مع توغل قواتها في منطقة كورسك الروسية الحدودية منذ 6 أغسطس/آب الجاري، أثبتت أوكرانيا أن عنصر «المفاجأة»، لا يزال ممكنا في ساحة المعركة الحديثة.
«إنجاز»، بحسب وصف المجلس الأطلسي، أكد «مهارة وكفاءة الجيش الأوكراني، وحطم ما اعتبر خطوطًا حمراء روسية»، مشيرًا إلى أنه يُعد «كافيا لإقناع شركاء كييف بأن الوقت قد حان الآن لزيادة الدعم العسكري، وتزويد أوكرانيا بالأدوات اللازمة لتحقيق النصر».
وفي تقرير له، قال المجلس الأطلسي، إن «قدرة الجيش الأوكراني على الحفاظ على سرية الاستعدادات للتوغل أمر مثير للإعجاب»، مؤكدًا أن الخبراء يرون أن «ساحة الحرب في أوكرانيا باتت شفافة بشكل ملحوظ، في ظل تزايد الاعتماد على المسيرات والمراقبة الكهرومغناطيسية التي جعلت من الصعب على الجيشين الاستفادة من عنصر المفاجأة».
وحتى الآن «لم يتضح كيف تمكنت كييف من تحقيق المفاجأة»، لكن التقارير الأولية تشير إلى «الدور الهام للمستويات غير المسبوقة من الصمت العملياتي والنشر المبتكر لقدرات الحرب الإلكترونية».
والتزم القادة السياسيون في أوكرانيا الصمت بشكل غير عادي بشأن الهجوم ولم يقدموا أي تلميح مسبق عنه، كما ذكروا القليل عنه خلال الأسبوع الأول للتوغل، ما يتناقض مع نهج كييف الصيف الماضي مع الحديث واسع النطاق عن الهجوم الأوكراني.
الأمر نفسه، أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، مؤكدة أنه حتى كبار القادة الأوكرانيين لم يعلموا بخطة التوغل إلا في اللحظة الأخيرة، وهو ما أكدته -كذلك- صحيفة «فاينانشال تايمز» قائلة إن الهجوم كان «مفاجأة» لحلفاء كييف في الغرب حيث لم يتم إخطار الولايات المتحدة أو ألمانيا بالهجوم مسبقا.
ويشير تحرك أوكرانيا دون ضوء أخضر غربي مسبق إلى مخاوف كييف من تردد قادة الحلفاء، وتأثير ذلك على إحباط الهجمات الأوكرانية في وقت تواصل فيه روسيا تقدمها ببطء في شرق البلاد.
ويبدو أن الجيش الأوكراني «نجح في قمع أنظمة المراقبة والاتصالات الروسية، مما منع روسيا من تحديد الحشد العسكري الأوكراني بشكل صحيح أو توقع الهجوم القادم»، بحسب «نيويورك تايمز».
وربما تكون كييف قد «استفادت من ثقة موسكو المفرطة، وأن روسيا لم تفكر جديا في إمكانية توغل القوات الأوكرانية داخل أراضيها»، حيث تؤكد الدفاعات المتواضعة في جميع المناطق الحدودية أن روسيا «توقعت غارات حدودية طفيفة ولم يكن لديها خطط لصد أي توغل بري».
وترجع ثقة موسكو إلى القيود الغربية المفروضة على أوكرانيا منذ بداية الحرب، والتي حظرت استخدام الأسلحة الغربية داخل روسيا وهي القيود التي تم تخفيفها جزئيًا في مايو/أيار 2024.
وبينما لا يزال من المبكر للغاية تقييم تأثير التوغل الأوكراني، إلا أن أحد الأسئلة المهمة هو ما إذا كان قادرا على إجبار الكرملين على تحويل الوحدات العسكرية من القتال في شرق أوكرانيا للدفاع عن روسيا، لكن الأكيد أن هجوم كورسك أثبت أن المفاجأة لا تزال ممكنة في ساحة المعركة الحديثة، وأنه يتعين على الغرب الاقتناع بأن الوقت قد حان لزيادة الدعم لأوكرانيا.
تمرد فاغنر؟
من جانبها، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن الهجوم الأوكراني المفاجئ كان لحظة صادمة لروسيا تشبه تمرد قائد فاغنر يفغيني بريجوزين العام الماضي.
وقالت الصحيفة إن الهجوم «مقامرة كبرى»، خاصة مع «هيمنة روسيا على جزء كبير من خط المواجهة، وتحقيقها تقدمًا كبيرًا في الشرق»، مشيرة إلى أنه «إذا تمكنت القوات الأوكرانية من الاحتفاظ بالأراضي، فقد تؤدي إلى إرهاق القوات الروسية، والحصول على ورقة مساومة لأي مفاوضات سلام».
لكن إذا تمكنت روسيا من طرد القوات الأوكرانية خارج كورسك بالتزامن مع المضي قدمًا في شرق أوكرانيا فسيتعرض القادة العسكريون الأوكرانيون للوم بسبب منحهم الروس فرصة لكسب المزيد من الأرض.
وأكد المسؤولون الأمريكيون لـ«نيويورك تايمز»، أنهم لم يتلقوا أي إشعار رسمي بشأن التوغل ربما بسبب خوف كييف من رفض واشنطن للعملية أو بسبب الهوس من التسريبات.
واستخدمت أوكرانيا المركبات والأسلحة والذخائر التي زودتها بها الولايات المتحدة، رغم تحذير واشنطن من أنه لا يمكن استخدامها داخل روسيا إلا لضربات دفاعية محدودة، لكن سابرينا سينغ، نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون، قالت إن كييف لم تنتهك التحذير، مضيفة: «إنهم يتخذون إجراءات لحماية أنفسهم من الهجمات».
وظل المسؤولون الأوكرانيون صامتين بشأن المهمة، التي لم يعترف بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلا السبت الماضي فيما قال الجنود الأوكرانيون إنهم لم يعرفوا الخطة مسبقًا، كما قال محللون عسكريون لوكالة «رويترز» إنهم لا يعرفون الخطة.