جاء الإعلان عن تأسيس مؤتمر مأرب الجامع بمثابة إضافة جديدة إلى المشهد اليمني المزدحم بالكيانات المناطقية التي يجري منذ سنوات تسابق على تأسيسها في المناطق التابعة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا، كمظهر على وجود فراغ في تلك المناطق تحاول قوى محلية اجتماعية وقبلية وسياسية في بعض الأحيان أن تملأه وتستفيد من ذلك في تكريس سلطتها الموازية.
ويحاكي الهيكل الجديد في تسميته وتركيبته هياكل سابقة له في مناطق يمنية أخرى من بينها مؤتمر حضرموت الجامع، ومجلس حضرموت الوطني وحلف قبائل حضرموت، ومجلس شبوة الوطني. وقالت مصادر محلية إنّ تأسيس المؤتمر في منطقة نفوذ كبيرة لحزب الإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن يشي بخلفيته السياسية ويكشف جانبا من أهداف إنشائه.
وذكر أحد المصادر أن مؤتمر مأرب الجامع تأسس ليسند سلطات الحزب المذكور الذي ما كان ليفتح منطقة نفوذه الرئيسية في اليمن لتأسيس هيكل لا يحقّق مصالحه وقد يشكل منافسا له في سلطاته ونفوذه بالمحافظة. وأكّد أن السلطة المحلية التي يقودها المحافظ الإصلاحي سلطان العرّادة رعت تأسيس المؤتمر وفتحت قنوات إعلام الحزب لإشهاره والتعريف به.
وجرى الثلاثاء إشهار مؤتمر مأرب الجامع تحت شعار تنمية الأرض والإنسان بحضور قيادات أحزاب سياسية وشيوخ قبائل. وتمّ خلال تظاهرة إشهار المؤتمر رفع شعار الدفاع عن مأرب ضدّ التهميش والإقصاء، وهو شعار مستهلك في مثل تك المناسبات.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن عبدالكريم بن حيدر رئيس “لجنة التيسير” قوله في كلمته بالتظاهرة إنّ “فكرة المؤتمر الجامع جاءت لنقل معاناة المواطنين في مأرب وما تعرضوا له من عدوان بربري حيث دفعوا أكثر من خمسة وثلاثين ألف شهيد وجريح، وتم تهجير قرابة ستين في المئة من سكان المحافظة”.
◙ بنود حالمة على لائحة أهداف مؤتمر مأرب الجامع يستحيل تحقيقها في ظل الواقع المضطرب لليمن والوضع المعقد لسكانه
وأضاف قوله “تأتي فكرة المؤتمر الجامع بناء على التوافق بين كل القوى والأطياف بعد عمل دام ثمانية أشهر وزيارة أكثر من خمسين شخصية مهمة من المشايخ والأعيان، وتوج هذا اليوم بالتفاف شعبي واسع”. وقال مهدي بلغيث الذي حضر احتفالية إشهار مجلس مأرب الوطني ممثلا لمنظمات المجتمع المدني وفق تعبيره إنّ “اجتماع الإشهار حدث تاريخي ومنصة للحفاظ على معقل النهضة لأن مأرب تستحق أن تكون مركز صناعة القرار”.
وأضاف “مأرب جزء من النسيج الوطني الكبير لتحقيق السلام في ربوع اليمن وتعزيز الوحدة الوطنية. وهذه رسالة إلى العالم أن مأرب مع السلام الذي يهدف إلى الاستقرار والسلم المحلي والعالمي والانطلاق نحو المستقبل بالسلام والأمل”. ويتكون مؤتمر مأرب الجامع بحسب مؤسسيه من مجموعة أعضاء يتراوح عددهم بين ألف وألفي عضو من الجنسين، متحدّرين من مختلف مناطق المحافظة.
ويأتي على رأس هيكلته التنظيمية مجلس أعلى يبلغ عدد أعضائه حوالي المئتي عضو. وجاء في اللائحة الداخلية لمؤتمر مأرب الجامع أنّ الأخير “يهدف وفقا لرؤيته إلى تحقيق نهضة شاملة ومستدامة في مأرب، تضمن الحقوق وبناء مجتمع متماسك ومتقدم يسوده العدل والرخاء والاستقرار على المدى البعيد من خلال العدل والشفافية والتكافل والمشاركة الفاعلة”.
كما “يسعى لضمان حقوق مأرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والأمنية والعسكرية وترسيخ ثقافة التسامح والتصالح والتعايش السلمي بين السكان مع وضع مصلحة المحافظة في مقدمة الأولويات”. وتظهر تلك البنود الطبيعة الفضفاضة وحتى الحالمة لأهداف المؤتمر غير القابلة للتحقيق في ظل الأوضاع القائمة في اليمن والمتسمة بعدم الاستقرار والتي لا تتيح لسكانه وصولا مضمونا إلى ضرورات الحياة فضلا عن السعي لما نصّت عليه لائحة مؤتمر مأرب الجامع.
ويحيل كل ذلك على الهدف السياسي والدعائي الأصلي لتأسيس الهيكل الجديد ليكون منافسا لهياكل مماثلة أنشأتها قوى أخرى في محافظات مجاورة وليكون تعبيرا عن حضور سلطة حزب الإصلاح في مختلف أرجاء مأرب من خلال قوى وفعاليات قبلية واجتماعية لا تنتمي إليه بشكل مباشر لكنها ساندة له وداعمة لسلطته في إطار التخادم وتبادل المنافع.
ولحزب الإصلاح رصيد سابق في إنشاء الهياكل الصورية المنافسة للهياكل التي يشكلها خصومه. وقاد القيادي في الحزب صلاح باتيس في وقت سابق الدعوة لعملية إنشاء ما يسمى الإقليم الشرقي المكون حسب تصور الساعين لإنشائه من محافظات شبوة وحضرموت وسقطرى والمهرة. ومع إدراك باتيس نفسه استحالة تنفيذ المشروع فقد هدف من وراء الترويج له إلى مكايدة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى لاستعادة دولة الجنوب المستقلّة ويعتبر المحافظات الأربع جزءا لا يتجزّأ من مجالها الجغرافي.