قال ياسر العطا، عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة في السودان، إن بلاده ستبرم اتفاقيات قريبا مع روسيا، في خطوة توحي بأن الخرطوم وموسكو ينفذان اتفاقا سابقا لإقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، وهو ما سيزيد من تعقيد الوضع في هذا الممر البحري الإستراتيجي الذي يعيش حالة قصوى من التوتر بسبب هجمات الحوثيين على السفن.
وإن كان العطا سعى للتقليل من الاتفاق بالقول إن روسيا لم تطلب سوى إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة، فإن مراقبين يرون أن الأمر مجرد تمويه، وأن روسيا لا يمكن أن تقبل بوجود شكلي في منطقة يتنافس العالم لأجل موطئ قدم فيها.
وبعد أن ثبتت وجودها على المتوسط، تعمل روسيا على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط من خلال قاعدة جديدة على البحر الأحمر.
وعلى العكس من قاعدة حميميم في سوريا، حيث يبقى الوضع الروسي في نطاق السيطرة بحكم تواجد قوى أوروبية مهمة وتركيا، فإن الوضع في البحر الأحمر هش أمنيا إلى درجة إتاحة الفرصة لعربدة إيرانية – حوثية في المنطقة أدت إلى توجيه ضربة كبيرة لهذا الممر التجاري البحري المهم.
كما أن الجيش السوداني بهذا الاتفاق سيدخل روسيا كطرف فاعل في الصراع الداخلي بينه وبين قوات الدعم السريع، وكذلك الصراع الإقليمي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي.
وقال العطا إن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان “سيوقع على اتفاقيات مع روسيا قريبا”.
ووقعت الدولتان اتفاقا لإقامة قاعدة بحرية في عهد الرئيس السابق عمر البشير، لكن قادة الجيش قالوا في وقت لاحق إن هذه الخطة قيد المراجعة ولم تنفذ قط.
وقال اللواء كمال إسماعيل، وهو أحد قادة الجيش السابقين وعضو قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، إن توقيع اتفاقية عسكرية مع روسيا يتطلب سلطة شرعية متفقا عليها من جميع السودانيين وفي حالة الحرب يصعب الوصول إلى مثل هذه التفاهمات التي لا يتم الاعتراف بها دوليا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الجيش ليس من سلطته تعديل الوثيقة الدستورية التي جرى وضعها على أساس التوافق، ومن الصعب إدخال تعديلات تخدم اتجاهه نحو الذهاب لتوقيع اتفاقيات دولية، وثمة جناح داخله يرفض مثل هذه التوجهات في ظل مساع لتهدئة العمليات العسكرية تمهيداً للحل السياسي المنتظر، وهو ما يجعل الحديث عن إبرام اتفاق مع روسيا بمثابة أقاويل قد لا تنفذ على أرض الواقع.
ويسمح الاتفاق لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية تضم ما يصل إلى 300 جندي روسي، والاحتفاظ في وقت واحد بما يصل إلى أربع سفن بحرية، بما في ذلك سفن تعمل بالطاقة النووية، في بورتسودان الإستراتيجية على البحر الأحمر.
◄ الجيش السوداني سيدخل روسيا كطرف في الصراع الداخلي، وكذلك الصراع الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن
وستضمن القاعدة وجود البحرية الروسية في البحر الأحمر والمحيط الهندي وتجنيب سفنها الحاجة إلى رحلات طويلة للوصول إلى المنطقة، وفقا لفيكتور بونداريف قائد القوات الجوية الروسية السابق.
وأشار الخبير العسكري اللواء محمد خليل الصائم إلى أن التوصل لاتفاق مع موسكو يعد أمرا واردا في ظل التنافس بين الشرق والغرب على الهيمنة والتواجد على ساحل البحر الأحمر، وأن الاتفاق مع روسيا يظل محل ترحيب داخل دوائر عسكرية ترى بأن الجيش تأخر في حسم الأمر.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن السودان ليس لديه ما يخسره الآن، وفي حال اتجه إلى موسكو فإن خيارات الغرب لعقابه ضعيفة وغير مؤثرة.
وملف القاعدة الروسية دائما ما يخبو ليعود إلى السطح، في ظل تضارب وغموض سوداني حول مصيره، فتارة يُجمّد وأخرى يحتاج إلى المراجعة وثالثة تحتاج الاتفاقية بشأنه إلى موافقة برلمانية، بحسب تصريحات مسؤولين سودانيين.
وقال سيرجي لافروف خلال زيارته إلى السودان قبل أكثر من عام إن بلاده في انتظار موافقة المؤسسات التشريعية (البرلمانية) في السودان على إنشاء القاعدة البحرية.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” وقتها عن اثنين من المسؤولين في السودان أن الجيش أكمل مراجعة اتفاق مع روسيا لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر. وبحسب المسؤولين، فإن الاتفاق ينتظر تشكيل حكومة مدنية وهيئة تشريعية للتصديق عليه قبل أن يدخل حيز التنفيذ.
كمال إسماعيل: توقيع اتفاقية عسكرية مع روسيا يتطلب سلطة شرعية متفقا عليها من جميع السودانيين
كمال إسماعيل: توقيع اتفاقية عسكرية مع روسيا يتطلب سلطة شرعية متفقا عليها من جميع السودانيين
وأفاد المسؤولان أن موسكو لبّت أحدث مطالب السودان، بما في ذلك توفير المزيد من الأسلحة والمعدات.
وقال أحد المسؤولين “لقد أزالوا كل مخاوفنا.. أصبح الاتفاق مقبولا من الجانب العسكري”.
ووفق الاتفاقية، ستقوم روسيا بتزويد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية. ومن المقرر أن يستمر الاتفاق لمدة 25 عاما، مع تمديدات تلقائية لمدة 10 سنوات إذا لم يعترض أيّ من الجانبين.
في مايو 2019 كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين.
وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السادس عشر من نوفمبر 2020 على إنشاء قاعدة بحرية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
وفي التاسع من ديسمبر 2020 نشرت الصحيفة الرسمية الروسية نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لـ”تعزيز السلام والأمن في المنطقة”.
وتنص الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني.
ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.