مع توليه حقيبة المالية، حظي سوناك بشعبية كبيرة، إلا أنها سرعان ما خفتت مع وصوله إلى رئاسة الوزراء، لتكلفه أيامه الـ100 الأولى خسارة متوقعة للانتخابات.
في 2020، تولى ريشي سوناك وزارة المالية في الوقت الذي كانت بريطانيا تعاني من جائحة كوفيد19، وحظي السياسي الشاب بشعبية كبيرة سرعان ما خفتت مع وصوله إلى رئاسة الوزراء، فأين كان الخطأ في أيامه الـ100 الأولى التي يبدو أنها ستكلفه خسارة الانتخابات العامة المبكرة المرتقبة غدا؟
وبعد شهرين فقط في منصبه كوزير للمالية قال أكثر من نصف الناخبين إنه يقوم بعمل جيد ولم يتمتع أي سياسي منذ رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير بمثل هذه التقييمات الإيجابية بين الجمهور، كما لم يتمتع أي وزير للمالية بهذه الشعبية منذ العمالي دينيس هيلي عام 1978.
وخلال السنوات الأربع التالية، انحدر التصنيف الشخصي لسوناك حتى إن ما يقرب من ثلاثة أرباع الناخبين يقولون الآن إنه "يقوم بعمل سيء" في حين يتجه المحافظين إلى خسارة أكثر من ثلثي مقاعده.
وشهدت الأيام الـ100 الأولى من حكومة سوناك الانخفاض الأكثر أهمية، حيث تراجعت في هذه الفترة نظرة الجمهور إلى رئيس الوزراء إلى مستوى لم يستطع السياسي الشاب تجاوزها، وفقا لما ذكؤته صحيفة "التلغراف" البريطانية.
بداية مشرقة
ووفقا لاستطلاعات شركة يوجوف، كان سوناك يتمتع بشعبية كبيرة عندما تولى وزارة المالية في أبريل/نيسان 2020، حيث قال 52% إنه يقوم بعمل جيد مقابل 9% فقط، قالوا إنه يقوم بعمل سيء، في حين قال 39% إنهم غير متأكدين.
وبعد انخفاض طفيف في تقييماته، استعاد سوناك بحلول يوليو/تموز 2020، تصنيف "عمله الجيد" مرة أخرى إلى 52% بفضل تقديم مخطط الإجازة أثناء كوفيد.
وفي هذه الفترة، بدأ سوناك في الترويج لنفسه عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أعلن فيها عن سياساته مع توقيعه المكتوب على كل صورة، ما أثار التكهنات حول طموحه لقيادة المحافظين في المستقبل.
بداية الأزمة
وبعد شعبيته الواسعة، بدأ سوناك منحدر هبوط ثابت منذ الأشهر الأولى لعام 2022؛ ففي نهاية يناير/كانون الثاني كان حوالي 34% يعتقدون أنه يقوم بعمل جيد في مقابل 26% قالوا إنه يقوم بعمل سيء، وفي فبراير/شباط تجاوز عدد الأشخاص الذين قالوا إنه كان يقوم بعمل سيء للمرة الأولى عدد الأشخاص الذين قالوا إنه كان يقوم بعمل جيد.
وبحلول منتصف أبريل/نيسان، قال 50% من الأشخاص إنه يقوم بعمل سيء مقابل 20% فقط قالوا إنه يقوم بعمل جيد، ومن الواضح أن تلك الأشهر الثلاثة كانت محورية بالنسبة لسوناك فيما يتعلق بمستقبله السياسي.
وخلال تلك الفترة، كان سوناك متورطًا بشكل متزايد في فضيحة "بارتيجيت" مع التأكد من خرقه لقواعد كوفيد، فيما يتعلق بالتجمعات العائلية، حيث شارك في الاحتفال بعيد ميلاد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في يونيو/حزيران 2020.
واعتذر سوناك عن تصرفه فيما حثه البعض على الاستقالة ليقدم نفسه في المنافسات المستقبلية لزعامة المحافظين على أنه متفوق أخلاقياً على جونسون، لكنه رفض.
على أعتاب القيادة
ومع ذلك، أثبت سوناك أن التقييمات السلبية يمكن عكسها من خلال التفكير المبتكر، فنجح بين شهري أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2022، في تضييق الفجوة البالغة 30% بين تقييماته السلبية والإيجابية إلى 16% فقط.
جاء ذلك بفضل قراره في مايو/أيار بفرض ضريبة غير متوقعة بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني على شركات الطاقة، للمساعدة في تمويل دعم تكلفة المعيشة، كما قرر رفع الحد التأميني وخفض رسوم الوقود.
تهدئة الأوضاع
بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022، عاد سوناك إلى المنطقة الإيجابية، فنجح في تولي رئاسة الحكومة خلفا لليز تراس التي أثبتت أنها لا تحظى بشعبية كبيرة مما أدى لاستقالتها بعد فترة قصيرة في المنصب بسبب ميزانيتها المتطرفة التي أثارت فزع الأسواق.
في ذلك الوقت قال سوناك للبريطانيين "لا شك أننا نواجه تحديًا اقتصاديًا عميقًا.. نحن الآن بحاجة إلى الاستقرار والوحدة، وسأجعل من أولوياتي القصوى جمع حزبنا وبلدنا معًا".
لكن سوناك لم يخبر الناخبين كيف سيقودهم إلى مستقبل أكثر إشراقا، بخلاف محاولته عكس المشاكل المتراكمة على مدار 12 عاما من حكم المحافظين بما في ذلك التضخم المرتفع، وقوائم الانتظار الضخمة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، إضافة إلى الاقتصاد المتدهور.
وخلال الـ100 يوم الأولى له في داونينغ ستريت، انخفضت شعبية سوناك بمعدل ينذر بالخطر، كما شهدت البلاد أكبر إضراب منذ أكثر من عقد من الزمان شارك فيه نصف مليون عامل في القطاع العام من المدارس والجامعات والسكك الحديدية.
وسجلت هيئة الخدمات الصحية الوطنية تأخيرات قياسية في سيارات الإسعاف وأوقات انتظار الحوادث والطوارئ، لتضاف إلى قوائم الانتظار المتزايدة.
واضطر سوناك إلى إقالة عدد من قيادات الحزب مثل جافين ويليامسون الذي استقال من مجلس الوزراء بسبب مزاعم بالتنمر، كما تعرض سوناك لانتقادات لأنه عين سويلا برافرمان وزيرة للداخلية بعد أيام من استقالتها لخرقها القانون الوزاري.
الوعود الخمسة
ومع بداية 2023، عادت الفجوة بين تقييماته السلبية والإيجابية لتصل إلى 30% حيث قال 56% إنه يقوم بعمل سئ مقابل 26% قالوا إنه يقوم بعمل جيد.
ومع ذلك، تمكن سوناك مرة أخرى من تقليص الفجوة إلى النصف بحلول مارس/آذار 2023، حيث قال 49% إنه يقوم بعمل سيئ و34% إنه يقوم بعمل جيد، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى خطابه في يناير/كانون الثاني الذي حدد فيه أولوياته للعام الجديد.
لقد تصدى سوناك للنقابات التي طالبت بزيادة أجور الممرضات بنسبة 19%، وكشف عن وعوده الخمسة، وهي: تقليص التضخم، وتنمية الاقتصاد، وخفض الديون، وتقليص قوائم الانتظار، ومنع قوارب المهاجرين.
لكن على مدار الأشهر السبعة التالية، ومع عدم وجود أي علامة على توقف القوارب، تراجعت تقييمات سوناك مرة أخرى.
ومنذ ذلك الحين، ظلت الفجوة بين تقييمات سوناك الإيجابية والسلبية تتسع بشكل متزايد، ففي الشهر الماضي قال 72% إنه يقوم بعمل سيئ مقابل 20% فقط قالوا إنه يقوم بعمل جيد.
صافي الصفر
ورغم ذلك، إلا أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، سجلت شعبية سوناك تحسنا طفيفا بسبب خطابه في الشهر الشهر السابق لتأجيل الحظر المفروض على بيع السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق من 2030 إلى 2035 وإبطاء التخلص التدريجي من مراجل الغاز الجديدة، وإلغاء الغرامات المفروضة على المنازل ذات العزل السيء، والتخلي عن خطط منح أصحاب المنازل ما يصل إلى سبعة صناديق مختلفة.
ومن خلال اتخاذ إجراءات جريئة لتقليل ما أسماه "التكاليف غير المقبولة" لصافي الصفر، وضع سوناك نفسه إلى جانب الجمهور والأسر، وظهر وكأنه مستعد للاستماع لهم لكنه لم يفعل ما يكفي لإظهار أنه يتحدث لغتهم.