لليوم الرابع على التوالي، تتواصل المعارك العنيفة في حي الشجاعية بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حركة حماس، وسط تساؤلات عن أهداف العودة للقتال في شرق مدينة غزة شمالي القطاع، رغم تركيز الجيش على العمليات في رفح جنوبا.
ويعتبر حي الشجاعية من أكبر أحياء مدينة غزة، ويقطنه قرابة 100 ألف فلسطيني، نزح الكثير منهم من جراء تصاعد الاشتباكات خاصة في الأيام الأخيرة.
ويقول محللون عسكريون ومراقبون لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن هناك عددا من الأهداف والأسباب وراء عودة القوات الإسرائيلية للقتال في حي الشجاعية، على رأسها القضاء على ما تبقى من عناصر لحماس هناك، خاصة الذين فروا من رفح خلال الأسابيع الماضية، إلى جانب الاعتقاد بوجود عدد من الرهائن داخل أنفاق الحي أو وسط البنايات السكنية.
ماذا يحدث في الشجاعية؟
الخميس بدأ الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية عسكرية موسعة في حي الشجاعية، مستهدفا بذلك القضاء على "بنية تحتية إرهابية" حسب قوله.
أمر الجيش الإسرائيلي سكان الشجاعية وأحياء أخرى في مدينة غزة بإخلائها، فيما يواصل الغارات وعمليات القصف، الأمر الذي أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن القوات الإسرائيلية تعمل في رفح والشجاعية وجميع أنحاء قطاع غزة، مضيفا أنه "يتم القضاء على عشرات الإرهابيين كل يوم. إنها معركة صعبة نخوضها على الأرض أحيانا عبر قتال بالأيدي، وكذلك تحت الأرض".
أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته قتلت خلال الساعات الـ24 الماضية عددا من المسلحين في الشجاعية، وعثرت على أسلحة وقصفت بنية تحتية عسكرية.
في المقابل، ذكرت حركتا حماس والجهاد أن قتالا عنيفا دار في الشجاعية، وأن مقاتليهما أطلقوا الصواريخ المضادة للدبابات والقذائف على القوات الإسرائيلية هناك، مما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين.
نقلت وكالة "فرانس برس"، عن سيدة مسنة في الشجاعية تدعى سهام الشوا، قولها: "حياتنا أصبحت جحيما. لا نعرف إلى أين نذهب لحماية أنفسنا. كل مكان معرض للقصف".
سر العودة
في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، حدد الخبير العسكري والاستراتيجي محمود محيي الدين أسباب عودة إسرائيل للقتال العنيف والممتد داخل حي الشجاعية، قائلا:
حي الشجاعية يمثل خصما عنيدا للجيش الإسرائيلي، خاصة كتيبة الشجاعية، وهي الكتيبة الوحيدة لقوات حماس التي استطاعت في حرب 2014 أسر عدد من جنود القوات الخاصة الإسرائيلية وقتل عدد منهم.
الشجاعية تمثل القوات الشرقية لكل من محافظة شمال غزة ومحافظة غزة، وبالتالي تعتبر الوحيدة القادرة على تنفيذ عمليات ضد مستوطنات غلاف غزة المحيطة بمنطقة شرق بيت حانون ومجموعة مستوطنات أشكول.
الجيش الإسرائيلي دخل حربا جديدة منذ اجتياح رفح، لأن عناصر المقاومة الفلسطينية استطاعت دراسة أسلوب ومنهج أداء الجيش الإسرائيلي، وبدأت كتائب حماس في العودة لأغلب المناطق، لكن بأسلوب جديد يتعامل بصورة مجموعات صغيرة منفصلة لا مركزية في القرار.
التحول في إستراتيجية حماس تسبب في سقوط خسائر بين صفوف الجيش الإسرائيلي، سواء قتلى ومصابين، فضلا عن قدرة الحركة على استعادة فكرة الحشد وتجنيد شباب جديد وتدريبهم أثناء أعمال القتال.
وجد الجيش الإسرائيلي أن استعادة كتيبة الشجاعية لقدرتها يمثل خطرا داهما على بقاء ووجود عناصره في محور نتساريم، الذي يقسم قطاع غزة إلى نصفين، فضلا عن تداول معلومات عن وجود أسرى في هذه المنطقة.
تعتقد الحكومة الإسرائيلية أن الضغط العسكري على حركة حماس هو الطريقة الوحيدة، إما لتحرير الأسرى مباشرة، أو لوضع حماس في وضع مأزوم يسمح بمزيد من التنازلات في مرحلة التفاوض.
ويتفق هذا الطرح مع ما كشفت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، والتي قالت إن حركة حماس تمكنت من تجنيد "المئات من المقاتلين الجدد" مؤخرا، ودفع الرواتب لهم.
وقالت الصحيفة استنادا إلى تصريحات من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن "عملية الجيش في حي الشجاعية في غزة أظهر أن حركة حماس تمكنت من إعادة دفع الرواتب لمقاتليها، وتجنيد المئات من المسلحين الجدد".
وأضافت أنه "بعد بضعة أيام من القتال في الهجوم المتجدد على الحي شمالي قطاع غزة، أصبح من الواضح إلى أي مدى تمكنت حماس من إعادة ترسيخ وجودها هناك".
ويشدد الخبير العسكري على أنه "لا يمكن القضاء بشكل كامل على حركة حماس أو جناحها العسكري، نظرا لقدرتها على استخدام أيديولوجية المقاومة لحشد عناصر جديدة".
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت الحكومة الإسرائيلية قبل أسابيع، نجاحها في تفكيك "البنية العسكرية" لحماس، بعد ما يزيد على 8 أشهر من الحرب.
الأنفاق وتاريخ الحي
يرى الخبير العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب، أن العودة الإسرائيلية إلى مناطق شمال وشرق القطاع لم تكن فقط داخل حي الشجاعية، بل جرت معارك أيضا في خانيونس وبيت لاهيا وجباليا.
وأوضح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "من الناحية العسكرية، طالما أن إسرائيل لم تثبت القضاء على أنفاق غزة وإنهاء القدرات العسكرية والسياسية، فلا يمكن القضاء على كافة عناصرها، وستظل تقوم بعمليات نوعية من حين لآخر، وكذلك استجماع قدرتها على الحشد مجددا".
وأشار ملاعب إلى أن حي الشجاعية "له اعتبار خاص للمقاومة الفلسطينية، لارتباط اسمه تاريخيا بالشيخ شجاع الكردي الذي قتل بإحدى المعارك بعد حطين، وبالتالي يتوارث الفلسطينيون أن الشجاعية قلب المقاومة".
ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي، رغم التوسع في عملياته مؤخرا، فإنه دفع ثمنا أيضا لتلك المعارك، إذ تعرض للكثير من الكمائن التي نصبها مقاتلو حماس، ومن ثم فقد عددا من جنوده بين قتيل ومصاب، وكذلك تضرر جزء من معداته، وبالتالي يرغب مع عودته الراهنة لليوم الرابع على التوالي في تطهير المنطقة برمتها من عناصر الحركة، خاصة الأنفاق.