أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب أمام البرلمان التركي الخميس أنه سيتوجه إلى قطاع غزة مع “جميع أعضاء القيادة الفلسطينية”، داعيا إلى “تأمين وصولنا إليه”.
وأثار تلويح عباس بالذهاب إلى غزة مع ما يحمله من مخاطر تساؤلات حول الهدف منه، هل هو مسعى من الرئيس الفلسطيني لإثبات الحضور بعد أن صارت الهدنة في غزة ملحة لمنع الرد الإيراني المحتمل، أم أن ما قاله ليس إلا مجرد “نصيحة” أو صدى لما سمعه خلال زيارتيه إلى كل من موسكو وأنقرة ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وليس مستبعدا أن يكون الذهاب إلى غزة وملء الفراغ الذي خلفه تفكيك إسرائيل لسلطة حماس من بنات أفكار روسيا أو تركيا، أو الاثنتين معا، لدخول اللعبة بعد استئثار الولايات المتحدة بكل صغيرة وكبيرة في الأزمة؛ فمن غير المعقول ألّا ينتبه عباس إلى ضرورة استعادة سلطته في غزة وإثبات حضوره بشكل قوي في مرحلة ما بعد الحرب إلا بعد جولته في موسكو وأنقرة.
ما قاله عباس قد يكون أفكارا روسية أو تركية أو أفكارا مشتركة لدخول اللعبة بعد استئثار واشنطن بالملف
ولا شك أن عباس صار يشعر بالعزلة رغم أنه رئيس السلطة الفلسطينية، والمفروض أن يكون شريكا في مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية وقطرية ورعاية أميركية وضوء أخضر إسرائيلي.
لكن توتر علاقته مع إسرائيل وبرود علاقته مع الولايات المتحدة وتراجع دور السلطة سياسيا وأمنيا وعجزها عن ملء مكانها كقوة في مواجهة حركة حماس، كل ذلك دفعه إلى العزلة. وقد تكون فكرة الذهاب إلى غزة دون أي اتفاق مسبق وسيلته للعودة إلى الواجهة.
وقال الرئيس الفلسطيني أمام النواب “أعلن أمامكم وأمام العالم أجمع، لأنه لم يعد أمامنا حلول، فالحل الأمثل أمامنا وأمام شعبنا الفلسطيني، أنني قررت التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة”.
وأضاف “سوف أعمل بكل طاقتي لكي نكون جميعا مع شعبنا لوقف هذا العدوان الهمجي حتى لو كلفنا ذلك حياتنا، فحياتنا ليست أغلى من حياة أصغر طفل من قطاع غزة أو من الشعب الفلسطيني”.
ودعا عباس “قادة دول العالم والأمين العام للأمم المتحدة لمشاركتنا في هذا القرار، وتأمين وصولنا إلى قطاع غزة، وستكون وجهتي بعدها إلى القدس الشريف، عاصمة دولتنا الفلسطينية”.
ورأى أن إسرائيل تحاول أن تكرّس “فصل قطاع غزة عن مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، وعن الضفة الغربية والقدس”، مشددا على أن “دولة فلسطين هي صاحبة الولاية على قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها الأبدية، القدس الشريف، وإن شعبنا الفلسطيني بجميع مكوناته وأحزابه وفصائله، لم ولن يقبل بوجود الاحتلال الإسرائيلي في شبر واحد من قطاع غزة أو الضفة الغربية والقدس”.
وتسيطر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على غزة منذ عام 2007 في أعقاب اشتباكات مسلحة مع حركة فتح التي يتزعمها عباس. ومنذ ذلك الحين تفرض إسرائيل على القطاع حصارا صارما.
ويزور عباس تركيا بعد لقائه الرئيس الروسي في موسكو الثلاثاء. والتقى أردوغان الأربعاء في أنقرة وبحثا موضوع وقف إطلاق النار في غزة ومسألة تحقيق السلام.
وثمّن عباس “دور تركيا الرائد بقيادة أردوغان لمواقفه الشجاعة والمبدئية دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والاستقلال”.
وشدد على أن “أولويتنا اليوم هي وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب الكامل والفوريّ منه (القطاع)، والإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية، ومنع التهجير القسري، وعودة النازحين إلى بيوتهم ووقف الاستيطان وجرائم قوات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة والقدس”، مضيفا “لذلك أطالب مجلس الأمن بتنفيذ قراراته بضرورة وقف إطلاق النار، وسحب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة”.
ويحاول عباس بهذه التصريحات أن يضع نفسه في قلب الحراك الخاص بالهدنة، وخاصة اجتماع الدوحة الذي ينتظر أن يخرج بنتائج تعبد الطريق لوقف إطلاق النار، ولو بشكل مؤقت، وضبط خطى تفصيلية لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وأعداد من الأسرى الفلسطينيين.
لا شك أن عباس صار يشعر بالعزلة رغم أنه رئيس السلطة الفلسطينية، والمفروض أن يكون شريكا في مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل
واعتبر البيت الأبيض أن الجولة الجديدة من المفاوضات، الهادفة إلى تحقيق هدنة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، حققت “بداية مشجعة” مع استئنافها الخميس في الدوحة، من دون أن يتوقع التوصل إلى اتفاق سريع.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن “اليوم (الخميس) هو بداية مشجّعة”، مؤكدا أن المباحثات انطلقت في وقت سابق في العاصمة القطرية بمشاركة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” وليام بيرنز. وأضاف كيربي “يبقى الكثير من العمل. نظرا إلى تعقيد الاتفاق، لا نتوقع الخروج من هذه المباحثات باتفاق اليوم (الخميس)”.
وتوقع المتحدث أن تتواصل المباحثات الجمعة. وأوضح “هذا عمل محوري. يمكن تجاوز العقبات المتبقية، وعلينا أن نوصل هذه العملية إلى خاتمتها”.
وتابع “علينا أن نرى الرهائن وقد تمّ الإفراج عنهم، مساعدات للمدنيين الفلسطينيين في غزة، الأمن لإسرائيل وتوترات أقل في المنطقة، وعلينا أن نرى هذه الأمور في أقرب وقت ممكن”.
ويشارك في المفاوضات كل من مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني. ويترأس الوفد الإسرائيلي رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) دافيد برنياع، ويضم الوفد أيضًا رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، ومسؤول ملف المفقودين في الجيش نيتسان ألون.