تجنبت إيران وإسرائيل الدخول في مواجهة مباشرة طيلة سنوات، وخاضتا "حرباً خفية" شملت عمليات تخريب سرية واغتيالات؛ لكن البلدين يقتربان الآن من "صراع مفتوح"، في أعقاب التوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان هذا الأسبوع، وهجوم طهران الصاروخي على إسرائيل، وهو الثاني في أقل من ستة أشهر، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".
ورجحت الصحيفة الأميركية، السبت، أن إسرائيل تبدو مستعدة للهجوم على إيران بشكل مباشر، على نحو "أكثر قوة وبشكل علني" عما حدث من قبل، لافتة إلى أن إيران لديها عدد من الأهداف الحساسة، بما في ذلك مواقع إنتاج نفط، وقواعد عسكرية، ومواقع نووية.
ورصد التقرير خيارات إسرائيل والسيناريوهات المحتملة لردها على الهجوم بالصواريخ البالستية، الذي شنته إيران، الثلاثاء، وقالت طهران إنه جاء رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية إسماعيل هنية، في طهران في نهاية يوليو الماضي، والأمين العام لجماعة "حزب الله" اللبنانية، حسن نصر الله، وعباس نيلفوروشان، قائد العمليات في "الحرس الثوري" الإيراني.
قطاع النفط
تتركز أغلب مرافق النفط والغاز الإيرانية في غرب البلاد، بالقرب من العراق والكويت والسعودية. ويوجد عدد كبير من المنشآت قبالة سواحل إيران أو على جزر، مثل محطتها الرئيسية لتصدير النفط في جزيرة "خارج" في الخليج العربي.
ورجحت الصحيفة أن إلحاق ضرر بمنشآت نفطية ربما يلحق الضرر بالاقتصاد الإيراني الهش بالفعل، ويعطل أسواق النفط العالمية قبل شهر من الانتخابات الأميركية المقررة في 5 نوفمبر المقبل.
وتنتج إيران نحو 3 ملايين برميل من النفط يومياً، أو نحو 3% من الإمدادات العالمية، وأكبر عملاءها هي الصين. ورغم أن العقوبات قللت من أهمية إيران في السوق العالمية، لكن أي هجوم ربما يؤثر على الأسعار مع ذلك.
في أبريل، شنت إيران هجوماً بالصواريخ على تل أبيب، ما دفع الأخيرة لرد محدود تحت ضغط أميركي. في أكتوبر، حدث الأمر نفسه تقريبا. ولكن شتان ما بين الهجومين والردين.
وعندما سُئل، الخميس، عما إذا كان سيدعم ضرب إسرائيل البنية التحتية النفطية الإيرانية، أجاب الرئيس الأميركي جو بايدن إن الاحتمال "قيد المناقشة"، في تصريح عفوي دفع سعر النفط إلى الارتفاع.
وبعد تعليق بايدن، حقق خام "برنت"، الذي يستخدم معياراً لتسعير ثلثي إنتاج النفط، مكاسب أسبوعياً بأكثر من 8%، في أكبر زيادة في عامين.
المنشآت النووية
تعتقد إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني، يشكل تهديداً لوجودها؛ لكن مسؤولين إسرائيليين قالوا إنه لا توجد خطط في الوقت الراهن لضرب منشآت نووية إيرانية، والتي تشمل محطات إنتاج وتخصيب اليورانيوم، ومناجم يورانيوم ومفاعلات أبحاث، رداً على وابل الصواريخ الأخير.
ونوهت الصحيفة إلى أن استهداف مواقع نووية، والتي يقع العديد منها في أعماق الأرض، سيكون صعباً في غياب مساعدة من الولايات المتحدة.
وفي تعليق على هذا السيناريو، قال بايدن، الأربعاء، إنه لا يؤيد شن هجوم على مواقع نووية إيرانية.
يرى خبراء الطاقة النووية أن إيران تحتاج إلى أكثر من مجرد أسابيع لبناء قنبلة نووية، ويعتقدون أن طهران تحتاج إلى نحو عام من العمل الدؤوب لبناء قنبلة ذرية.
وحتى لو سارعت إيران إلى تسريع جهودها لتصنيع ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب من أجل تصنيع قنبلة، يقول خبراء إن البلاد ستكون على بعد أشهر وربما عام من صنع سلاح نووي.
هجوم بعيد المدى
إذا أرادت إسرائيل استخدام قوتها الجوية القوية للرد، فسيتعين على طائراتها أن تطير لمسافات طويلة؛ لكنها أظهرت مؤخراً قدرتها على القيام بذلك، بحسب "نيويورك تايمز".
وخلال الهجمات التي شنتها ضد الحوثيين في اليمن، الأسبوع الماضي، حلقت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من ألف ميل (نحو 1609 كيلومترات) لاستهداف محطات طاقة وبنية تحتية للشحن، باستخدام طائرات استطلاع وعشرات الطائرات المقاتلة التي كان لابد من إعادة تزويدها بالوقود في منتصف الرحلة.
ولفتت الصحيفة إلى أن مهاجمة إيران عن طريق الجو يقتضي التحليق مسافات مماثلة، لكنها ستكون أكثر خطورة بكثير، حيث تمتلك إيران دفاعات جوية أقوى بكثير من لبنان واليمن.
في أبريل الماضي، رداً على أول هجوم صاروخي إيراني، ألحقت غارة جوية إسرائيلية أضراراً بمنظومة مضادة للطائرات طراز S-300 بالقرب من نطنز، وهي مدينة تقع وسط إيران، وتمثل أهمية بالغة لبرنامج الأسلحة النووية في البلاد.
وقال مسؤولون غربيون وإيرانيون، إن إسرائيل أرسلت طائرات مسيرة، وأطلقت صاروخاً واحداً على الأقل من طائرة حربية في ذلك الهجوم.
ونقلت الصحيفة عن جرانت روملي، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون،" والزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قوله: "أعتقد أنه من المرجح أن يقلدوا عملية أبريل، ويحاولوا تدمير أنظمة إنذار مبكر ودفاعات جوية إيرانية لإفساح المجال أمام هجوم جوي".
وأضاف روملي: "والسؤال المطروح يتعلق بمدى اتساع نطاق (الهجمات) وما إذا كانوا سيدخلون المجال الجوي الإيراني".
ووفقاً للصحيفة، إسرائيل ربما لا تضطر إلى الاعتماد على قوتها الجوية وحدها في شن هجوم على إيران.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، فإن إسرائيل لديها خيارات أخرى، صواريخ "أريحا 2" الباليستية متوسطة المدى التي يمكنها أن تطير لمسافة نحو 2000 ميل (نحو 3219 كيلومتراً)، وصواريخ "أريحا 3" الباليستية متوسطة المدى التي يمكنها الوصول إلى أهداف على بعد أكثر من 4000 ميل (نحو 6437 كيلومتراً).
أكبر الهجمات "الباليستية" على إسرائيل
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السبت، الهجمات التي شنتها إيران على إسرائيل بالصواريخ الباليستية بأنها "من الأكبر في التاريخ"، متوعداً بالرد على هذه الهجمات، فيما قال الجيش الإسرائيلي إن الرد سيكون قوياً.
وقال نتنياهو في كلمة من مكتبه في تل أبيب: "لقد قامت إيران مرتين بإطلاق مئات الصواريخ نحو أرضنا ومدننا بهجوم صاروخي باليستي من الأكبر بالتاريخ".
وتابع قائلاً: "أي دولة في العالم لن تقبل مثل هذا الهجوم على مدنها ومواطنيها، وكذلك دولة إسرائيل"، معتبراً أن "لإسرائيل الحق والواجب بالدفاع عن نفسها، والرد على هذه الاعتداءات، وسوف نفعل ذلك".
وقبل تصريحات نتنياهو، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري، إن إسرائيل سترد على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي شنته طهران الأسبوع الماضي، ولكن "في الوقت الذي نراه مناسباً".
وأضاف أن الهجوم الإيراني "أصاب قاعدتين جويتين، لكنهما ما زالتا تعملان بكامل طاقتهما، ولم تتضرر أي طائرة".
وتابع قائلاً: "سنحدد الطريقة والمكان والتوقيت للرد على هذا الهجوم المشين، وفقاً لتعليمات القيادة السياسية".
وأفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، بأن الجيش الإسرائيلي في خضم التخطيط للرد على الهجوم الصاروخي الإيراني، وأشارت إلى تأكيده بأن هذا الرد سيكون قوياً وبارزاً.
وتسبب الهجوم الإيراني بأضرار في إسرائيل وفق الصحيفة، بما في ذلك قواعد جوية، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي قال إنه لم يتم إصابة أي طائرة أو بنية تحتية حيوية، وأن القوات الجوية الإسرائيلية تعمل بكامل طاقتها.