توجه نائب رئيس الوزراء البريطاني أوليفر دودن إلى الإمارات الأسبوع الماضي في رحلة سرية تهدف إلى إصلاح العلاقات الدبلوماسية التي بلغت أسوأ حالاتها منذ سنوات بسبب حملات بريطانية لا مسوغ لها واقعيّا ولا تتماشى مع حجم العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، فيما تجنبت الإمارات الرد على تلك الحملات.
ونُظّمت الزيارة بعد إحباط المسؤولين الإماراتيين المتزايد من تعليقات سياسيين بريطانيين حول محاولة مرتبطة بأبوظبي لشراء صحيفة التلغراف.
وتعاملت الحكومة البريطانية بالحد الأدنى من الكياسة في موضوع التلغراف وفاقم نواب من المحافظين المشكلةَ باستخدام لغة غير دبلوماسية على الرغم من أن أبوظبي تستثمر في بريطانيا بناءً على طلبات ملحة من البريطانيين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه التشنجات في العلاقات بين البلدين؛ إذ سبق أن تسببت استضافة بريطانيا للإخوان ودعايتهم، وتسجيل ما يعد موقفا معاديا في “بي بي سي عربي”، في تأزم العلاقات بينهما.
بريطانيا تعاملت بالحد الأدنى من الكياسة في موضوع التلغراف واستخدم نواب محافظون لغة غير دبلوماسية
وتزامنت التوترات مع سعي بريطانيا لجذب مليارات الجنيهات من الاستثمارات الإماراتية الجديدة ضمن مسعاها لتجاوز أزمة ما بعد بريكست.
وذكر مسؤولون ومحللون من بريطانيا والإمارات أن أبوظبي فوجئت بالمس من العلاقة الإستراتيجية المهمة بين البلدين، في سياق معارك داخلية ومن سياسيين بريطانيين يحاولون التغطية على أزماتهم والظهور أقوياء محليا على حساب الإمارات.
وأدرك كبار السياسيين البريطانيين أن عداء المملكة المتحدة لصفقة التلغراف قد تتسبب في توتّر العلاقات بين البلدين.
وقالت كيمي بادينوش، وزيرة الأعمال والتجارة البريطانية، لصحيفة فاينانشال تايمز إن السياسيين “غالبا ما يكونون متهورين بشأن الطريقة التي يتحدثون بها عن البلدان الأخرى… ربما قيل الكثير من الأشياء التي لم تكن دبلوماسية جدا عن الإمارات… هناك دروس يمكن تعلمها حول كيفية العمل الأفضل”.
لكن مسؤولين ومحللين من الجانبين قالوا إن سلسلة التصدعات الأخيرة جعلت العلاقات في أسوأ حالاتها منذ 2018، وأنه كان على حكومة ريشي سوناك أن تتحرك لتطويق هذا التدهور والحفاظ على مصالحها مع أبوظبي.
وشكلت زيارة دودن أحدث تحرك في جهد منسق لإصلاح العلاقات. وقال مكتب مجلس الوزراء البريطاني إن دودن ناقش “تعميق علاقاتنا الدبلوماسية والاستثمارية وتعزيزها”.
وقبل أسابيع التقى وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض.
ومنعت حكومة المحافظين الحاكمة في المملكة المتحدة عملية استحواذ بقيمة 600 مليون جنيه إسترليني على مجموعة تلغراف الإعلامية، مثيرة مخاوف بشأن الأمن القومي البريطاني، في سابقة مثيرة للتساؤلات خاصة أن الحكومة البريطانية لم تتحرك سابقا لتعطيل استحواذ شركات وجهات أخرى على وسائل إعلام بريطانية، ما بدا موقفا سلبيا تجاه الإمارات.
ولاحقا أعاقت الحكومة البريطانية استحواذ مجموعة الإمارات للاتصالات على حصة 14.6 في المئة من شركة فودافون وقالت إن الحصة تمثل خطرا على الأمن القومي بخصوص العقود الحكومية والأمن الإلكتروني.
وتزامنت عرقلة الصفقتين مع صدور تقريرين بريطانيين يوجهان اتهامات للإمارات، الأول تقرير من “بي بي سي” يتعلق باغتيالات مزعومة في اليمن ويتصل الثاني بتسليح قوات الدعم السريع في السودان، وهو ما يعكس وجود حملة تشويه ضد أبوظبي من دون تحسب لتأثير ذلك على المصالح المشتركة، فيما اكتفت الحكومة البريطانية بالمراقبة ولم تسع لكبح جموح السياسيين المحافظين الذين يتبعون حزب رئيس الوزراء.
أبوظبي فوجئت بالمس من العلاقة الإستراتيجية المهمة بين البلدين، في سياق معارك داخلية من سياسيين بريطانيين يحاولون الظهور أقوياء محليا على حساب الإمارات
وضمن مساعي التهدئة قالت وزارة الخارجية البريطانية إن علاقة وطيدة تجمع المملكة بالإمارات العربية المتحدة، وأكدت أنها ملتزمة بالعمل عن كثب مع أبوظبي في مجموعة من القضايا، ولكن لا يُعرف إلى أي مدى ستقدر حكومة سوناك على الإيفاء بذلك.
ويأتي القلق المتزايد من سلوك المملكة المتحدة بينما ترتفع منزلة الإمارات باعتبارها قوة عربية يتنامى تأثيرها إقليميّا ودوليّا، وتبدو مهمة أكثر بالنسبة إلى البريطانيين الذين يكافحون للحصول على استثمارات من الصناديق السيادية الخليجية.
وقال عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، “كانت المملكة المتحدة في المراكز الخمسة الأولى، وربما حتى من الثلاثة الأوائل ضمن حلفاء الإمارات وشركائها منذ تأسيس هذه الدولة. وتغيرت الأمور على مدى نصف القرن الماضي، فالإمارات أصبحت قوة إقليمية صاعدة… وتبدو المملكة المتحدة عالقة في الماضي، غير مدركة لوجود دولة إماراتية جديدة”.
ويرى بعض المحللين أن على بريطانيا إبداء ندمها هذه المرة من أجل تجنب تصعيد الموقف مع الإمارات.
وقال عبدالله “يجب أن تفهم المملكة المتحدة أن عليها أن تأخذ الإمارات على محمل الجد عندما تكون غاضبة. ربما حان وقت تنظيم المملكة المتحدة لزيارة اعتذار”.