بينما لا تزال رائحة الدماء والجثث المحروقة تفوح في أرجاء المكان، كشف تحقيق عن استخدام إسرائيل "ذخائر أمريكية" في "مجزرة" رفح الأخيرة
ووفق تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن الضربة الإسرائيلية القاتلة التي استهدفت خيام النازحين في رفح -ليل الأحد الماضي- وأسفرت عن مقتل 45 فلسطينيا، احتوت على ذخائر مصنوعة في الولايات المتحدة.
واعتمدت "سي إن إن" في تحليلها هذا على فيديو من مكان الحادث ومراجعة أجراها خبراء الأسلحة المتفجرة.
وفي وقت سابق، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية روايات مؤلمة لشهود عيان، تحدثوا عن مشاهد مروعة لأجسام متفحمة ووجوه تآكلت وملامح اختفت، جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مخيما للنازحين في حي تل السلطان غربي رفح، المدينة التي فرّ إليها أكثر من مليون فلسطيني من نيران الحرب.
القنبلة الأمريكية "GBU-39"
وبحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في التحليل الذي نشرته "سي إن إن"، أظهرت لقطات حصلت عليها الشبكة مساحات واسعة من المخيم في رفح مشتعلة بالنيران، إذ يحاول عشرات الرجال والنساء والأطفال العثور على غطاء من الهجوم الليلي.
وشوهدت الجثث المحترقة، بما في ذلك جثث الأطفال، في أثناء قيام رجال الإنقاذ بسحبها من تحت الأنقاض.
وقد أثار الهجوم الإسرائيلي المتصاعد على رفح، الذي بدأ مطلع الشهر الجاري، موجة إدانات عربية ودولية، إذ دعت وكالات الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة والحكومات المتعددة إسرائيل إلى وقف هجومها على الفور.
وأمس الثلاثاء، شوهدت الدبابات الإسرائيلية تتقدم أكثر إلى قلب رفح، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية المستمرة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما يشير إلى مرحلة جديدة تمضي بها تل أبيب في هجومها المثير للجدل والمدمر.
وفي مقطع فيديو تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي حددته "سي إن إن" جغرافيا لنفس المشهد بما في ذلك لافتة مدخل المخيم والبلاط الموجود على الأرض، يظهر ذيل قنبلة أمريكية الصنع ذات قطر صغير من طراز GBU-39 (SDB)، وفقا لأربعة خبراء في الأسلحة المتفجرة راجعوا المقطع.
كيف حدد الخبراء هوية القنبلة؟
وقال خبير الأسلحة المتفجرة كريس كوب سميث، للشبكة الأمريكية، إن قنبلة GBU-39، التي تصنعها شركة بوينغ، هي ذخيرة عالية الدقة "مصممة لمهاجمة أهداف ذات أهمية استراتيجية".
وتؤدي هذه القنبلة -بحسب الخبير- إلى أضرار جانبية منخفضة.
ومع ذلك، أوضح كوب سميث، وهو أيضا ضابط مدفعية سابق في الجيش البريطاني، أن "استخدام أي ذخيرة، حتى بهذا الحجم، سيؤدي دائما إلى مخاطر في منطقة مكتظة بالسكان".
تريفور بول، وهو عضو كبير سابق في فريق التخلص من الذخائر المتفجرة بالجيش الأمريكي، هو الآخر حدد الشظية على أنها من قنبلة GBU-39.
وفي حديثه عن كيفية توصله إلى استنتاجه، بيّن بول أن "جزء الرأس الحربي (للذخيرة) متميز، وقسم التوجيه والجناح فريد للغاية مقارنة بالذخائر الأخرى".
مضيفا "غالبا ما تكون أجزاء التوجيه والأجنحة من الذخائر هي البقايا المتبقية حتى بعد انفجار الذخيرة. رأيت قسم التشغيل الخلفي وعرفت على الفور أنه أحد متغيرات SDB/GBU-39".
القنبلة "المميتة"
وخلص بول أيضا إلى أنه على الرغم من وجود نوع مختلف من قنبلة GBU-39 المعروفة باسم الذخيرة المميتة المركزة (FLM) التي تحتوي على حمولة متفجرة أكبر، لكنه مصمم لإحداث أضرار جانبية أقل، فإن الجيش الإسرائيلي لم يستخدمه في تلك الضربة".
وتحتوي القنبلة "المميتة" على رأس حربي مركب من ألياف الكربون ومملوء بمسحوق التنغستن (وهو غير موجود في فيديو من المشهد)”.
كما تطابقت الأرقام التسلسلية الموجودة على بقايا الذخائر مع تلك الخاصة بشركة مصنعة لأجزاء GBU-39 ومقرها كاليفورنيا، ما يشير إلى المزيد من الأدلة على أن القنابل صُنّعت في الولايات المتحدة.
وقد حدد خبيران إضافيان في الأسلحة المتفجرة -ريتشارد وير، باحث كبير في الأزمات والصراعات في هيومن رايتس ووتش، وكريس لينكولن جونز، ضابط مدفعية سابق بالجيش البريطاني وخبير في الأسلحة والاستهداف- الشظية على أنها جزء من القنبلة نفسها.
وردا على طلب لـ"سي إن إن" للتعليق على الذخائر المستخدمة في غارة رفح، بمؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قالت نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون سابرينا سينغ للصحفيين: "لا أعرف نوع الذخيرة المستخدمة في تلك الغارة الجوية. يجب أن أحيلكم إلى الإسرائيليين للتحدث عن ذلك".
ومطلع الشهر الجاري، حجبت الولايات المتحدة شحنة أسلحة إلى إسرائيل، تشمل قنابل تزن 2000 رطل، بسبب مخاوف بشأن سقوط ضحايا من المدنيين.
وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، وفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، واستمر هذا الدعم على الرغم من الضغوط السياسية المتزايدة على إدارة بايدن بشأن الحرب على غزة.
والشهر الماضي، وقع بايدن على مشروع قانون مساعدات خارجية يتضمن 26 مليار دولار، بينها 15 مليارا مساعدات أمريكية لإسرائيل، و9 مليارات مساعدات إنسانية لغزة، و2.4 مليار للعمليات العسكرية الأمريكية الإقليمية.
ولفتت "سي إن إن" إلى أن تحديدها للذخائر يتوافق مع تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري في مؤتمر صحفي حول المأساة يوم الثلاثاء.
وقال هاغاري للصحفيين إن الغارة -التي قال إنها استهدفت كبار قادة حماس- استخدمت ذخيرتين برؤوس حربية صغيرة تحتوي على 17 كيلوغراما من المتفجرات.
مضيفا أن هذه القنابل كانت "أصغر الذخائر التي يمكن أن تستخدمها طائراتنا".
يُشار إلى أن الرأس الحربي التقليدي GBU-39 يمتلك حمولة متفجرة تبلغ 17 كيلوغراما، وفق الشبكة الأمريكية.