بريطانيا وتقليص صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.. أبعاد رمزية وأصداء داخلية

يواجه حزب العمال البريطاني منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر الماضي، مطالب شعبية كبيرة بالضغط على إسرائيل من أجل إنهاء هجومها على القطاع، ولكن الحزب كان حتى الأمس القريب، يجلس على كرسي المعارضة، بينما يقود حزب المحافظين السلطة بأكثرية برلمانية مؤيدة لتل أبيب، ولا تبحث عن خصومتها.
يعد وصول حزب العمال إلى السلطة في 5 يوليو الماضي، محملاً بمطالب التخلي عن إسرائيل من قبل اليساريين والجالية المسلمة وغيرهم من أنصار القضية الفلسطينية بين البريطانيين، أكبر من قدرة الحكومة الجديدة وفق مراقبين، إذ رأى رئيس الوزراء كير ستارمر، الحل في توجيه رسائل مباشرة لإسرائيل تحثها على وقف الحرب.
ومثل تقليص صادرات الأسلحة، أحدث رسائل الحكومة البريطانية الجديدة إلى إسرائيل، لدعوتها إلى وقف الحرب على قطاع غزة، وبينما يرى البعض أن لندن قابلة لتصعيد ضغوطها على تل أبيب من أجل هذه الغاية، يرى آخرون أن خطوات ستارمر ووزرائه "الرمزية"، "مشروطة أولاً بعدم المساس بأمن إسرائيل، وثانياً بعدم إغضاب الحليف الأميركي".
احتواء الضغوط
جريس دويل، رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني المعروف اختصارا باسم "كابو"، اعتبر أن تعليق العشرات من رخص تصدير السلاح البريطاني إلى إسرائيل "خطوة صغيرة كان يجب أن تؤخذ قبل ستة أشهر على الأقل"، ورغم ذلك هي مهمة من حيث مضمونها أو الرسالة التي تنطوي عليها، بشأن رفض الحكومة الجديدة للحرب.
قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن بريطانيا ستعلّق على الفور 30 رخصة لتصدير الأسلحة من بين 350 رخصة تصدير إلى إسرائيل، بسبب مخاطر ارتكاب انتهاكات.
ويلفت دويل في حديثه مع "الشرق"، إلى أن بريطانيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، تأخذ هذه المواقف الصادرة عن حكومتها، أبعاداً تزعج حكومة تل أبيب، إذ تؤكد غياب التأييد الدولي لحربها على غزة، ومن هنا تفهم الإدانة السريعة للمسؤولين هناك لقرار تقليص صادرات السلاح البريطانية إلى الجيش الإسرائيلي.
وينوه دويل إلى أن الضغوط الداخلية على حكومة ستارمر، للدفع نحو إنهاء حرب غزة، ازدادت منذ وصول حزب العمال إلى السلطة قبل شهرين، معتبراً أن تقليص صادرات السلاح "يخفف من هذه الضغوط ويظهر أن لندن باتت تقف على الجانب الصحيح من الحرب إنسانياً وسياسياً، إذ أن الأزمة اليوم هي في قطاع غزة وليست إسرائيل.
ويعتقد دويل في حديثه لـ"الشرق"، أن بريطانيا قادرة على التصعيد في ضغوطها على إسرائيل، "فالحكومة الجديدة لم تفرض بعد عقوبات على المستوطنات والمستوطنين في مناطق الضفة الغربية المحتلة، كما يمكن للندن تعليق التجارة الحرة مع تل أبيب في إطار الضغط عليها اقتصادياً، أما سياسياً فما زال في جعبة (العمال) خيارات أكثر في ذات الإطار".
وبرأي دويل، فإن ما تسرب إعلامياً بشأن امتعاض الولايات المتحدة من القرار البريطاني، "لا يبدو حقيقياً"، لافتاً إلى أن "لندن لابد أنها أخبرت واشنطن مسبقاً بهذا القرار، ولا يبدو أنها مانعته أو طلبت التروي فيه على الأقل، خاصة وأنه لا يؤثر على قدرات إسرائيل العسكرية ولا يهدد أمن تل أبيب بشكل عملي".
أبعاد رمزية وامتعاض "مسرحي"
كامل حواش، رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، يتفق مع دويل في أن امتعاض واشنطن من قرار لندن الأخير "مسرحي" على حد تعبيره، فلا يمكن لحكومة المملكة المتحدة المضي بقرار يخص إسرائيل والصراع في الشرق الأوسط، دون التنسيق مع الولايات المتحدة، حتى ولو كان القرار يحمل أبعاداً رمزية فقط.
ويعتبر حواش، في حديثه مع "الشرق"، أن تقليص صادرات السلاح إلى إسرائيل "قرار مهم ولكن محتواه ضعيف"، فهو لا يؤثر على مسارات الحرب أو يهدد أمن تل أبيب، ولكنه يعكس تغيراً في سياسة بريطانيا تجاه ما يحدث في غزة، وفحوى هذا التغيير باختصار أن الحكومة الجديدة في لندن لا تؤيد الحرب على القطاع ولا تريد لها أن تستمر أكثر من ذلك".
ويلفت حواش إلى جانب آخر جدير بالاهتمام في قرار الحكومة البريطانية الأخير، وهو خشيتها من المساءلة الدولية إزاء استخدام الأسلحة البريطانية في حرب غزة، إذا ما تكشفت لاحقاً ملفات انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في القطاع خلال الحرب المستمرة عليه منذ نحو عام، "ويبدو أن أطرافاً عدة في المجتمع الدولي مهتمة بكشف تجاوزاتها"، على حد وصفه.
ويشدد رئيس حملة التضامن مع فلسطين، في تصريحاته لـ"الشرق"، على أن قرار تقليص صادرات السلاح البريطانية هو "سياسي بامتياز" إذ أن التعليق لا يتعلق بأسلحة تحدث فارقاً على الأرض أو تهدد أمن إسرائيل، وأضاف: "الدليل هو عدم شموله المكونات الخاصة بطائرات F-35 التي تعتبر من أهم عناصر تفوق تل أبيب عسكرياً على مستوى المنطقة".
خطوة مكملة
في توضيح قرار الحكومة أمام البرلمان البريطاني، قال وزير الخارجية ديفيد لامي، إن القرار يشمل 30 قطعة من أصل 350 سلاحاً ترسله بريطانيا إلى إسرائيل، ويتضمن التقليص مكونات في الطائرات العسكرية بما في ذلك المقاتلات والمروحيات والمسيرات، ولكن ليس من بينها تلك الأجزاء المتعلقة بصناعة الطائرة المقاتلة الأميركية المتطورة F-35.