انحسر دور القبائل اليمنية "المحوري"، خلال العقد الأخير من تاريخ اليمن الحديث الممتد لأكثر من 60 عاماً، بعد سيطرة ميليشيات الحوثيين على المدنيين والمؤسسات، بدعم من إيران، من خلال العمل على إضعاف دور المؤسسة القبلية، وإحلال ما يسمى بـ"سلالة الإمامة" محلها، وفق خبراء يمنيين.
وتُشكّل القبائل في اليمن الغالبية العظمى من النسيج المجتمعي في عموم أنحاء البلاد، وتقدّر بعض الدراسات البحثية أن نحو أكثر من 80%، من التعداد السكاني لليمن هم مجتمعات قبلية، ما خوّل لها لعب دور هام واستراتيجي في التأثير على مجريات الأحداث السياسية.
فمنذ إعلان الجمهوريتين في الشمال والجنوب بعد ثورتي سبتمبر/أيلول 1962، ونوفمبر/تشرين الثاني 1967، على التوالي، مروراً بإعلان الوحدة اليمنية عام 1990، وإلى وقت انقلاب ميليشيا الحوثي في 2014، كان للقبيلة، حضور بارز ومحوري في تشكيل النظام السياسي للبلاد، إلا أن ذلك انحسر بشكل كبير خلال العقد الأخير من تاريخ اليمن الحديث الممتد لأكثر من 60 عاماً.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي فؤاد مسعد: "المتابع لما يجري في اليمن، يلاحظ أن دور القبائل اليمنية انحسر كثيراً في السنوات الأخيرة بعد سيطرة الحوثيين، رغم أن هذه القبائل كان لها قبل ذلك، دور بارز وحضور فاعل في المشهد السياسي والاجتماعي اليمني".
و"السبب في ذلك يرجع إلى أن أعلنوا حرباً شاملة ضد المجتمع اليمني بشكل عام، والقبائل جزء من المجتمع، فالمجتمع بصفة عامة لم يعد له أي دور في الوضع الراهن"، وفق مسعد.
وأضاف مسعد، لـ"إرم نيوز": "كون الحوثيين يعتقدون، أن بقاء الشعب محتفظ بقوته وتماسكه، سيؤدي في يوم من الأيام للثورة عليهم؛ لذا نجد أنهم يعملون جاهدين لتفكيك أي قوة داخل المجتمع، ويسعون لتمزيق القوى السياسية والاجتماعية والمكونات المختلفة، حتى لا يكون هناك صوت قوي يعارض المشروع الحوثي الإيراني".
ولفت إلى أنه "مشروع يقوم على ارتكاب الجرائم، وتهديد دول الجوار وحركة الملاحة الدولية".
وذكر مسعد: "رغم أن بعض شيوخ القبائل تواطؤوا مع المشروع الحوثي في بداية الأمر، لكن عندما سيطروا على بعض المناطق والمحافظات، سارعوا للقضاء على حلفائهم".
وبدوره، اتفق الصحفي عبدالباسط الشاجع، مع سلفه في وجهات النظر، إذ قال: "القبائل اليمنية، تركيبة أساسية من تركيبات البنية الاجتماعية لليمن، وليست بمعزل عن الانهيار المستمر للدولة والبلد طوال عقد كامل، فبعد سقوط الدولة على يد الحوثيين تعرضت القبائل لهزات عنيفة، ولم تكن موحدة في موقفها من الحوثيين منذ بداية الحرب".
وتابع الشاجع: "ففي البداية، دعمت بعض القبائل الحوثيين، بينما عارضتهم أخرى، ومع مرور الوقت، تغيرت مواقف بعض القبائل، إذ واجهت ممارسات تعسفية من قبل الحوثيين، وبدأت بعض القبائل في مقاومة الحوثيين، بينما انضمت أخرى إلى جانب الشرعية اليمنية، وشكلت مقاومة شعبية لمواجهة الجماعة".
ويرى الشاجع، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "ميليشيا الحوثي، حرصت ومنذ اليوم الأول الذي فرضت فيه سيطرتها، على تحشيد الطاقات والإمكانات الهائلة، لإعادة هندسة القبائل وضمان السيطرة عليها وإخضاعها لمشروعها".
وأضاف: "جماعة الحوثي استغلت الانقسامات الطائفية والمذهبية في اليمن، لتوظيف بعض القبائل في صراعاتهم، مما أدى إلى تشتيت القبائل وتقويض وحدتها".
وأردف الشاجع: "كما قدمت وعوداً مغرية للقبائل، مثل توزيع الأراضي والمناصب، مما جذب بعض القبائل للتعاون معهم".
ومضى بقوله: "كما استخدم الحوثيون، القوة العسكرية والإكراه، لإجبار بعض القبائل على الانصياع لأوامرهم، ما أضعف قدرة القبائل على المقاومة، بالإضافة إلى استغلال الإعلام والتعبئة بشكل مكثف، لتشويه صورة خصومهم وتبرير أفعالهم، ما أثّر على الرأي العام القبلي".
جائحة الإمامة
ومن جانبه، قال الباحث السياسي يحيى الثلايا: "القبيلة كغيرها، حلت بها جائحة الإمامة واستهدفتها"، لافتاً إلى أن "للسلالة الإمامية، ثأر وحقد لا يزول مع كل ما هو يمني"، على حد تعبيره.
وأوضح الثلايا، في ثنايا حديثه لـ"إرم نيوز": "الإمامة طيلة تاريخها، ترى نفسها عدواً لكل أشكال العمل الجماعي؛ كونها تراه خطراً، ولا فرق لديها بين نقابة، أو حزب، أو دولة، أو قبيلة".
ومع ذلك، يرى الثلايا، أن "الحالة الراهنة للمجتمع، لا يمكن استمرارها طويلاً، وفي مقدمته التي لا يمكنها الصمت للأبد".