بتلااعب وتواطؤ من إخوان تونس بأموالها المنهوبة وضع الملف على الرف لاستخدامه لمآرب شخصية، فيما تمضي المدة القانونية لاسترجاعها نحو نهايتها.
ملف أخضعه التنظيم لحساباته الشخصية ومصالحه الخاصة، وحقق منه أقصى ما أمكن له من الأرباح بأنواعها، قبل أن يغادر الحكم تحت ضغط الشارع والعدالة، تاركا وراءه ألغاما وعقبات.
ومع أنه مضى 12 عاما على رسقوط نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من استرجاع الأموال المنهوبة المودعة في البنوك الأجنبية.
وما يعقد الأمور هو أنه في تمام منتصف الليلة (31 أغسطس/آب) تنتهي المدة القانونية لتجميد أموال عائلة بن علي وأقربائه في البنوك السويسرية، ما سيمكنهم من استرجاعها، وفق ما أعلن عنه الرئيس التونسي قيس سعيد الإثنين.
وأشار قيس سعيد إلى أن آخر موعد لتقديم هذه المطالب هو نهاية شهر أغسطس/آب الحالي، وقال إن "أي تأخير يمكن أن يستفيد منه من نهبوا أموال الشعب التونسي على مدى عقود من الزمن".
وطالب سعيد بالتقدم بشكاوى جديدة "ضدّ كل من استولى على مقدّرات الشعب التونسي بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011"، في إشارة لإخوان تونس الذين وضعوا أيديهم على أملاك عائلة بن علي.
ولفت إلى أنه "كان من المفترض تقديم مطالب التأجيل منذ مدّة، لا قبل يومين من انتهاء الموعد القانوني".
وتطرق الرئيس التونسي إلى" الإجراءات المطوّلة والشروط غير البريئة للدول والمصارف التي توجد بها الأموال المنهوبة"، وقال "بعضها يريد حكما حضوريا ضدّ المتهمين، في حين أنها تعلم علم اليقين أنهم فارون بالخارج".
ولاحقا، دعا سعيد إلى تكثيف العمل الدبلوماسي لاسترجاع أموال الشعب التونسي المنهوبة في الخارج، وذلك خلال لقائه نبيل عمار وزير الخارجية التونسي.
وقال سعيد إن "استرجاع الأموال المنهوبة لا يكون على المستوى الثنائي فحسب، بل أيضا في إطار كل المنظمات الدولية والإقليمية وبالتنسيق مع الدول التي عانت شعوبها على مدى عقود من الزمن من نهب ثرواتها ومن الاستيلاء على المال العام وتحويل المليارات إلى مصارف في الخارج (دون تسميتهم)".
وللإشارة فإنه لا توجد أرقام رسمية عن حجم الأموال المهربة، حيث يقدر فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس هذه الأموال بنحو 23 مليار دولار.
بينما صرح قيس سعيد بأن "قيمة الأموال المنهوبة من البلاد تقدر بـ13.5 مليار دينار (نحو 5 مليارات دولار)، "ويجب إعادتها في مقابل صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها".
وفي مارس/آذار 2022، أصدر قيس سعيد مرسوما رئاسيا يتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة، ممن أسماهم بـ"المدانين بنهب أموال الشعب التونسي".
وأوضح حينها أن "عدد الذين نهبوا أموال البلاد 460 شخصا وفق تقرير صدر عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد"، دون تسميتهم.
"عبث إخواني"
في قراءته للموضوع، يرى حسن التميمي، الناشط والمحلل السياسي التونسي، أن هذا الملف في غاية من الصعوبة وقد كان الحل بالنسبة لتونس للخروج من أزمتها الاقتصادية.
ويقول التميمي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن تلك الأموال لو استرجعتها تونس "كان يمكن أن تغنيها عن القرض من صندوق النقد الدولي الذي تطمح لنيله دون أن تتم الموافقة عليه".
وأضاف أن "ملف استرجاع الأموال المنهوبة يتطلب فريقا قانونيا ملما بالقوانين الدولية والمعاهدات وعمليات غسل الأموال، وتونس في هذه الحالة مطالبة بإجراء تحقيقات قضائية داخلية، يقع بموجبها تقديم الأدلة والوثائق للدول التي هُرِّبت إليها الأموال".
وأشار إلى أنه "باعتبار أن المهلة المحددة قد انتهت إلا أنه يمكن للعمل الدبلوماسي أن يزيد في مدة تلك الآجال".
وأكد أن "سرية العمل المصرفي في كثير من الدول، مثل سويسرا، تمنع الوصول إلى أسماء وعناوين المودعين، إلا إذا عمدت الحكومة التونسية إلى استحصال قرارات قضائية في المحاكم الدولية معززة بالأدلة والوثائق".
وأشار إلى أن "إخوان تونس عبثوا بهذه الملفات وكانوا متواطئين"، مضيفا أن الأملاك المصادرة لعائلة بن علي تم بيعها بأبخس الأثمان واستفاد منها الإخوان وعائلاتهم وحلفاؤهم حيث تم بيع قصر "خليج الملائكة" لزين العابدين بن علي والذي يحوي على 59 غرفة ومبنى على 13800 مترا مربعا بـ7 ملايين دولار، مع أن قيمته تقدر بأضعاف ذلك".
وشدد على أن قيس سعيد سبق أن أقر بأنه لم يدخل أي مليم من سعر بيع هذا القصر إلى خزينة الدولة.
تواطؤ
من جهة أخرى، أعرب البرلماني التونسي بدر الدين القمودي عن انتقاده الشديد لطريقة تعاطي الدولة التونسية مع ملف الأموال المنهوبة.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، قال بدر الدين القمودي إن "الإدارة (الدولة) التونسية متواطئة في هذا الملف باعتبار أن هناك أشخاصا يتمعشون منه"، متحدثا عن عدم وجود متابعة للملفات وعن سوء اختيار للمُكلفين بهذه الملفات.
وربط هذا الملف بملف مراجعة التعيينات في المؤسسات الحكومية التونسية، داعيا إلى ضرورة مراجعة التعيينات منذ 2011 إلى اليوم.
وأكد القمودي أن مؤسسات على غاية من الأهمية في الدولة يترأسها أشخاص من منعدمي الكفاءة والذين لا خبرة لهم أبدا.
وسبق أن اعتبرت الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة لـ"هيئة الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين أن "تعدد الجهات المتداخلة في ملف استرجاع الأموال المنهوبة وغياب التنسيق بينها أدى إلى عدم تحقيق تقدم في مسار استعادة تلك الأموال"، مشيرة إلى أن "قيس سعيد غير مسؤول عن ذلك".
واعتبرت بن سدرين، في تصريحات إعلامية، أن "أكبر إخفاق في الملف كان من قبل القطب القضائي المالي"، مضيفة أن "الأموال غير المجمدة أكبر بكثير من الأموال التي جرى تجميدها".