.
وكان كف أيدي الحوثيين عن استهداف منافذ تصدير الخام التابعة للشرعية والسماح للأخيرة بالاستفادة من عوائد التصدير وتعويض الخسائر الكبيرة التي لحقت بها وأوقعتها في ضائقة مالية حادّة، مقابلا منطقيا ومحتملا لوقف الإجراءات التي كانت ستؤثّر بشدة على الوضع الاقتصادي والمالي لسلطة الأمر الواقع التي يديرها الحوثيون في مناطق سيطرتهم.
وباستثناء استئناف تصدير النفط كدافع للتهدئة يغدو التدخّل السعودي القوي أقوى عامل وراء التوصّل إليها. ولم تستخدم المملكة فقط ثقلها السياسي وتأثيرها القوي على قرارات الشرعية اليمنية ومواقفها، بل يبدو أنّها نزلت أيضا بثقلها المالي الكبير لإقرار التهدئة بين فرقاء الصراع في اليمن تمهيدا لجلبهم إلى طاولة الحوار بشأن حل سلمي أشمل للصراع.
الحوثيون حصلوا على تعهّد سعودي بدفع مرتبات الموظفين التابعين لسلطتهم ريثما يتم الاتفاق على استئناف تصدير النفط وتقاسم عوائده مع السلطة الشرعية
ولخّص مصدر سياسي يمني التكتيك الذي اعتمدته الرياض للحدّ من التوتّر الناتج عن تصاعد الصراع الاقتصادي والمالي بين الشرعية والحوثيين بأنّه عبارة عن طلب صريح من الطرفين بالموافقة على التهدئة والتعهّد بإنجاحها واستدامتها وترك العبء المالي المترتّب عنها على عاتق المملكة.
وبفعل هذه الوصفة السعودية ستتمكّن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من مواصلة الحصول على الدعم المالي السعودي لها في شكل هبات ومساعدات مباشرة وودائع للبنك المركزي في عدن.
أما الحوثيون فتقول المصادر إنّهم حصلوا على تعهّد سعودي بدفع مرتبات الموظفين التابعين لسلطتهم ريثما يتم الاتفاق على استئناف تصدير النفط وتقاسم عوائده مع السلطة الشرعية.
وأعاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إثارة موضوع الخسائر التي تكبدتها الشرعية جراء الهجمات التي شنّها الحوثيون على المنشآت النفطية في حضرموت وشبوة، قائلا إنّ تلك الهجمات تسببت في فقدان نحو سبعين في المئة من الموارد العامة للسلطة الشرعية.
ونفت جماعة الحوثي أنباء تحدثت عن اتفاق مع الجانب الحكومي لاستئناف تصدير النفط مؤكدة بأن الملف مرهون بتسليم رواتب الموظفين. وجاء ذلك وفق تصريح مصدر مسؤول في اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للجماعة، نشرته وكالة الأنباء سبأ بنسختها الحوثية. ونفى المصدر “ما يروج عن وجود اتفاق يسمح لهم (للشرعية) بمعاودة تصدير النفط”، مشددا على أن ذلك “لا أساس له من الصحة”.
وأضاف أن “قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة مهدي المشاط، بخصوص منع نهب الثروة النفطية الوطنية، كان وما يزال ساريا”. وتابع “مسألة عودة تصدير النفط مرتبطة بشكل قاطع بصرف مرتبات موظفي الدولة، ومعاشات المتقاعدين، وفقا لقرار منع نهب الثروة الوطنية”.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد أعلن الأسبوع الماضي عن اتفاق الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية، شملت تراجع الجانبين عن إجراءات اقتصادية ومصرفية متبادلة.
منذ أكثر من عامين يشهد اليمن تهدئة للحرب بين الحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية من جهة، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران من جهة أخرى
وحذّر المصدر “الشركات المحلية والأجنبية من أي تواطؤ مع الطرف الحكومي، في انتهاك قرار منع نهب الثروة الوطنية”، مؤكدا أن ذلك “سيواجه برد فوري من القوات المسلحة اليمنية (الحوثية)، وعلى تلك الشركات تحمّل مسؤولية تداعيات ذلك”.
وخلال الأيام الماضية تداولت وسائل إعلام محلية أنباء تحدثت عن اتفاق بين الحكومة وجماعة الحوثي، لاستئناف تصدير النفط، ضمن مسار خفض التصعيد الاقتصادي. وتوقف تصدير الخام في أكتوبر 2022 جرّاء هجمات شنها الحوثيون على موانئ نفطية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
ويتمسك الحوثيون برفض السماح باستئناف التصدير ويشترطون الاتفاق على آلية يتم فيها دفع رواتب كافة الموظفين في مناطق سيطرتهم وفي عموم مناطق اليمن من عائدات النفط.
ويعاني اليمن أزمة مالية كبيرة زاد من تأثيرها توقف تصدير النفط منذ عام ونصف العام نتيجة تداعيات الصراع بين الحكومة والحوثيين، والذي بدأ عقب سيطرة الأخيرة على العاصمة صنعاء وعدة محافظات قبل نحو عشر سنوات.
ومنذ أكثر من عامين يشهد اليمن تهدئة للحرب بين الحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية من جهة، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران من جهة أخرى.
وغيّرت السعودية موقفها من الملف اليمني بشكل جذري، وباتت تبحث عن مخرج سلمي للصراع في اليمن مبدية استعدادها لتقديم تنازلات سياسية وبذل محفّزات مالية واقتصادية للفرقاء اليمنيين لدفعهم إلى ترك القتال وتجنب التصعيد والجلوس إلى طاولة الحوار.