إسقاط الجزائر مسيّرة يفجر أزمة بينها وبين دول الساحل

دخلت الجزائر في أزمة مع دول الساحل على خلفية حادثة الطائرة المسيرة التي أسقطها الجيش الجزائري مطلع الشهر الجاري، حيث قررت حكومات كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو استدعاء سفرائها المعتمدين في الجزائر للتشاور، وردت الجزائر بغلق المجال الجوي من مالي وإليها.
ويُظهر التصعيد، في حادث عرضي من السهل تطويقه، وجود توتر أشمل يتعلق بالدور الخارجي، وخاصة الدعم الذي تتلقاه مالي من روسيا، ما يزعج الجزائر ويدفعها إلى رد الفعل، لكن من دون توجيه انتقادات علنية لموسكو.
وكشفت وزارة الخارجية الجزائرية عن تسجيل انتهاكات لسيادتها الترابية من طرف الجيش المالي في مناسبتين سابقتين، وأن البيانات التي تحوزها وزارة الدفاع تؤكد على أن عملية إسقاط الطائرة المسيرة لم تتم إلا بعد تكييف اختراقها الثاني -في العملية نفسها- للمجال الجوي الجزائري كهجوم مسلح.
وأعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو في بيان مشترك أن “هيئة رؤساء تجمّع دول الساحل قرّرت استدعاء سفراء الدول الأعضاء المعتمدين في الجزائر للتشاور،” وهو ما يعيد توتر العلاقات مع هذه البلدان، وخاصة مع مالي التي تشهد العلاقة معها تذبذبا بسبب إصرار المجلس العسكري الحاكم على التصدي للأزواديين حلفاء الجزائر، مستعينا بالمرتزقة الروس.
وأعلن المجلس العسكري في مالي عن إجراءات احتجاجية أخرى ضد الجزائر، من بينها الانسحاب الفوري من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهي تحالف في منطقة الساحل لـ”مكافحة الإرهاب” يضم الجزائر، وتقديم شكوى إلى الهيئات الدولية “بسبب أعمال عدوانية.”
وقررت الجزائر التعامل مع ذلك بالمثل، باستدعاء سفيريها في مالي والنيجر وإرجاء التحاق سفيرها ببوركينا فاسو، وأعابت على نيامي ووغادوغو انجرارهما وراء مزاعم السلطة العسكرية في باماكو، والتي وصفتها لأول مرة بـ”الطغمة العسكرية”.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية إن “الاتهامات الخطيرة التي وجهتها الحكومة الانتقالية في مالي باطلة ولا تمثل إلا محاولات بائسة ويائسة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع للمشروع الانقلابي الذي لا يزال قائما والذي أدخل مالي في دوامة من عدم الأمن والاستقرار والخراب والحرمان.”
وتتهم مالي الجزائر بأنها تقيم اتصالات مع “مجموعات إرهابية”، لاسيما في المنطقة الحدودية حيث تكبّد الجيش المالي خسائر فادحة في نهاية يوليو.
الخارجية الجزائرية لمحت إلى مجموعة فاغنر الروسية التي استعانت بها النخب العسكرية الحاكمة في دول الساحل، الأمر الذي يعيد الخلاف الجزائري – الروسي إلى الواجهة
لكن الجزائر اعتبرت أن “مزاعم الحكومة المالية اليائسة بخصوص وجود علاقة بين الجزائر والإرهاب تفتقر إلى الجدية، إلى درجة أنها لا تستدعي الالتفات إليها أو الرد عليها.”
وشدد بيان الخارجية الجزائرية على أن “التهديد الأول والأخطر الذي يتربص بمالي يتمثل اليوم في عجز الانقلابيين عن التصدي الحقيقي والفعال للإرهاب، إلى درجة إسناد ذلك إلى المرتزقة الذين طالما عانت منهم القارة الأفريقية في تاريخها المعاصر.”
وتلمّح الخارجية الجزائرية إلى مجموعة فاغنر الروسية التي استعانت بها النخب العسكرية الحاكمة في دول الساحل، الأمر الذي يعيد الخلاف الجزائري – الروسي إلى الواجهة، حول دور مسلحي المجموعة في تهديد أمن وسلامة الجزائر والإقليم، وهو ما كان محل نقاشات عديدة بين مسؤولين سامين في الدولتين.
ومن الواضح أن الجزائر منزعجة من دعم روسيا للدول الثلاث، وهو ما قد يكون دفع هذه الدول إلى التصعيد باستدعاء السفراء واتهام الجزائر بالوقوف وراء إسقاط المسيرة المالية عن عمد.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد المحادثات مع نظرائه من مالي وبوركينا فاسو والنيجر الخميس الماضي إن بلاده على استعداد للمساعدة في تعزيز جيوش هذه الدول وقواتها الأمنية.
وأشار إلى أن روسيا ستساعد دول الساحل على تشكيل قوة عسكرية مشتركة من خلال تقديم “خدمات استشارية”، منوها إلى أن “عددا كبيرا” من المدربين العسكريين الروس يعملون هناك بالفعل.
ويؤكد هذا التقارب أن القلق الجزائري ما زال قائما حول الدورين الروسي والتركي، وهو ما يشجع مالي على تحدي الجزائر خاصة طلبها عدم اقتراب العمليات المسلحة من المناطق الحدودية إلى أقل من 100 كيلومتر، وإصرار الجيش المالي على ملاحقة الفصائل الأزوادية على مسافة صفر في بعض الحالات بدعوى محاربة الإرهاب.
وقدمت الجزائر لأول مرة منذ وقوع الحادثة تفاصيل جديدة تتعلق بظروف العملية وملابساتها، حيث ذكرت الخارجية الجزائرية أنها تضيف معطيات جديدة إلى ما جاء في بيان وزارة الدفاع، حول قيام قوات الدفاع الجوي عن الإقليم بإسقاط طائرة مالية دون طيار.
وأضافت “انتهاك المجال الجوي الجزائري من قبل طائرة مالية دون طيار ليس الأول من نوعه، فقد سُجل ما لا يقل عن حالتين مُماثلتين في غضون الأشهر القليلة الماضية، حيث تم تسجيل الانتهاك الأول بتاريخ 27 أغسطس 2024 والانتهاك الثاني بتاريخ 29 ديسمبر 2024. ووزارة الدفاع الوطني تحوز على كافة البيانات التي توثق هذين الانتهاكين..
وتابعت “في ما يتعلق بالحادث الذي وقع ليلة 31 مارس إلى 01 أبريل 2025، فإن جميع البيانات المتوفرة في قاعدة بيانات وزارة الدفاع الوطني، بما في ذلك صور الرادار، تُظهر انتهاك المجال الجوي الجزائري لمسافة 1.6 كم بالتحديد في الدقيقة الثامنة بعد منتصف الليل، حيث اخترقت الطائرة دون طيار المجال الجوي الجزائري، ثم خرجت قبل أن تعود إليه في مسار هجومي.”
وقالت “أدى دخول الطائرة المالية دون طيار إلى المجال الجوي الجزائري وابتعادها ثم عودتها الهجومية إلى تكييفها كمناورة عدائية صريحة ومباشرة. وبناء عليه، أمرت قيادة قوات الدفاع الجوي عن الإقليم الجزائرية بإسقاطها.”
وكانت مالي قد ذكرت أن نتائج التحقيقات الأولية حول إسقاط مسيرة تابعة لقواتها المسلحة تظهر أنها “سقطت بفعل عمل عدائي متعمد من قبل النظام الجزائري وقع داخل الحدود المالية، وهو ما دفع بسلطات باماكو إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية تصعيدية، شملت سحب السفير المالي من الجزائر وتقديم شكوى إلى الهيئات الدولية المختصة.”٨
وقالت إن “الطائرة المسيرة التي كانت تقوم بمهمة استطلاعية رصدت اجتماعا لعناصر إرهابية ذات مستوى عال، فقدت الاتصال بها داخل الأراضي المالية، قبل أن يُعثر على حطامها على بعد 9.5 كيلومتر فقط من الحدود الجزائرية، بينما الجزائر أفادت بأن الطائرة اخترقت مجالها الجوي للجزائر بمسافة كيلومترين.”