بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر الماضي، عثر السوريون على أكثر من 20 مقبرة جماعية، تتركز معظمها في حلب وجنوب البلاد، بمناطق قريبة من مواقع عسكرية للقوات الحكومية السابقة.
وبعد إفراغ جميع السجون في سوريا عقب سقوط النظام السابق، وبقاء أكثر من 113 ألف مفقود وفق بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تبقى الأعين مشدودة إلى المقابر الجماعية، التي يُتوّقع ضمها لآلاف السوريين الذين اختفوا قسراً أو قضوا تحت التعذيب.
القطيفة.. أكبر المقابر الجماعية
في مدينة القطيفة على بُعد 40 كيلومتراً شمالي العاصمة دمشق، عُثِر على أكبر مقبرة جماعية مكتشفة حتى الآن، حيث تشير تقارير إلى أن عدد المدفونين هناك يقدّر بعشرات الآلاف، مع استمرار فرق الدفاع المدني في عمليات البحث.
وشهدت هذه المنطقة وجوداً عسكرياً كبيراً لقوات النظام السابق، وتقع قرب مقر الفرقة الثالثة.
وحتى هذه اللحظة، تُقيم إدارة العمليات العسكرية طوقاً أمنياً حول هذه المقبرة، كما أغلقت الطريق المؤدي إليها للحيلولة دون العبث بها.
وقالت مصادر لـ"الشرق"، إن "فرع المخابرات في القوات الجوية السورية كان مسؤولاً عن نقل الجثامين من المستشفيات العسكرية أو المعتقلات أو أماكن الإعدام الميداني، ثم دفنها في مقابر جماعية".
المعضمية والقابون
في مدينة معضمية الشام على بُعد 30 كيلومتراً جنوبي دمشق، اكتشف الأهالي مقبرة جماعية، قالوا إن الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية كانت مسؤولة عنها.
ووفق الدفاع المدني، فإن غالبية الجثامين تعود لأشخاص تعرضوا لـ"إعدام ميداني".
وفي حي القابون الدمشقي، بالقرب من "مشفى تشرين العسكري"، تشير التقارير إلى وجود مقبرة جماعية محاطة بمنطقة ملغمة، الأمر الذي حال دون اقتراب فرق الدفاع المدني من المكان. ويجرى العمل على نزع الألغام، لوصول فرق الدفاع المدني إليها، ومعرفة تفاصيلها.
جسر بغداد والحسينية
وشمال دمشق، اطلعت "الشرق" على مقبرة جماعية فيها حفر طولية وعميقة، وداخلها رفات أكثر من 20 جثماناً، كانوا في أكياس تحمل أسماء أو أرقاماً فقط.
ووفق الدفاع المدني، فإن الجثامين الموجودة تعود إلى مدنيين قضوا أثناء التعذيب في سجون النظام السوري، ومن بينها سجن صيدنايا.
وفي 15 ديسمبر، عثر الدفاع المدني على مقبرة جماعية في منطقة الحسينية بريف دمشق، وأظهرت المشاهد المصورة أكثر من 100 حفرة يصل عمقها إلى نحو 20 متراً، تضم رفات لأشخاص يُعتقد أنهم اعتُقلوا على يد النظام السابق. وكانت الجثامين متحللة.
آلاف الجثامين في حلب
نهاية ديسمبر الماضي، أعلنت محافظة حلب عن اكتشاف 3 مقابر جماعية جديدة في مناطق خان العسل، والمقبرة الجديدة، والنقارين، وقالت إنها تضم نحو 16 ألفاً و500 جثماناُ.
وذكرت مصادر لـ"الشرق"، أن "الدفاع المدني عثر على وثائق تؤكد أن غالبية ضحايا هذه المقابر الثلاث، قضوا جراء التعذيب"، وأن العدد الأكبر منهم كان في خان العسل، وهي المدينة التي قالت العديد من التقارير إنها "تعرضت لهجوم كيماوي" في عام 2013.
3 مقابر جماعية في درعا
بداية اكتشاف المقابر الجماعية في محافظة درعا، جنوبي سوريا، كانت في مدينة إزرع بتاريخ 17 ديسمبر الماضي، حيث عثرت طواقم الدفاع المدني على مقبرة جماعية في "مزرعة الكويتي" قرب مركز عسكري بالمنطقة، وتضم أكثر من ثلاثين جثماناً.
وجرت عمليات سحب الجثامين بحضور الطب الشرعي. وقال الدفاع المدني لـ"الشرق"، إن الجثامين كانت متحللة، مقدراً عمر المقبرة بنحو 10 سنوات.
أمّا المقبرة الثانية، فكانت في بلدة أم القصور في ريف درعا الشمالي، قرب حاجز "منكت الحطب" سيء الصيت، و"مفرزة المسمية" للأمن العسكري. وكانت القبور متناثرة في منطقة زراعية بجانب الحاجز الذي كانت تديره الفرقة الرابعة وقوات الأمن العسكري، وضمت أكثر من 10 جثامين، وما تبقى منها بقايا هياكل عظمية.
وثالث مقبرة كانت في مدينة الصنمين، حيث عثرت فرق الدفاع المدني على مقبرة جماعية قرب الفرقة التاسعة التي كانت تتبع للقوات الحكومية السابقة. ووفق تقديرات الدفاع المدني فإن تاريخ المقبرة يعود لأكثر من 10 سنوات، كما تم العثور على بقايا ملابس في المقبرة ذاتها.
الخوذ البيضاء: لا تعبثوا بالأدلة
وقالت منظمة "الخوذ البيضاء" لـ"الشرق"، إن هناك "ضرورة لاتخاذ خطوات لحماية المقابر الجماعية في سوريا من العبث والتخريب وعمليات النبش العشوائي".
وشددت على "أهمية الالتزام بهذه التوجيهات، لأن مخالفتها قد يؤدي إلى ضياع الأدلة الجنائية وإمكانية التعرف إلى الجثامين فيها".
كما أضافت منظمة الدفاع المدني أن "المقابر الجماعية في سوريا قضية مهمة تتطلب فرقاً متخصصة، ومساعدات دولية وجهوداً منظمة".
وتحمي اتفاقيات جنيف ضحايا الحرب، وتنص على ضرورة التعامل باحترام مع جثامين الضحايا ودفنهم بكرامة
ولتوثيق المقابر الجماعية أهمية قصوى في ضمان محاسبة الجناة، وتقديم الأدلة اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم، وكذلك حماية حقوق وكرامة الضحايا، وتكريم ذكراهم، ومنح أهلهم الحق في معرفة مصيرهم.