خرج عبد الملك طباطبا الخوثي من كهفه، لاهثًا وراء الزمن الذي أفلت من بين أصابعه. وجهٌ شاحب، خطابٌ كعويل في صحراء مقفرة، يمسك الكلمات كمن يمسك رملًا يتسرب. لا شيء جديد تحت شمسه الكئيبة: تهديدات تُشبه ظلاله الثقيلة، تخويف مُعادٌ بلغة مستعارة من معلمه البعيد، #حسن_نصرالله، الذي أُجهد صوته ذات يوم في #لبنان، يوزع التهديد والوعيد كأن الأرض خُلقَت لتُطوى تحت أقدام مشروعه الفارسي.
لكن الزمن غيّر جلده. #طهران، التي هندست أربعين عامًا من الوهم، سقطت على بوابة الشام. المشروع الذي تكدس تحت خيامه المال والبشر والخرائط والآلهة المزعومة، انهار فجأة كما تنهار الأساطير حين تمسّها الحقيقة. #سوريا، العمود الفقري الذي استند عليه محور الشر، صارت عظامًا مكشوفة. حزب الله، حارس الأسطورة، تراجع إلى ما وراء الجدار، وحين انكشف ظهره، ألقى #دجّال_مران خطابه الأخير كمن يصرخ في الفراغ.
ما الذي كان يُنتظر من رجلٍ لا يجيد الاعتراف؟ أي كلمات عقلانية تُرجى من فم تعوّد على مضغ الدماء؟ كان اليمنيون ينتظرون اعتذارًا، لا عذريةً مستحيلة لرجلٍ خان الوطن منذ اللحظة الأولى. ينتظرون كلمة عن بيوت هُدمت فوق ساكنيها، عن معتقلات حوّلت أجساد الأبرياء إلى خرائط من الألم، عن نهر دمٍ جفّ ولم يجفّ الغليل. لكن عبد الملك، ككل الطغاة، لا يرى سوى ظله الممدود على الأرض، لا يسمع سوى صوته المتصدّع، ولا يعرف أن الزمن، وهو يكتب تاريخه الجديد، لا يترك لأحد فرصة التكرار.
اليمن ليس صفحة في كتاب الفرس، ولا خريطة تُستباح خطوطها بالرصاص. الشعب الذي أنهكته السنوات، الذي حمل على ظهره جبالًا من الخسارة، يُمسك الآن بزمام خلاصه. يدرك أن ساعة الفجر اقتربت، وأن لحظة التحرير لا تُخطئ وجهتها. الغضب المتراكم على مدى عقد من الزمان يُولد الآن من رحم الصبر الطويل، كالبركان الذي يخرج ليطهر الأرض من كل ما علق بها.
هذه البلاد، التي جرّبت الحرب والخراب والخيانة، ليست ساحةً تُعقد عليها صفقات الوهم. "عبد الملك نهشل طباطبا" وأمثاله، أولئك الذين استعاروا بنادق غيرهم ليقتلوا بها أهلهم، لم يدركوا أن الطين الذي يشهد الولادة الأولى، يشهد أيضًا موت المغتصب. اليمنيون لن يفرّطوا في لحظة كهذه. لن يتركوا وطنهم بين براثن ميليشيا لا تعرف سوى لغة الجُبن والقمع.
اليمن سيعود إلى أصله العربي، طاهرًا كأول العهد. لن يقبل هوية ملطخة بمشاريع الخارج. الرجال الذين خرجوا من تحت الرماد سيعيدون ترميم الحكاية، يزرعون ما أُحرق، ويرفعون من جديد سقفًا اسمه الكرامة.
عبد الملك، الذي هرب من الواقع إلى الكهوف، لم يفهم أن التاريخ لا يرحم أحدًا، وأن ما أُخذ بالقوة ستسترده الأرض بأظافر أبنائها. لا سجون تدوم، ولا خُطب تُعيد الموتى إلى الحياة. الخلاص الآن قاب قوسين أو أدنى، واللحظة التاريخية لا تنتظر المترددين.
اليمنيون سيكتبون نهايته على جدار الزمن: سقط الوهم… وأشرقت الأرض بوجوه رجالها الأحرار.
والله أكبر
* كاتب وصحافي من اليمن المُحتّل