بينما يتواصل الصراع العسكري والاقتصادي والسياسي بين فرقاء اليمن يداهم المزيد من المخاطر البلد، ويهدّد بيئته وإنسانه ويعصف بالوضع الصحّي والأمن الغذائي لسكّانه.
وتُبرز تلك المخاطر لاسيما ما يتجاوز منها مسؤولية الأطراف المتصارعة ويتصّل بالتغيرات البيئية والكوارث الطبيعية، بشكل متزايد الطبيعة العبثية للصراع الذي تُهدر فيه موارد بشرية ومقدّرات مادية هامّة، وقد لا ينتهي إلاّ وقد تحوّل البلد إلى أطلال وإلى دولة فاشلة على غرار ما آلت إليه في سنوات سابقة أوضاع الصومال الواقع على الضفة الأخرى من خليج عدن.
وشهد اليمن خلال الأيام الأخيرة تقلبات حادة في أحوال الطقس تسببت في فيضانات عارمة أوقعت خسائر بشرية كبيرة وألحقت أضرارا بالبنى التحتية الضعيفة والمتهالكة وضربت على نحو أشد مناطق زراعية تعتبر سلّة غذاء البلاد التي تعاني أصلا حالة متزايدة من انعدام الأمن الغذائي لسكانها.
وعاد بالتوازي مع ذلك وباء الكوليرا ليهدّد سكان مناطق يمنية في ظل عجز متزايد عن النهوض بأعباء القطاع الصحي مع تناقص المساعدات الدولية المخصصة لذلك.
عودة وباء الكوليرا بالتوازي مع فيضانات عارمة أوقعت خسائر بشرية وأضرت بالبنى التحتية ونثرت حقول الألغام
وأعلن مسؤول صحي يمني، الأحد، وفاة أربعة وثلاثين شخصا وإصابة نحو أربعة آلاف آخرين بالكوليرا في محافظة تعز جنوب غربي البلاد منذ مطلع العام الجاري.
وقال تيسير السامعي مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة بمحافظة تعز في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية إنّ عدد الإصابات بالكوليرا في المحافظة خلال الفترة ذاتها ارتفع إلى ثلاثة آلاف و950 حالة منها 679 حالة مؤكدة مخبريا.
وحذّر من استمرار انتشار المرض في المحافظة الأكثر سكانا في اليمن جراء موسم الأمطار الذي يساعد على تفشي الأمراض والأوبئة، لافتا إلى أن استمرار تفشي الكوليرا يأتي مع تراجع حاد في تمويل القطاع الصحي في اليمن ما يهدد بإغلاق العديد من المرافق الطبية.
وناشد المنظمات الدولية والمانحين مساعدة اليمن بشكل عام ومحافظة تعز بشكل خاص في مواجهة التحديات الكبيرة التي يعاني منها القطاع الصحي جراء نقص الدعم والتمويل.
وحذّر وزير الصحة اليمني قاسم بحيبح قبل أيام من أنّ انخفاض التمويلات للقطاع الصحي سيؤدي إلى إغلاق أكثر من ألف مرفق صحي ويعرض 500 ألف امرأة لمخاطر الوفاة ويحرم 600 ألف طفل من خدمات التعليم.
وفي يوليو الماضي أعلنت الحكومة اليمنية انخفاض التمويلات الدولية للقطاع الصحي بنحو 70 في المئة. ودعت آنذاك المنظمات الإقليمية والدولية إلى “تقديم دعم مستدام للقطاع الصحي لضمان استمرار تقديم الرعاية الصحية الأساسية وتجاوز هذه الفترة العصيبة”.
ويؤثّر تناقص التمويل الدولي على قطاعي الصحة والغذاء شديدي الحيوية للسكان الذين يعانون توسّع دائرة الفقر في صفوفهم وندرة موارد الرزق تأثرا بالأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، فضلا عن كون أعداد كبيرة منهم باتت مقيمة بعيدا عن مناطقها الأصلية التي اضطرت للنزوح عنها فرارا من الحرب.
وتعمّقت مؤخّرا معاناة سكان عدد من مناطق اليمن لاسيما النازحين فرارا من الحرب في مناطقهم الأصلية، بسبب موجة عنيفة من الفيضانات.
وطالت تلك الموجة خلال الساعات الماضية محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء، وهي وجهة رئيسية للآلاف من النازحين.
وزير الصحة اليمني قاسم بحيبح حذّر قبل أيام من أنّ انخفاض التمويلات للقطاع الصحي سيؤدي إلى إغلاق أكثر من ألف مرفق صحي
ولقي شخص على الأقل مصرعه وأصيب ثلاثة آخرون، الأحد، إثر عاصفة مصحوبة بأمطار غزيرة ضربت مركز المحافظة.
وذكر مستشفى مأرب العام في بيان أن قسم الطوارئ في المستشفى استقبل حالة وفاة وثلاثة مصابين جراء العواصف الشديدة التي ضربت المدينة. وقال سكان محليون إنّ العاصفة تسببت بأضرار في شبكة الكهرباء وخيام النازحين.
وخلال الأيام الماضية ضربت السيول الناتجة عن هطول كميات من الأمطار تجاوزت المعدّلات العادية، عدة محافظات خصوصا الحديدة وتعز وحجة غربي البلاد ما أدى إلى وفاة خمسة وأربعين شخصا وفقدان آخرين، فضلا عن نزوح الآلاف وتضرر أكثر من ثلاثة وتسعين ألفا بحسب إحصائية أصدرتها أواخر الأسبوع الماضي جمعية الهلال الأحمر اليمني.
ووجهت الحكومة المعترف بها دوليا نداء استغاثة عاجلا إلى المانحين الدوليين لمساعدتها في التصدي لأضرار السيول.
وما ضاعف من خطورة الفيضانات أنها طالت منطقة تهامة الزراعية الخصبة التي تنتج الكم الأكبر من المنتجات الفلاحية التي أتلفت السيول الكثير منها.
كما جرفت السيول الآلاف من الألغام المزروعة في عدد من مناطق غرب اليمن ووزعتها في مناطق أبعد وطمرت الكثير منها وجعلت من الخرائط المتوفّرة لدى الأطراف التي قامت بزرعها عديمة الجدوى، الأمر الذي سيحوّل تلك الألغام إلى خطر محدق بعدد كبير من السكان وعلى مدى أجيال قادمة.