حتى الان اسفرت هجمات الحوثي الاخيرة عن منح تل ابيب فرصة اكبر وذريعة مناسبة لاستغلال الوقت الفائض - حتى مجيئ ترامب الى السلطة- كي تواصل تدمير اكبر قدر ممكن من الاصوال الجيوسياسية الايرانية (في اليمن او حتى في الداخل الايراني).
لقد بدات دورة التصعيد الاسرائيلي الايراني الاخيرة في/ من اليمن منذ منتصف سبتمبر الماضي، عندما نجح الحرس الثوري في رفع مستوى التهديد المباشر ضد اسرائيل عبر ادخال صاروخ "فلسطين٢" الى الخدمة والقادر على بلوغ تل ابيب ، وبناء عليه اعلن الحوثيون عن المرحلة الخامسة من التصعيد التي استمرت ايضا خلال نوفمبر.
و ارتبط قرار التصعيد باحتدام المواجهات في لبنان ، لكنه استمر حتى بعد توقفها . و في ديسمير الجاري -وعوضا عن خفض منسوب العمليات على غرار لبنان والعراق - اخذ السلوك الايراني في اليمن يزداد حدة ومقامرة ،و للوهلة الاولى بدا و ان طهران تعيش حالة انكار جيوسياسي عقب صدمة حزب الله و زلزال سوريا.
قد لا يستبعد ان يكون قرار التصعيد الايراني الحاد من اليمن حلقة جديدة في مسلسل سوء التقدير الاستراتيجي الذي ظهر في ساحات اخرى وجاء بنتائج عكسية وخيمة بل وصادمة ، لكن هذا لا يمنع وجود حسابات عقلانية دفعت طهران الى تنشيط اخر ذراع اقليمي فاعل لديها كي تتحدى حالة الضعف والانحسار وكي تداعب نزعة الغرور الاسرائيلي.
وعلى الاغلب فان الحسابات الايرانية في اليمن ، لن تخرج عن الاحتمالات التالية:
١- هو أن الحرس الثوري مصر على إثبات جدوى سياسته الخارجية وعقيدة الدفاع الأمامي والردع النشط ، من خلال تحويل اليمن الى ساحة تعويضية تكون بوليصة التأمين الجديدة ضد إسرائيل عقب تفكيك حلقة النار في الشمال.
وهذا الإصرار مرتبط أيضآ بترتيبات الصراع الداخلي في إيران ، وخشية الحرس الثوري من أن المعتدلين بقيادة بزشكيان في حال تمكنوا من تغيير السياسة الخارجية لإيران فإنهم حتما سوف يغيرون التوازنات السياسية الداخلية أيضا ، وهذا الأمر سوف ينعكس أيضا على ترتيبات الخلافة المرتقبة للمرشد الأعلى .
٢- قد يكون هذا التصعيد مجرد مناورة تكتيكة مؤقتة لمحاولة تحسين الموقف التفاوضي مع الأمريكان ، وبالتالي سوف ينزل الإيراني عن الشجرة بمجرد حدوث تواصل جاد بينه وبين واشنطن ، وقد تكون إيران حريصة على استباق أي هدنة في غزة باستعراض قوتها وتأكيد على تماسك محورها.
وهم يراهنون على وعورة الساحة اليمنية التي سوف تقلل أي خسائر حالية من جراء التصعيد المؤقت والتي سوف تجعل الرياض وواشنطن أميل إلى التفاوض بدلا من الحسم.
٣- أما الاحتمال الثالث فهو إن الإيرانيين قرروا تقديم الحوثي كقربان لاستنزاف الغرب وإسرائيل وبالتالي استباق نقل المواجهة إلى العراق أو إيران ، وشراء أكبر قدر من الوقت حتى يتم ابرام اتفاقية دفاعية مشتركة مع روسيا او صنع قنبلة نووية تسمح بترميم معادلة الردع الإيراني التي انهارت بشكل غير مسبوق عقب سقوط سوريا.