في الحرب يبدو إعادة ترميم مدرسة أو منشأة صغيرة، انجازا ومعجزة، فكيف إذا كانت هذه الانجازات تتوالى على شاكلة كليات وأكاديميات عسكرية، وعودة الحياة الأكاديمية والتأهيلية إلى سابق عهدها بذات الإيقاع والحيوية والعسكرية والتناغم بعد قرابة عقد من التوقف.
في مطلع الأسبوع الجاري، كانت الصورة القادمة من العاصمة عدن، لنائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اللواء الركن عيدروس الزبيدي، ووزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري، وهما يتلقطان صورة تذكارية مع خريجي الأكاديمية العسكرية العليا، تقول إن روح التعافي في المؤسسة العسكرية، قد بدأ يدب بكامل ألقه وحيويته ومهارته وسمته وهندامه، وإن كبرى الكليات والمعاهد العسكرية، بل والأكاديميات العسكرية، قد استوت على أشدها وفتحت أبوابها لصناعة وتأهيل القادة والضباط على امتداد البلاد بأسرها.
ولقد مثل إعادة افتتاح الاكاديمية العسكرية في العاصمة المؤقتة خطوة جبارة، لم تكن لتكلل او يكتب لها النجاح، وتكون على الموعد والوعد جاهزة ومهيئة لولا جهود معالي وزير الدفاع منذ الأشهر الأولى لتقلده المنصب، وحرصه على أن تكون هذه الأكاديمية وباقي الكليات ومرتكزات التأهيل وصقل وإعداد القادة أولويات ومهام قصوى لا تقبل التأجيل أو التريث، تحت أي ظرف وحائل.
ومنذ أعيد افتتاح الكلية الحربية وتخريج اولى دفعاتها من الجامعيين قبل أشهر، وحصد وجني ثمارها من قبل مختلف مكونات وتشكيلات القوات المسلحة، اتجهت جهود القيادة السياسية والعسكرية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبمتابعة حثيثة من نائب رئيس المجلس اللواء الزبيدي، وإشراف مباشر من معالي الفريق الداعري لإعادة افتتاح الأكاديمية العسكرية العليا، وهو انجاز لم يكن من السهل اجتراحه وحدوثه، لولا شعور مهندسي هذا الإنجاز العسكري، بأهمية عودة الأكاديميات والكليات، واكتمال مشهد البناء والتأهيل والتعافي، وإتاحة المجال لمنتسبي كافة التشكيلات العسكرية للانخراط والالتحاق بهذا الصرح المشهود له بالكفاءة والاحترافية.
إن تخريج عدد من الدفع من الأكاديمية العسكرية العليا بكلياتها الثلاث في هذه الظروف الاستثنائية، يوم تاريخي ومشهود في سجل المؤسسة العسكرية الحديثة، ذلك أن الأكاديمية هي أهم وأرفع وأعلى مؤسسة تعليمية عسكرية. وبصورة تقريبية فإن عودة الحياة للأكاديمية العليا وبدئها في تخريج عدد من الدفع -الدفعة السابعة حرب عليا، والدفعة السادسة دفاع وطني، والدفعة السادسة عشر قيادة وأركان- يؤكد بأن المؤسسة العسكرية التي ما زالت في الميادين ولم تغادر متارسها بعد قد وضعت أقدامها على أعتاب عهد جديد من تنمية القدرات والمهارات العسكرية ومواكبة الأبحاث العلمية والتطبيقية في المجال العسكري والقومي.
ورغم أن المؤسسة الدفاعية والعسكرية أكثر المؤسسات التي تعرضت للاستهداف والتدمير والتخريب والحرب، الا انها من أوائل مؤسسات الدولة تعافيا وتطبيعا للحياة، وأضحت تشهد تخريج دفعات وأفواج من منتسبيها من مختلف الكليات والأكاديميات والمؤسسات التعليمية، وذلك بفعل اهتمام القيادة السياسية وجهود القيادة العسكرية، واستشعار أهمية واستراتيجية عودة الكليات بكل هيبتها وجلالتها وهندامها، وعلى طريق البناء والمؤسسية واستعادة الدولة ومؤسساتها، التي لن تأتي بها إلا مؤسسة عسكرية على درجة عالية من البناء والتأهيل والكفاءة والجاهزية.