في خضم التغيرات الاقتصادية العالمية والاضطرابات المحلية، يعيش المواطن اليوم في جنوب اليمن وضعًا مأساويًا، متخبطًا تحت وطأة الفقر وضيق الحال.
فبالنسبة للعديد من الأسر، أصبح الراتب الشهري لا يتجاوز بضعة دولارات لا يتجاوز الـ25 دولاراً، ما يجبرهم على العيش في ظروف أقل من الحد الأدنى المطلوب للحياة الكريمة.
ومع ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني وتدهور العملة المحلية في البلاد أمام العملات الأجنبية، أصبحت الكثير من الأسر بالكاد قادرة على توفير الطعام لأطفالها، وقد بات من المعتاد أن تتخلى بعض العائلات عن إحدى الوجبات الأساسية في اليوم، فقط لتتمكن من تدبر الحال ولو قليلاً.
إن حياة رب الأسرة في هذا الوضع لا يمكن وصفها إلا بأنها كابوس يتكرر كل يوم، فعندما كانت الآمال تتعلق بتوفير حياة كريمة للعائلة، وجدت الأسر نفسها عالقة في دوامة من المتطلبات المتزايدة التي لا نهاية لها. فكل صباح يأتي حاملاً معه همومًا جديدة وواجبات ثقيلة؛ من تأمين لقمة العيش إلى تغطية مصاريف الدراسة والفواتير التي لا تنتهي، كالكهرباء والماء والإيجار والاصلاحات الاخرى، هذا الثقل يستهلك طاقة رب الأسرة ويجعله أسيرًا للقلق والخوف من الغد، خوفًا يتغلغل في قلبه وينعكس على محيطه.
وعلى الرغم من محاولات الأهل المستمرة للحفاظ على التماسك أمام الأطفال، إلا أن هذا الضغط الاقتصادي الهائل قد خلق حالة من التوتر داخل المنازل، فالأبناء يتأثرون مباشرة بهذه الظروف، إذ يرون بعينهم تعب والديهم وإحساسهم بالعجز، ما يولد لديهم شعورًا بعدم الأمان والاستقرار، كما أن الزوجة تجد نفسها مضطرة للقيام بدور مضاعف؛ فهي تتقاسم الأعباء مع زوجها، وتحاول جاهدة التكيف مع هذه الظروف عبر التوفير والبحث عن أي وسيلة لتقليل المصاريف، لكنها غالبًا ما تجد نفسها أمام خيارات صعبة.
ولا تتوقف الأزمة عند حد توفير الطعام، بل تتعداه لتشمل الاحتياجات الأساسية الأخرى كالعلاج والدواء، فكم من مريض لم يجد ثمن الدواء، وكم من طفل يعاني من سوء التغذية.
باتت الأسر تسير على خيط رفيع بين الفقر المدقع والانهيار التام، حيث تجد نفسها عاجزة أمام أي ظرف طارئ قد يتطلب نفقات إضافية، مما يزيد من تفاقم الوضع ويضاعف من المعاناة.
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تظهر الحاجة الملحة إلى تدخل فوري وجذري من الجهات المعنية، فالأمر لم يعد يحتمل التأجيل.
إن تقديم الحلول المؤقتة أو المساعدات الجزئية لم يعد كافيًا؛ بل يجب البحث عن طرق لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية، وزيادة فرص العمل، وتقليل التضخم الذي ألقى بظلاله القاتمة على كل جوانب الحياة.
المواطن لم يعد يطلب رفاهية أو كماليات، وإنما يطالب بأبسط حقوقه في العيش بكرامة، بعيدًا عن عذابات الجوع وقهر الفقر.
يُعتبر المواطن البسيط هو جوهر المجتمع، وإذا تدهورت حياته وتردت حالته النفسية والاجتماعية، فإن ذلك سينعكس حتمًا على المجتمع ككل.
إن دعم الأسر الفقيرة وإعادة بناء اقتصاد مستدام يُعتبران مسؤولية وطنية وأخلاقية تقع على عاتق مجلس القيادة الرئاسي وحكومة بن مبارك.
فما الحاجة لإصلاحات لا تصل إلى الفئات الأكثر تضررًا، وما جدوى حلول لا تلامس حياة الناس الحقيقية؟