جاءت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى تركيا امتدادا لحراك أوسع نطاقا تخوضه السعودية شرقا وغربا بحثا عن شركاء موثوقين في مجال الأمن والدفاع الذي يعتبر موضع اهتمام استثنائي للمملكة المقبلة على أضخم مخطط تنموي في تاريخها والباحثة عن حماية مجالها وتأمين مصالحها والحفاظ على استقرارها من التهديدات والصراعات المشتعلة غير بعيد عن حدودها.
وبدأت المملكة تندفع بجرأة نحو دول ذات خبرات متراكمة وقدرات متطورة في مجال التسلح ونظم الدفاع مثل الصين وأخرى ذات تجارب نامية بثبات في المجال مثل تركيا، محاولة تخطّي الارتهان للشريك التاريخي لها الولايات المتحدّة الأميركية بكل ما أظهرته من تقلّبات في سياستها إزاء شركائها في المنطقة، ومن تفاوت في التزامها بأمنهم تبعا لطبيعة الإدارات التي تحكمها وحتى لتوجّهات الرؤساء وكبار المسؤولين الذين يكونون على رأس تلك الإدارات.
وجاءت زيارة الأمير خالد إلى أنقرة وقبل ذلك بفترة وجيزة إلى بكين بعد أن دار الحديث بقوّة عن اتفاق وشيك بين الرياض وواشنطن بشأن إبرام معاهدة بين الطرفين تلتزم الولايات المتّحدة بموجبها بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في إطار صفقة تهدف إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين المملكة وإسرائيل.
لكن الحديث عن الاتّفاق ما لبث أن خبا مخلّفا تساؤلات بشأن إمكانية تعثّره نظرا لارتهانه لتطورات الأحداث في المنطقة وتحديدا في قطاع غزّة حيث يستبعد أن تقدم السعودية على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل قبل أن تنتهي الحرب هناك وتتوقّف هجمات جماعة الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن والتي تربطها الجماعة بالحرب في القطاع وتقول إنّها تنفذها دعما لسكّانه.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون عزيمة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد فترت إزاء إبرام الاتّفاق المذكور مع السعودية بفعل عامل ضيق الوقت المتبقّي على موعد الانتخابات التي سيخوضها بايدن الذي بدأ يواجه تعقيدات ومصاعب ترجّح كفّة غريمه دونالد ترامب.
وبحسب المراقبين فإنّ تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب والاتفاق الدفاعي المرتبط بها لا ينفصلان عن غايات انتخابية حيث تريد الإدارة الديمقراطية تحقيق إنجاز يظهر للناخبين قوتّها الدبلوماسية وقدرتها على ضبط المشهد في الشرق الأوسط الذي كثيرا ما اُتّهمت بإضعاف نفوذ الولايات المتّحدة داخله.
ولا يبدو أن ما بقي من وقت يكفي للإدارة الأميركية لتحقيق إنجازها المنشود في ظل فشلها في وقف التصعيد في المنطقة سواء تعلق الأمر بالحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية أو بالهجمات الحوثية على خطوط الملاحة الدولية.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال التي كشفت عن مشروع الاتّفاق قد ذكرت أنّ مسودة المعاهدة “صيغت بشكل فضفاض على غرار الاتفاقية الأمنية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان”.
السعودية الباحثة عن تأمين أضخم مخطط تنوي في تاريخها لا تملك ترف مسايرة تبدلات المزاج الأميركي في موضوع الأمن
وذكرت أنّ المسودة تنص على منح واشنطن إمكانية استخدام الأراضي السعودية والمجال الجوي للمملكة من أجل حماية المصالح الأميركية وشركائها في المنطقة، مقابل التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم.
ولا تملك السعودية ترف الانتظار ومسايرة تبدلات المزاج الأميركي في موضوع حساس يتصّل بالأمن والاستقرار، ولذلك باتت تعمل بالتوازي مع الحفاظ على شراكتها الضرورية مع الولايات المتحدة على عقد شراكات مع دول أخرى.
وتجسيدا لهذا التوجّه زار وزير الدفاع السعودي، الثلاثاء، العاصمة التركية أنقرة حيث استقبل من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحضور وزير الدفاع في حكومته يشار غولر، في لقاء مغلق لم يرشح الكثير عن فحواه. وقالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية إنّه جرى خلاله “استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها وبحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها”.
وتريد السعودية استثمار التحسّن المشهود في علاقتها بتركيا بعد التوتّر الكبير الذي سادها بسبب قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول سنة 2018 وما أعقب الحادثة من حملة ضارية شنتها أنقرة على الرياض.
وجاء التغير الجذري في العلاقات نتيجة تغيّر في توجهات الطرفين التركي والسعودي معا باتّجاه تبريد الصراعات والتصالح مع دول المحيط وهو ما تجسّد في التصالح بين السعودية وإيران غريمتها الأولى في المنطقة، وبين تركيا وعدد من الدول التي كانت تجمعها بها علاقات متوتّرة.
وتستطيع تركيا أن تكون مفيدة للسعودية في مجال التسلّح ونظم الدفاع بفعل ما حققته من تقدم في المجال، حيث باتت من الدول المصنعة لجملة من الأسلحة الفعالة من ضمنها الطائرات المسيرة والمروحيات الهجومية والمقاتلات النفاثة والعربات المدرّعة والصواريخ الموجهة والذخائر وغيرها.
وكان الأمير خالد بن سلمان قد زار أواخر يونيو الماضي بكين حيث بحث مع نظيره الصيني دونغ جون ومع نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية جانغ يوشيا “العلاقات السعودية – الصينية وسبل تعزيزها في إطار الشراكة الإستراتيجية الدفاعية بما يخدم المصالح المشتركة”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء السعودية.