يوافق الـ24 من فبراير 2024، الذكرى الثانية للحرب الأوكرانية التي تطلق عليها روسيا "العملية العسكرية الخاصة"، وتُصر أن تستمر حتى تحقق جميع أهدافها، المتمثلة في "ضمان حيادية أوكرانيا، و"اجتثاث النازية" منها، وضمان أمن سكان المناطق التي أصبحت جزءاً من أراضيها بعد استفتاء عام 2022، وحمايتهم من الهجمات المباشرة وإنقاذ حياتهم"، بحسب مسؤولين روس.
وتشير تقارير يومية لوزارة الدفاع الروسية عن الحرب إلى أن الجيش يواصل زحفه في محاور عدّة، حيث يصد هجمات للقوات الأوكرانية، ويسقط صواريخها وطائراتها المسيَّرة، كما يدمر معدات عسكرية قدَّمها الغرب إلى كييف.
وتعتبر موسكو أن هجوم كييف المضاد الذي بدأ في يونيو الماضي "فشل"، فيما برر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ذلك بـ"انعدام القدرة على ضبط الأجواء".
في حين رأى الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بترايوس، أن كييف لم تتمكن من تحقيق اختراق خلال "الهجوم المضاد" بسبب التأخير في توريد الأسلحة الغربية.
زيلينسكي يتعهد بـ"هزيمة" روسيا
وعلى الجانب الأوكراني تعهد الرئيس فولوديمير زيلينسكي، السبت، بـ"هزيمة" روسيا، مع دخول الحرب عامها الثالث، فيما تواصل القوات الأوكرانية القتال على الرغم من تراجع المساعدات الغربية، وبينما تحقق القوات الروسية مكاسب ميدانية جديدة.
وفي كلمة ألقاها بمطار جوستوميل العسكري قرب العاصمة كييف التي شهدت معركة مع القوات الروسية في الأيام الأولى للغزو، قال زيلينسكي: "نقاتل من أجل ذلك، منذ 730 يوماً من حياتنا، وسننتصر، في أفضل يوم من حياتنا"، فيما واصل رئيس وزرائه دينيس شميهال، تأكيده أن الهجوم مستمر، على الرغم من عدم تحقيق النتائج المتوقعة، وفق مراقبين.
وكان العام الثاني من الحرب شاهداً على تغيير لهجة ممثلي حلف شمال الأطلسي (الناتو) والذي أعلن أمينه العام ينس ستولتنبرج، أن الجيش الأوكراني بات الآن في وضع صعب جداً على الجبهة، وذلك جراء عدم تزويد أوكرانيا بذخائر كافية.
حرب المسيَّرات
وفي حصيلة ميدانية، تعلن روسيا يومياً إسقاط مسيَّرات أوكرانية، ليس فقط فوق أراضي المناطق التي تدور فيها الأعمال القتالية، بل وفي مناطقها الحدودية مثل بيلجورود وكورسك وبريانسك، إلى جانب تلك التي تتمكن من التحليق إلى العمق الروسي، وبدورها تتحدث أوكرانيا عن إسقاط واعتراض مسيَّرات روسية عديدة.
فيما زادت القوات الروسية من استخدام الطائرات المسيَّرة بمختلف الطرازات على جبهات القتال، كما استمرت في إدخال أنواع جديدة من الأسلحة في العمليات القتالية، بحسب هيئة الأركان العامة.
ومن أبرز الأسلحة التي يستخدمها الجيش الروسي أو يختبرها لدخول الخدمة، "القنابل الموجهة" Glide Bombs، كما تم اختبار دبابة T-14 Armata، بالإضافة إلى دبابات T-90M Model Proryv-3 المعدلة، وT-72B3M، و T-80BVM، كما يستخدم منظومة الصواريخ بعيدة المدى S-400 missile system، والتي يرجح الداخل الروسي أن تصبح إحدى الوسائل الرئيسية لتدمير مقاتلات F-16.
أعلن مسؤولون روس، انتهاء اختبارات الطائرة المسيرة الهجومية الشبحية Okhotnik-B، ودخولها مرحلة الإنتاج، خلال أشهر.
كما حصلت القوات الروسية على نماذج معدلة من مركبات Terminator القتالية المخصصة لدعم الدبابات، والتي جُهّزت بوسائل حماية إضافية في المكان الذي تقع فيه أجهزة الرؤية الخاصة بقائد المدرعة، وكذلك في مكان وجود قاذفات القنابل، إلى جانب أنواع مختلفة من الأسلحة.
وكثيراً ما اتهم الغرب، إيران وكوريا الشمالية بتقديم مساعدة عسكرية لروسيا، عبر تزويدها بمسيَّرات وصواريخ وأسلحة، وهو ما تنفيه موسكو بشكل متكرر.
وقال الخبير العسكري الروسي أناتولي ماتفيتشوك لـ"الشرق"، إن موسكو وطهران تجمعهما شراكة في مجالات عديدة، بما في ذلك التعاون العسكري التقني المتوافق مع القانون الدولي، معتبراً أن "هذا لا يعني أن هناك دولاً تساعد روسيا على جبهات القتال".
جغرافيا الجبهة في أوكرانيا
وكان العام الثاني من النزاع العسكري شاهداً على معارك مطولة، إذ حسم الجيش الروسي مصير مدن باخموت (أرتيوموفسك بالروسية) وبعدها ماريينكا، ثم مؤخراً أفدييفكا.
واكتسبت باخموت أهمية استراتيجية محدودة، بسبب طول أمد المعارك حولها التي بدأت في صيف عام 2022 وانتهت في مايو الماضي، لكن الوضع مختلف في ماريينكا وأفدييفكا نظراً لأهميتهما الاستراتيجية، إذ تعتبر روسيا أن السيطرة عليهما تعني أن هناك فرصة لإبعاد القوات الأوكرانية عن مدينة دونيتسك، وحمايتها بشكل أكثر فاعلية من نيران كييف.
أما أفدييفكا، فكانت البلدة الأكثر تحصيناً، لكنها سقطت في قبضة الجيش الروسي قبل نحو أسبوع من الذكرى الثانية للحرب الأوكرانية.
وعلى الرغم من الإصرار المعلن لقادة غربيين على ضرورة هزيمة روسيا استراتيجياً في أوكرانيا، وضرورة الاستمرار في دعم كييف حتى تنتصر على موسكو، اعتبر العضو المراسل في الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية وأستاذ العلوم العسكرية قسطنطين سيفكوف، أن "العام الثاني من النزاع انتهى بهزيمة كبيرة للغرب على أراضٍ أوكرانية".
وأوضح سيفكوف لـ"الشرق"، أنه "على مدى عامين حاول الغرب تدمير الاقتصاد الروسي، وزعزعة وحدته من الداخل بشتى الطرق، ومحاولة خلْق صدام بين السلطة والشعب، كما حاول إلحاق هزيمة بروسيا على جبهات القتال، لكن لم يحرز نجاحاً في هذا"، لافتاً إلى أن "ضخ الغرب لمبالغ كبيرة وأسلحة، إضافة إلى خسارة أرواح كثيرة لدى الجانب الأوكراني، لم يكن في صالحه، وكان بلا نتيجة".
وتابع: "هدف الغرب كان الإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفرْض السيطرة على السلطة بأيادي الدُّمَى التي يمكن التحكم بها".
من جهته، يرى الخبير العسكري أناتولي ماتفيتشوك، أنه "بعد عام من محاولات موسكو إقناع كييف بتسوية الصراع دون جدوى، لم يبق أمامها إلا خيار إعادة صياغة تكتيكها العسكري".
وأضاف ماتفيتشوك لـ"الشرق"، أنه "خلال العام الأول (من الحرب) حاولت موسكو إقناع كييف بالتخلي عن السلاح وأن تكون جارة حسنة، لكنها فشلت في هذا، واليوم نرى أن روسيا أعادت النظر في موقفها من الغرب، كما أعادت تقييم تعاملها مع أوكرانيا".
وأشار إلى أن "موسكو اختارت المضي قدماً لتحقيق النصر على الأرض وبلوغ أهدافها"، معتبراً أن "ما حصل في أفدييفكا مؤخراً أظهر أن روسيا غيَّرت تكتيكها بشكل ملحوظ وأصبحت زمام المبادرة بين يديها".
"فاجنر" باتت من الماضي
ومع تداول تقارير عن خسائر روسيا في أوكرانيا في سبتمبر 2022، عبَّر قائد مجموعة "فاجنر" العسكرية الروسية الخاصة الراحل يفجيني بريجوجين للرئيس الروسي بوتين عن مخاوفه بشأن إدارة الكرملين للحرب، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في ذلك الوقت.
وزادت الخلافات بين بريجوجين والقيادة العسكرية المتمثلة في وزير الدفاع سيرجي شويجو، ورئيس هيئة الأركان فاليري جيراسيموف، خلال معارك السيطرة على باخموت.
وشنَّ بريجوجين، حينها هجوماً حاداً على مسؤولي وزارة الدفاع الروسية، محذراً من أن قواته ستنسحب من باخموت بسبب نقص الذخيرة.
وجاء بعدها رفضه لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية، وما تلاه من محاولة "تمرد مسلح" فاشلة على العاصمة موسكو.
وتدخَّل حينها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ونقل قوات "فاجنر" إلى بلاده، وفي أعقاب ذلك، أغلقت روسيا جميع مكاتب المجموعة لديها.
وطويت صفحة هذه المجموعة في روسيا، لتصبح "فاجنر" ومؤسسها بريجوجين من الماضي، بعدما لقي حتفه إثر تحطم طائرته في أغسطس الماضي، بالقرب من العاصمة موسكو.
إنتاجية المجمع الصناعي العسكري
لم تركز الصناعة العسكرية لروسيا خلال عام 2023 ،كثيراً على تطوير أحدث أنظمة الأسلحة، بقدر التركيز على زيادة حجم إنتاج المعدات لتلبية احتياجات البلاد.
وبفضل توسيع الإنتاج ونقل المؤسسات إلى وضع التشغيل بـ3 مناوبات، تلقت القوات البرية 1530 دبابة جديدة، و2518 مركبة قتال مشاة وناقلات جنود مدرعة، إلى جانب دخول نحو 540 ألف عسكري الخدمة بموجب عقود في 2023، ما سمح بتشكيل جيش احتياطي يتكون من 6 فرق، وفق بيانات رسمية روسية.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي ومدير معهد المجتمع الجديد في موسكو فاسيلي كولتاشوف، أن "الطلبية الحكومية من المجمعات الصناعية دفعت الإنتاج العسكري نحو الانتعاش والنمو بشكل ملحوظ، فالأموال التي صرفت ستسترجع في نمو الاقتصاد".
وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أنه، ومنذ بدء النزاع الأوكراني، زاد إنتاج الطائرات المسيَّرة بنحو 17 مرة، والذخيرة بـ17.5 مرة، والدبابات بـ6 مرات.
قُدرت صناعة الدبابات السوفيتية، طوال معظم فترة الحرب الباردة، بأنها أكبر من تلك الموجودة في دول العالم مجتمعة، حيث بلغ إنتاجها أكثر من 4000 مركبة سنوياً.
ويرى الخبير العسكري سيفكوف، أن "هناك تطوراً إيجابياً كبيراً للمجمع العسكري الصناعي الروسي، إذ أنه على مدى فترة زمنية طويلة كان يعاني من مشاكل في عدم فهم ضرورة تطويره، لكن الأمر تغيَّر مؤخراً".
وتابع: "المجمع الصناعي العسكري تطور بوتيرة نشطة جداً، رغم أنه على مدى فترة زمنية طويلة كانت هناك مشاكل في عدم فهم ضرورة تطويره، واستمر هذا لنحو 25 عاماً".
وبيّن سيفكوف أن "روسيا تمكنت اليوم من تطوير المجمع لزيادة وتيرة إنتاجه العسكري بمرات عديدة، خاصة لأحدث أنواع الأسلحة وتلك التي لا توجد لدى الدول الغربية".
الميزانية العسكرية الروسية
وزادت الحكومة الروسية الإنفاق الدفاعي ضمن الميزانية الفيدرالية لعام 2024 بنحو 68%، واعتبر الكرملين أن هذه الخطوة "ضرورية للغاية" ولها ما يبررها، وترتبط بـ"العملية العسكرية الخاصة" المتواصلة، والحرب التي وصفها بـ"الهجينة" التي تُشن ضد روسيا.
فيما يرى الخبير الاقتصادي ومدير معهد المجتمع الجديد في موسكو فاسيلي كولتاشوف، أن الزيادة في الإنفاق الدفاعي لن تتوقف مع انتهاء الحرب الأوكرانية، بل ستستمر في الزيادة.
وأوضح كولتاشوف، لـ"الشرق" أن هذا "يعني أن حصة الإنفاق العسكري الحالية لن تكون لفترة قصيرة، خاصة أن المخاطر لا تنتهي، فبعد انتهاء مشكلة أوكرانيا من المتوقع أن تظهر مشاكل أخرى، ليس في أوروبا المجاورة فقط، بل في مناطق أخرى".
وفي الوقت نفسه، يرى الخبير الاقتصادي أن "زيادة الإنفاق الدفاعي لن تؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي، فهذه الأموال ستتحول إلى أداة محفزة للاقتصاد".
وأردف بقوله إن "أموال الجنود المتعاقدين مع الجيش تتحول إلى أداة محفزة لاقتصاد البلاد، فخلال عام 2023 انضم نحو نصف مليون شخص لصفوف القوات الروسية من خلال إبرام عقود مع وزارة الدفاع، إذ يحصلون شهرياً على نحو 204 آلاف روبل (ما يعادل 2200 دولار)".
وتابع: "نتحدث عن رجال من الأقاليم البعيدة عن موسكو وسان بطرسبورج، فهم يحصلون على أموال أكثر من تلك التي كان يمكنهم الحصول عليها إذا عملوا في مناطق عيشهم.. وتصبح هذه الأموال أداة محفزة للاقتصاد هناك".