عجلت أزمة تواصل وسوء تفاهم وتوترات بين فريق تحقيق أممي في جرائم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بمغادرة العراق، بينما كان الفريق يأمل في مواصلة جهوده لمحاسبة التنظيم المتطرف عن فظاعات ارتكبها في الفترة التي هيمن فيها على ثلث مساحة العراق في 2014 حتى هزيمته في 2017.
وبناء على طلب بغداد، يُنهي الفريق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن جرائم تنظيم الدولة الإسلامية (يونيتاد) مهمته ويغادر العراق بعد نحو 10 أيام مع ترقب إعلان إنجازاته وإن أبدى أسفه على "سوء تفاهم" مع السلطات.
في مقابلة هاتفية حصرية مع وكالة فرانس برس، أشادت آنا بييرو يوبيس رئيسة الفريق المكلفة بالمساعدة على جعل تنظيم الدولة الإسلامية "يحاسب على جرائمه"، بتعاون السلطات العراقية في هذه المهمة، معتبرة أن عمل الفريق كان يمكن أن يستمر لو حدث تواصل أفضل بين الطرفين
وقالت "يمكن أن نقرّ علنا وبشكل أوضح بأن العمل الجيد الذي تمكنّا من إنجازه ما كان ممكنا لولا دعوتنا وذلك أمر فريد"، موضحة أن فريقها هو بعثة التحقيق الدولية الوحيدة التي تواجدت في البلد المكلفة التحقيق فيه.
وأضافت "لا يحدث أبدا أن تدعو دولة ما هيئةً دولية للعمل على ملفّ خاص كهذا مثل التحقيق في جرائم. قلة هم من يمكن أن يفتحوا لنا أبوابهم بمثل هذا السخاء".
في العاشر من يونيو 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في محافظة نينوى في شمال العراق. وأعلن منها بعد 19 يوما إقامة "الخلافة الإسلامية" على مساحات واسعة من العراق وسوريا.
وأطلّ الزعيم الأسبق للتنظيم أبوبكر البغدادي للمرّة الأولى من جامع النوري الكبير في الموصل، ليعلن نفسه "أميرا للمؤمنين"، في لحظة لا تزال محفورة في ذاكرة كثيرين.
وخلال سنوات بثّوا فيها الرعب وحولوا حياة الناس إلى جحيم، نفّذ عناصر التنظيم إعدامات بقطع الرأس وفرضوا عقوبات بقطع أصابع المدخنين أو أيدي السارقين وخطفوا نساء حولوهن إلى "سبايا" ودمّروا كنائس وجوامع ومتاحف وأحرقوا الكتب والمخطوطات.
وبعد معارك عنيفة، استعاد الجيش العراقي بدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، الموصل معلنا في ديسمبر 2017 هزيمة التنظيم في العراق، لكن داعش لا يزال يحتفظ بوجود على شكل خلايا سرية نائمة وينفذ من حين إلى آخر هجمات دموية على القوات العراقيةة والمدنيين.
وطلبت الحكومة العراقية من المجتمع الدولي في أغسطس من ذلك العام المساعدة في ضمان محاسبة مقاتلي التنظيم الإرهابي. واستجابة لهذا الطلب، تبنى مجلس الأمن الدولي في الشهر التالي بالإجماع القرار 2379 الذي شُكل بموجبه فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم الدولة الإسلامية (يونيتاد).
وعلى مدى سبعة أعوام، أعدّ الفريق 19 تقريرا بعضها حول جرائم محددة كتلك المرتكبة بحق الشيعة والأيزيديين وفي سجن بادوش وأخرى حول الهيكلية التراتبية لتنظيم الدولة الإسلامية.
وعمل كذلك على رقمنة ملايين الوثائق وتدريب مكوّنات النظام القضائي العراقي، بالإضافة إلى "التنقيب عن المقابر الجماعية". وتقول المسؤولة الأممية "استخرجنا من 68 مقبرة رفات ألف ضحية تقريبا، تم التعرف على 200 منهم".
وعملا بتفويضه، درس الفريق وثائق قدمها العراق بالإضافة إلى وثائق أخرى تضمّ شهادات جمعتها الأمم المتحدة ولم تنقلها إلى السلطات العراقية.
وتوضح يوبيس أن سبب ذلك هو أن "الأمم المتحدة لديها قواعد صارمة بشأن السرية واحترام الموافقة التي يعطيها الأشخاص الذين يدلون بشهاداتهم".
ووجّهت المحاكم الوطنية 18 لائحة اتهام أسفرت 15 منها عن إدانات معظمها في أوروبا، في قضايا بين ما استندت إليه وثائق أنجزها فريق يونيتاد.
لكن حين "رأى العراقيون نتائج ملموسة في محاكم أجنبية، نشأ انطباع بأن يونيتاد يتعاون مع الدول الأجنبية أكثر مما يتعاون مع العراق" .
وتتابع المسؤولة بأسف "كان من الممكن شرح كل شيء على نحو أفضل"، متحدثة لوسائل إعلام عراقية عن توتر بين الفريق الأممي والسلطات العراقية.
وفي ديسمبر 2023، قال مندوب عن العراق في اجتماع لمجلس الأمن الدولي "لم تتلق الحكومة العراقية أي دليل من يونيتاد يمكن استخدامه في الإجراءات الجنائية".
ورغم أن الفريق سيوقف أنشطته في العراق، سيواصل الخبراء عملهم وفق المسؤولة التي تقول "لدينا معلومات موجودة في نيويورك يمكن الوصول إليها" لكن "إذا أرادت دولة ما الوصول إليها، فليس لدينا الإطار القانوني" لتسليمها إياها، مشيرة إلى أن الملف مطروح على طاولة مجلس الأمن الدولي منذ يناير، مقرّة بأن "ليس لدينا إجابة. إنها مسألة سياسية".
وفي مارس 2019، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد والمدعومة أميركيا دحر التنظيم الدولة الإسلامية من آخر معاقل سيطرته في سوريا إثر معارك استمرت بضعة أشهر.
ولم تعد "دولة الخلافة" قائمة، على الرغم من أن العديد من فروع التنظيم ما زالت تبثّ الرعب في العديد من مناطق العالم بينها إفريقيا. وبذلك، ستكون العدالة بطيئة ولن تعمل على النحو الأمثل. وما زالت في العراق مقابر جماعية وشهادات لم تسجّل وجرائم لا تُحصى لم يُحاسب مرتكبوها.
وسبق أن أكّد فريق يونيتاد أنه يعمل في سبيل إجراء "محاكمات عادلة"، لكن في العراق حيث أصدرت المحاكم مئات الأحكام بالإعدام أو السجن المؤبد في قضايا تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، انتقد ناشطون حقوقيون بغداد على خلفية محاكمات وصفت بأنها متسرّعة واعترافات تم الحصول عليها تحت التعذيب.