بدأت مصر تتخلى عن هدوئها في التعامل مع إثيوبيا بعد إعلان الأخيرة قرب الانتهاء من بناء سد النهضة وتشغيله، ولجأت إلى مناكفتها عقب تأكيد مصادر صومالية أن مصر سلّمت إلى الصومال مساعدات عسكرية لأول مرة منذ أربعة عقود.
وتخشى دوائر سياسية أن يؤدي استيراد الصومال أسلحة من مصر إلى استفزاز إثيوبيا، وإمكانية أن تلعب القاهرة بالنار عبر الدخول في أزمات أمنية إقليمية ليست في صالحها من حيث التوقيت ومن حيث النتائج على المديين القريب والمتوسط، في وقت تركز فيه مصر داخليا على حل أزمتها الاقتصادية وخارجيا على إعادة تحريك دورها دبلوماسيا بما يتناسب مع تاريخها ووزنها في المنطقة.
ووصلت طائرتان عسكريتان مصريتان إلى مطار مقديشو الثلاثاء، محملتين بأسلحة وذخيرة، وأظهر مقطع فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وجود الطائرتين على مدرج المطار.
وتطورت العلاقات بين القاهرة ومقديشو بعد أن وقّعت إثيوبيا على اتفاق مبدئي مع جمهورية أرض الصومال، غير المعترف بها دوليا، لاستئجار منفذ ساحلي يحوي قاعدة عسكرية وتسهيلات لوجستية، مقابل اعتراف محتمل باستقلالها عن الصومال.
ووصفت الحكومة المركزية في مقديشو الاتفاق بأنه تعد على سيادتها، وذكرت أنها ستعرقله بكل الطرق، ونددت مصر بالاتفاق أيضا، وأعلنت دعمها السياسي لموقف الصومال.
وفسر مراقبون دعم القاهرة لحكومة مقديشو بأنه موجه ضد إثيوبيا التي دخلت في خلاف مع مصر بسبب قيامها ببناء سد النهضة منفردة، والذي يؤثر على كمية المياه المتجهة نحو مصر، وقد يخل عدم وجود اتفاق مُلزم بين مصر وإثيوبيا والسودان ينص على التفاهم حول البناء والتشغيل بالحصص التاريخية لدولتي المصب.
وقال المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء نصر سالم إن التعاون العسكري مع الصومال يتم في إطار حماية المجال الحيوي للدولة المصرية، والذي يمتد إلى منابع النيل والبحر الأحمر، وحال الشعور بوجود تهديدات فإن ذلك يستوجب المشاركة عبر التعاون مع دول صديقة على تأمينه، ويصعب التغاضي عن التطورات القائمة في تلك المنطقة دون تدخل لحماية حركة التجارة في قناة السويس.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن توريد الأسلحة وبناء علاقات عسكرية وطيدة مع الصومال يهدفان إلى تدريب قواتها المسلحة وتقوية قدراتها كدولة عربية تلعب دورا في تأمين المصالح المصرية في المناطق المجاورة لها، وتحديدا في خليج عدن والبحر الأحمر، ما يؤدي في النهاية إلى الحفاظ على الأمن القومي المصري.
وأشار إلى أن وجود تهديدات إرهابية تنمو في الصومال، الذي توجد فيه عناصر من تنظيمي داعش والقاعدة، يفرض تقديم المساعدة إلى الجيش الصومالي للتعامل مع أي تجمع غير شرعي في تلك المنطقة، كما أن التعاون العسكري “رسالة ردع لإثيوبيا وتأكيد على أن اليد المصرية يمكن أن تطالها في أي منطقة حال شكلت تهديدا لها”.
وقال خبراء في الشؤون الأفريقية إذا أرسلت مصر قوات على الأرض ونشرت عناصر على الحدود مع إثيوبيا فقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين، لافتين إلى أن خطر اندلاع حرب مباشرة ضئيل، لكن اندلاع صراع بالوكالة وارد.
وأعلن مسؤولون كبار في مصر منذ فترة عن عدم رغبتهم في إرسال قوات إلى خارج بلادهم، ما لم تكن هناك ضرورة قصوى للحفاظ على الأمن القومي وتهديدات مباشرة له.
وتجنبت مصر التدخل عسكريا في صراعات عديدة بالمنطقة، اتساقا مع شعار رفعته منذ تولي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي السلطة، مفاده عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وصراعاتها، وفي أوج اشتعال الأزمة حول سد النهضة تحاشت القاهرة اللجوء إلى هذا الخيار، وفضلت اللجوء إلى عملية التفاوض التي لم تحقق تقدما ملموسا.
وذكر رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية بالجيش المصري سابقًا اللواء علاء عزالدين أن إرسال أسلحة يأتي في إطار تطوير القدرات العسكرية للصومال بما يكفل الدفاع والحفاظ على أمنه القومي، مع تصاعد التحديات الأمنية التي يواجهها.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن مصر أرادت أن توصل إلى العالم رسالة تفيد بأنها وإن كانت بعيدة عن الانخراط مباشرة في الصراعات المشتعلة في العديد من دول المنطقة، فإنها تدرك أهمية الحفاظ على مصالحها وتتدخل بالشكل وفي التوقيت المناسبين، ويعبر ذلك عن عودة أفريقيا إلى دوائر الاهتمام الرئيسية بالنسبة إلى السياسة الخارجية المصرية، وأن كل دولة تسعى إلى تحقيق مصالحها بوسائل مقبولة وفي إطار الشرعية الدولية.
وخلال زيارة قام بها رئيس الصومال حسن شيخ محمود إلى القاهرة في بداية أغسطس الجاري تم الإعلان عن توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين مصر والصومال، وعرض الرئيس عبدالفتاح السيسي في مؤتمر صحفي مع شيخ محمود مشاركة بلاده في بعثة حفظ سلام بالصومال، وهو ما أكده الاتحاد الأفريقي عندما أشار إلى عرض مصر المساهمة بقوات في مهمة حفظ سلام جديدة العام المقبل في الصومال.
وهدد الصومال بطرد ما يصل إلى نحو عشرة آلاف جندي إثيوبي من أراضيه، كجزء من مهمة حفظ سلام، وبموجب اتفاقيات ثنائية لمكافحة مسلحي حركة الشباب الصومالية، وذلك إذا لم يتم إلغاء اتفاق أديس أبابا مع جمهورية أرض الصومال.
ووقعت تركيا مع الصومال في فبراير الماضي بروتوكولا دفاعيا، يتضمن دعم الأصول البحرية للصومال، و”ردع” جهود إثيوبيا لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر عن طريق منطقة أرض الصومال.
وتقوم تركيا بوساطة بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق الثانية مع أرض الصومال، واستضافت أنقرة جولتين من المحادثات غير المباشرة خلال الأسابيع الماضية، غير أنها لم تسفر عن نتائج تشير إلى إمكانية التفاهم بين مقديشو وأديس أبابا.
وأعلنت إثيوبيا قبل أيام قيامها بتشغيل توربينين جديدين على سد النهضة، مؤكدة أن البناء الخرساني للسد اكتمل، وتم الانتقال من مرحلة البناء إلى مرحلة التشغيل، وأن التوربينين اللذين يولد كل واحد منهما 400 ميغاواط بدأ تشغيلهما، فضلا عن توربينين يولد كل واحد منهما 375 ميغاواط، ليرتفع إجمالي الإنتاج إلى 1550 ميغاواط.